الله يقترح على إيليا أن يذهب إلى أرملة فى صرفة لكى تعوله و تنفق عليه، أول شئ يتبادر للذهن هو لماذا هذا الإقتراح الربانى؟ ربما من المفيد التذكير بأن روح إيليا كانت مطلوبة من إيزابل زوجة الملك آخاب لأنه قتل أنبياء البعل غيرة على حبه لله.
لقد أخذ إيليا على عاتقه مهمة القضاء على الأنبياء الكذبة و المنافقين اللذين كانوا يزينوا للملك مشهد استغلاله للفقراء و نهبه لمساكن الأبرار، لم يكن مقبولاً أن يشارك هؤلاء الأنبياء الكذبة إيليا فى تسميتهم أنبياء ، تطهير رجال الله من الخيانة و النفاق هى الرسالة التى اتخذها على عاتقه.
و لكن السؤال كيف لنبى حقيقي أن “يقتل”؟ هل عملية “القتل” حتى للأنبياء الكذبة مُصرح بها لإيليا دون غيره؟ و كيف لقاتل أن يأويه الرب عند أرملة؟!
في الواقع إن صفة “القاتل” فى ذلك الحين من التاريخ لم تكُن سبّة فشريعة العهد القديم “عين بعين و سن بسن” و من قتل يُقتل، الغرض من قصة أرملة صرفة هو إبراز عناية الله لأنبيائه الحقيقيين ، اختيار الفقيرة ارملة صرفة لكى تعول الفقير النبى ايليا و الذى لم يكن له أسرة أو مأوى أو حارس ليدافع عنه و يصرف عليه.
زجاجة الزيت التى لم تنتهى و بعض الدقيق الذى لم ينتهى و إحياء ابن الرملة التى سيتردد صداها فى العهد الجديد حينما يقيمه يسوع ابن ارملة نايين ، كلها شواهد على رعاية الله لرجاله، إن ايليا رجُل الله يشهد لنا اليوم كما بالأمس منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، أن الله قادر أن يستف الظروف المختلفة و يوظف العلاقات المختلفة ليُساند أبناءه أينما كانوا وفى أى زمان أو مكان كانوا.
لقد نطقت بالحقيقة المرأة الأرملة، بأن ما لديها لا يكفى لها و لإبنها و لغريب يطرق بابها، و لكن إيليا الذى صعد فى عربة من نار إلى السماء حسب التقليد الكتابى، أى صعد حياً إلى السماء إكراماً لما فعله من دفاع عن العقيدة و إصراراً على تنزيه الله من كل نفاق و كذب الصقه به الأنبياء الكذبة إن هذا الإيليا لديه عند الله حظوة. مثلما وجدت مريم العذراء حظوة عند الله و حبلت بيسوع.
ها هو ايليا يعد المرأة أن الدقيق لن ينتهى و الزيت كذلك بل سيفيض و سيؤدى الغرض للأسرة الفقيرة و معهم النبى الفقير، إن بركة تكثير الخبز التى قام بها المسيح ليشبع الجموع التى كانت تحتشد ليسمع كلمته الحيّة المحيية هى هى البركة التى و ضعها الله فى قنينة الزيت و زق الدقيق.
هكذا نؤمن أن ما حدث مع إيليا منذ أكثر من 3 آلاف سنة من بركة و رعاية و عناية من الله. مازال يحدث معنا اليوم فى حياتنا القاسية على الأرض.
هكذا رعاية الرب تمر عن طريق الانسان و يسخر الرب الناس لخدمة بعضهم البعض بحب و حنان، إن الطفل الذى كان معه خمسة أرغفة و سمكتين حينما قدمهم للتلاميذ لإشباع الجموع لم يكن يتصور التلاميذ ما فعله يسوع المسيح حينما باركهم و شكرالله و قدموها للجموع الجائعين.
دائماً يوجد مخرج من الظلمة و من الضيق الذى يجد فيه الانسان نفسه، كل مرة فتح المؤمن قلبه أمام الله و توجه له بالسؤال و الدعاء فإن الله يرسل له عونا من حيث لا يدرى.