stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

حالة الكنيسة الكاثوليكية بمصر-أنبا يؤنس زكريا

917views

chur

مقدمة: 

يسعدني أن أقدم للقارئ العزيز، هذه الدراسة البسيطة عن حالة الكنيسة الكاثوليكية في مصر، راجياً أن تكون للفائدة، ودافعاً إلى المزيد من الدراسات التحليلية والبيانية عن واقع كنيستنا المصرية المعاصرة. قدمت هذه الدراسة في المؤتمر الأول لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في الشرق الأوسط، الذي عُقد في دير سيدة الجبل بلبنان، في الفترة من 9 مايو إلى 20 مايو 1999. تشمل هذه الدراسة المواضيع التالية:

1- هجرة المسيحيين المصريين

2- رسالة العلمانيين ودورهم في الكنيسة

3- النتاج الفكري المسيحي في مصر 

4- خصوصيات الكنيسة الكاثوليكية في مصر

5- نداء الكنيسة الكاثوليكية في مصر إلى أعضاء المؤتمر

أولاً: هجرة المسيحيين المصريين مرت ظاهرة هجرة المسيحيين في مصر بمراحل مختلفة، وذلك حسب الظروف السياسية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد، كما نرى في النقاط التالية: 

(أ) هجرة المسيحيين الشرقيين إلى مصر 

في عصر الإمبراطورية العثمانية (1517-1789)، كانت مصر محط أنظار الجميع، وموقع هجرة المسيحيين الشرقيين من لبنان وفلسطين والأردن وسوريا والعراق وإيران وتركيا واليونان. في عهد محمد على باشا (1769-1849)، ازدادت هذه الهجرة، وتكاثر عدد المسيحيين الشرقيين في مصر، وتكونت الكنائس الشرقية الكاثوليكية والأرثوذكسية. تأسست الكنائس الشرقية الكاثوليكية في السنين التالية:

1- بطريركية الإسكندرية للروم الكاثوليك في سنة 1838.

2- إيبارشية الإسكندرية للأرمن الكاثوليك في سنة 1867. 

3- إيبارشية القاهرة للكلدان في سنة 1890.

4- إيبارشية السريان الكاثوليك في سنة 1895.

5- إيبارشية القاهرة المارونية في سنة 1906.

6- مع تزايد عدد الأوروبيين في مصر، تأسست النيابة الرسولية (بالإسكندرية ومصر الجديدة وبورسعيد) للاتين في مصر في سنة 1920. 

(ب) هجرة المسيحيين غير الأقباط من مصر: 

بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، ضعفت ظاهرة هجرة المسيحيين الشرقيين إلى مصر، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بدأت أول مراحل هجرة المسيحيين غير الأقباط إلى خارج مصر، وعقب قيام الثورة المصرية في 23 يوليو 1952، بدأت هجرة واسعة النطاق للمسيحيين الشرقيين، الذين فضّلوا الأمان والاستقرار، وشعروا بأن المستقبل لم يعد في صالحهم، فقد أزعجتهم كثيرا إصلاحات الثورة وقوانينها الاشتراكية وما صاحبها من تأميم المصانع والشركات، ومصادرة الثروات والممتلكات. فبعد أن كانت القاهرة والإسكندرية وبعض مدن الدلتا والصعيد تضم العديد من الأسر والعائلات المسيحية الشرقية والأوروبية، هاجرت الآلاف الكثيرة بعيداً عن مصر، واتجهوا إلى بلاد أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا. 

(جـ) هجرة الأقباط من مصر 

يتميز القبطي، أي المصري المسيحي، بحبه وارتباطه الشديد ببلاده، ولا يميل بطبعه إلى الهجرة وترك وطنه، لذلك بدأت ظاهرة هجرة الأقباط من مصر في وقت متأخر، في منتصف الخمسينات. بدأت الموجة الأولى في سنة 1956، بعد العدوان الثلاثي على بورسعيد. كانت هذه الهجرة قاصرة على كبار الرأسماليين والمثقفين والأكاديميين الذين اعتقدوا بأن الثورة المصرية تتخذ موقفاً سلبياً منهم. بعد ذلك، تزايدت معدلات الهجرة بفعل قرارات التأميم والتعبئة السياسية التي حدثت قبل وبعد حرب 5 يونيو 1967. وظنّ البعض أن تعرّض الأقباط لعراقيل ومتاعب في العمل والوظائف، يرجع إلى انتمائهم الديني. بعد حرب 6 أكتوبر 1973، أسقطت الدولة المصرية تأشيرة طلب السفر إلى الخارج، وألغت كافة القيود المفروضة على هجرة المصريين، وأدى ذلك إلى هجرة أعداد ضخمة من الأقباط إلى بلاد المهجر. وتكونت الجاليات القبطية الأرثوذكسية في البلاد الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا. ويبلغ عدد المهاجرين من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حالياً نحو 115.000 نسمة تقريباً، ومن الكنيسة القبطية الكاثوليكية 12.000 نسمة تقريباً. 

