stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

تأمل الاحد ٢١ فبراير المطران كريكور اوغسطينوس كوسا

872views

wpid-52820R

“أقومُ وأمضي إلى أبي وأقول له : يا أبتِ خطئتُ إلى السماء وأمامك ” ( لوقا ١٥ : ١٨ )

إن الصوم لا يكون مقبولاً لدى الله إلاّ إذا اقترن بالتوبة والندامة الحقيقية النابعة من القلب .

وهذا ما اشار إليه السيد المسيح عندما قال : ” وإذا صمتم فلا تُعبسوا كالمرائين، فإنهم يُكلِّحون وجوهَهُم ليظهرَ للناسِ أنهم صائبون . الحقَّ اقولُ لكم أنهم اخذوا أجرهم . أما أنت فإذا صمت َفأدهن رأسك واغسل وجهك لكي  لا يظهر للناس أنك صائم بل لأبيك الذي في الخفية . وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك “( متى ٥: ١٦- ١٨ ).

١ – الصوم إذلال للنفس :

أجمل الصوم وأحسنه الإبتعاد عن المظاهر والمناظر والتبجج والرياء . ولذلك رذل السيد المسيح صوم الفريسيّ لبعد هذا الأخير عن البساطة وإغراقه في المباهاة  ” اللهم ،  شكرا لك لأني لستُ  كسائر الناس السّراقين الظالمين الفاسقين.. ” ( لوقا ١٨:  ١١ – ١٢ ) .

ونحن نعرف أن الصوم ، إذا فقد معناه ،  رذله الله .

والصوم هو إذلال النفس في حضرة خالقها ، وتعبيراً عن توبة صادقة .  لذلك يعتبر الصوم رمزاً إلى الإقرار الباطني لسيادة الله المطلقة علينا ودليلاً على أسف لإمتهان كرامته ،  ويجب أن يتصف بالتواضع وإنسحاق القلب والايمان العميق والابتعاد عن الكبرياء والرياء . ولا يظن أحد أن الله يجني فائدة عن رؤيتنا ونحن نصوم أو يُسر لرؤيتنا ونحن نتعذب بالانقطاع عما لذّ وطاب من المأكل والمشرب ،  وما كان الله ظالماً بحق عباده . فهو قد أراد الصوم وسيلة لا غاية . فإذا كانت هناك وسيلة أُخرى ، فهو يرضاها ، ولذلك قال على لسان أشعيا النبي :

” أليس الصوم الذي فضَّلتُه هو هذا :

حلُّ قيود الشر وفَكُّ رُبُط النّير

 وإطلاق المسحوقين أحراراً

وتحطيم كُلَّ نير ؟

اليس هو أن تكسِرَ للجائع خُبزك

وأن تُدخِلَ البائسين المطرودين بيتكَ

وإذا رأيتَ العريان أن تكسوه

وأن لا تتوراى عن لحمِكَ . ( أشعيا ٥٨ : ٦ – ٧ ).

اي ذويك واقرباءك واصحابك ، وقد برّر السيد المسيح تجاه تلاميذ يوحنا مسلك تلاميذه الذين لا يصومون بقوله : ” أيستطيع اهل العُرس أن يحزنوا أو يصوموا مادام العريس بينهم ؟ ” (متى ٩ : ١٥) . لانه لا يقصد الصوم للصوم . وإن مثل هذا الصوم له قدرة استشفاع لا تردّ .

٢ – قدرة الصوم :

في العهد القديم نرى الله أنقذ اليهود زمن غضب الملك احشورش بفضل ما تمرسوا به من أصوام ( راجع سفر استير ٤ : ١٦- ١٧ ) ، وجنب نينوى الدمار لإنقطاع أهلها إلى الصوم والصلاة ( يونان ٣ : ٥- ٩ ) و وهب يوحنا المعمدان الجرأة على الجهر بكلام الله والإستشهاد في سبيله لأنه قضى حياته في تقشف واصوام ، وبدأ يسوع حياته ورسالته بالصوم أربعين يوماً وأربعين ليلةً ( متى ٤ : ٢ )  ليعطينا مثلاً في التمرس بهذا العمل التقوي ،  وأوضح لنا أن هناك انواع من الشياطين والأرواح النجسة لا تخرج إلاّ بالصوم والصلاة  ” إن هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصوم والصلاة ” (مرقس ٩ : ٢٩ ) . وهذا ما تمرس به الرسل ولاسيما القديس بولس الرسول الذي كان يفاخر بما تحمل من : ” الشدائد والمضايق والمشقات والجلد والسجن والفتن والتعب والسهر والصوم ” ( قورنتس الثانية ٦ : ٤ – ه ). وقد إتبع اولياء الله وقدّيسوه هذه الطريقة في كل عصر ومكان منذ بداية المسيحية حتى يومنا هذا، لأنها تسعف على كبح الاجيال والعادات وترويض الأهواء وتطهير النفوس وتسهيل الإتصال بالله والتقرب منه.

ولقد أثرَّ الصوم على الكثيرين من كبار رجال الدنيا حتى من غير المؤمنين ، انهم كانوا يستعينون بالصوم لتصفية أذهانهم وتنقية أفكارهم ممّا يكون قد علق بها من شوائب.

أفما يليق بنا أن نصوم إقتداءً بالسيد المسيح ورسله وقدّيسه فنستخدمه وسيلةً من وسائل العبادة الحقة والتقوى الراسخة ؟

اللهم  أعطنا أن نصوم بفرح وتهلل ومحبة ، وألاَّ نعبس ونحزن لكي لا  يظهر صيامنا إلاّ لك ، أنت الذي تجازي المؤمنين وتكافئهم في العلن عما يأتونه من اعمال مبرورة فى الخفية.

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا

أسقف الإسكندرية واورشليم والاردن للأرمن الكاثوليك