من الواضح جداً بأننا نمر في ظروفٍ صعبة عصيبة غامضة ليس فقط في بلادنا ولكن أيضاً في شرقنا، ليس وحدنا كمسيحيين ولكن كلنا كعرب مسيحيين ومسلمين.. وفي مثل هذه الظروف تتسرب إلى القلوب المخاوف ويغزوها القلق والهم والغم مما قد يدفع الى اليأس والاحباط لا بل الى الهروب قائلين في أنفسنا “هذا عالمٌ ليس لنا”..!
وبالذات في هذه الاوقات تأتينا كلمة الله لكي تنير لنا الدرب وتطمئن القلوب وتفتح الأذهان وتعزي النفوس.
ففي القراءة الأولى ومن سفر حزقيال يطلب الرب من النبي أن ينطلق إلى آل اسرائيل ويكلمهم وينذرهم لأنهم أناسٌ متمرون، عُصاةٌ، صِلابُ الوجوه وقُساةُ القلوب، ورغم أنهم قد لا يسمعون لأنهم بيت تمرد، إلا أن الرب يشدد النبي ويشجعه: “وأنت يا ابن الإنسان، فلا تَخَف منهم ولا تًخًف من كلامهم، لأنهم يكونون معك عليقاً وشوكاً، ويكون جلوسك على العقارب. من كلامهم لا تَخَف ومن وجوههم لا ترتعب، فإنهم بيت تمرد”. ويُصِّرُ عليه بأن يكلمهم سواء أسمعوا أم لم يسمعوا..
في الاوقات الصعبة علينا أن لا نخاف ولا نرتعب.. علينا أن لا نسكت عن قول الحق واعلان الحقيقة، علينا أن نقف على اقدامنا وننطلق.. علينا أن نحافظ على القوة في القلوب والشجاعة في التصرف.. علينا أن نعلن كلمة الرب في وجه عالم أعوج أخرس أطرش أعمى.. فلا يمكننا أن نرى الخطأ والخطيئة ونسكت، فالساكن عن الحق شيطان أخرس.. لذلك فالكنيسة لا يمكنها أن ترضى بالحرب، بالظلم، بتجارة الأسلحة، بتدمير الخليقة، بامتهان كرامة الانسان، بالإجهاض، بزواج المثليين. لأن كل هذه الجرائم هي خطايا صارخة أمام وجه الله وتدمير للخليقة وتشويه لوجه الله في الانسان المخلوق على صورته ومثاله.
أما بولس الرسول فيقول بأن الله كان يمتحنه بشوكة في جسده وأن رسول الشيطان كان يلطمه.. بعيداً عن التفسير الحرفي لهذه الآية فإننا نرى بأن أشواكاً تؤلمنا وشياطين تلطمنا ليل نهار، لذلك موقفنا سيكون تماماً مثل بولس بأن نسأل الله لا بل نصرخ ونستغيث ليس فقط ثلاث مرات فحسب بل آلاف المرات بأن تزول الأشواك وتبتعد الشرور.. ويأتينا جواب الرب المعزي: “حسبك نعمتي، فإن القدرة تبلغ الكمال في الضعف” أي أن الله يطلب منا بأن لا نعتمد على أنفسنا ولا نتكل على قوتنا وعضلاتنا (اللحم والدم) ولا على قوة البشر (العالم) فحسب بل على نعمة الله وقوته، وكذلك بأن الضعف والتجربة والالم هي سبيل لا بل طريق إجبارية تجعلنا نقوى وننضج في الحياة.. فهناك وجهٌ مشرق وسط الاوضاع المظلمة فالفجر يبزغ بعد الليل الطويل المعتم وسنتنعم بنور النهار في نهاية المطاف.. لذلك لا بُدَّ أن يكون موقفنا كبولس الذي سلَّم أمره لله وقبل واقع الأمر: “ولذلك فإني راضٍ بحالات الضعف والإهانات والشدائد والاضطهادات والمضايق في سبيل المسيح، لأني عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً”. والتسليم لا يعني الاستسلام أو الضعف والخنوع بل الاتكال على قوة الله.
أما الانجيل فينقلنا مع يسوع الى الناصرة “وطنه وأهله” ولكن يحدثنا عن رفضهم له مما دعاه ليعلن الجملة الشهيرة التي أصبحت مثلاً شائعا متداولاً: “لا يُزدرى نبيٌ إلا في وطنه وأقاربه وبيته” وسبب الرفض هو استغرابهم من حكمته ومعجزاته، لذلك يستغرب يسوع من قلة ايمانهم ولا يجري إلا القليل من المعجزات بينهم. فإذا كانوا يفعلون بالمعلم هكذا فكم بالأحرى التلاميذ؟ فليس التلميذ أفضل من معلمه، فقد أخبرنا مسبقاً بأن العالم سيبغضنا، ولكن هذا لن يحبط مسعانا ولا يخيفنا لأنه وعدَ أيضاً “ثِقوا فاني قد غلبتُ العالم” وهذا يعزز لدينا أيضاً الثقة والايمان في وسط العاصفة والرفض والاضطهاد والالم وحتى الصليب.. فالمسيحي لا يخاف ولا يستسلم ولا يتراجع ولا يهرب بل يستمر ويسير إلى الأمام كما فعل المعلم الذي أكمل طريقه: “ثم سار في القرى المجاورة يُعلم”.
من الواضح أن الطريق وعرة صاعدة صعبة أمامنا، لذلك علينا أن نرفع مع صاحب المزامير صلاتنا رافعين عيوننا الى ساكن السماء لكيما يعطف علينا: “يا رب أشفق علينا وارأف بنا فقد شبعنا هواناً وقد شبعت نفوسنا من احتقار المتكبرين” (مز 122) عندها يأتي الجواب في المزمور السابق: رفعتُ عينيّ إلى الجبال من حيثُ يأتي عوني. معونتي من عند الربّ صانعِ السما والأرض. لا يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلّ لا ينعسُ لا ينامْ الربُّ يَحْفَظُكَ الربُّ سِتْرٌ لكَ. لا تؤذيكَ الشمسُ في النهارْ ولا القمرُ في الليلْ، يَحْفَظُكَ الربُّ من كلِّ سوءٍ، يَحْفَظُ الربُّ نفسَكَ، يَحْفَظُ الربُّ ذهابَكَ وإيابَكَ من الآن وإلى الأبدْ.
الأب رائـد أبو ساحلية
مدير عام كاريتاس القدس
الأب رائد أبوساحلية
موقع ابونا