(د) تأثير هجرة المسيحيين 

مازال باب هجرة المسيحيين من مصر مفتوحاً على مصراعيه، وهذا يؤدي إلى مضاعفات كثيرة تؤثر على الكنيسة وتضعف من رسالتها في مصر. لكن التأثير الأكثر خطورة هو هجرة قطاعات كبيرة من المثقفين والمتعلمين، ولا سيما الشباب حديثي التخرج من الجامعات، مما يؤدي إلى عدم انتفاع الوطن والكنيسة من حيويتهم وعطائهم ومشاركتهم في البناء والتقدم. وعليه فلا يسعنا إلا أن نبذل كل طاقاتنا كي نحد من نزيف الهجرة، كما طالب بذلك بطاركة الشرق الكاثوليك في رسالتهم الرعوية الثانية، في عيد فصح 1992، “الحضور المسيحي في الشرق شهادة ورسالة، رقم58”. بسبب ظاهرة الهجرة، تناقص كثيراً عدد مؤمني الكنائس الشرقية الكاثوليكية في مصر، كما نرى في البيان التالي، الذي يبين عدد المؤمنين بكل كنيسة ما بين سنتي 1950، 1998، مع ملاحظة أن بيانات هذه الإحصائية تقريبية، ولكنها تعبر بصورة ما عن حقيقة الواقع في هذا المجال:

السنة  أرمن.ك روم. ك كلدان سريان. ك موارنة  لاتين  أقباط. ك الإجمالي
1950  5000  28000  2000  10000  25000  150000  80000  300000
1998  1450  7000  500  2000  5000  8000  210000  233950

ثانياً: رسالة العلمانيين ودورهم في الكنيسة 

منذ القرون الأولى الميلادية، تميّز العلمانيون برسالة ودورٍ هامٍ في الكنائس الشرقية، وخاصةً في مجال التمسك بالإيمان المسيحي، الذي حفظوه، ونقلوه للأجيال التالية، ودفعوا حياتهم ثمناً له، واستشهدوا في سبيله. في الكنيسة المصرية، يقوم العلمانيون بدورٍ هامٍ في مجال النشاط الرعوي، والنشاط الاجتماعي، والنشاط الثقافي، وأنشطة أخرى كثيرة. 

(أ) رسالة العلمانيين في النشاط الرعوي 

يشترك العلمانيون، بشكل فعّال، في حيوية كنائسهم، وذلك بالمشاركة والمساهمة في مختلف الأعمال الرسولية والأنشطة الرعوية والخدمات الكنسية، ونوجز مشاركتهم في الأعمال التالية:

1- على مستوى السلوك الشخصي 

يحاول غالبية العلمانيين الحياة بروح السيد المسيح، والسلوك حسب وصايا وتعاليم الإنجيل، والقيام بواجباتهم تجاه العائلة والمجتمع والوطن بروح المحبة والبذل والتضحية، وهكذا يساهمون في نشر روح القداسة في المجتمع البشري، وبث الروح المسيحية في العالم.

2- على مستوى الرعية 

يساهم العلمانيون في تجديد العبادة بالرعية، وذلك بتقديس يوم الرب، وقراءة كلمة الله، والمشاركة الحيّة في الاحتفالات الليتورجية، وتنشيط المجالس الرعوية، وتشجيع مختلف أنواع العمل الرسولي، والتفاني في الأنشطة والخدمات الكنسية. في الكثير من الرعايا والكنائس في مصر، يوجد المجلس الرعوي، الذي من خلاله يشارك العلمانيون في الخدمة الرعوية، وذلك بواسطة اللجان التي تهتم بالأعمال التالية: ‌أ. العناية بتلقين وشرح دروس التعليم المسيحي للأطفال والأحداث، من خلال نشاط التربية الكنسية ومدارس الأحد، ومتابعة اجتماعات وأنشطة الشباب الدينية.

‌ب. التعاون مع الأب الراعي في حلّ الخلافات الشخصية والمنازعات العائلية، وزيارة المرضى، وافتقاد ومتابعة المبتعدين عن الكنيسة، والعمل على عودتهم إليها. 

جـ- الاهتمام بتدبير احتياجات الخدمة والرسالة بالرعية، وإدارة أموالها، وصيانة مباني ومشتملات كنيسة الرعية، من حيث الترتيب والترميم والتجديد، ومتابعة تنفيذ المشروعات الجديدة. 

(ب) رسالة العلمانيين في النشاط الاجتماعي 

لا تقتصر رسالة العلمانيين على النشاط الكنسي، إنما تشمل مختلف الخدمات الاجتماعية، ووسائل ترقية الإنسان وتنميته روحياً وإنسانياً ومهنياً ومادياً. في مركز القديس يوسف للعائلة بالقاهرة، يدير العلمانيون مركز الإعداد للزواج، ومساعدة المخطوبين في تكوينهم الديني والروحي والاجتماعي والثقافي والطبي، واكتشاف وتمييز دعوتهم الخاصة في الزواج، وتعميق إيمانهم لفهم معنى الحب المسؤول والناضج، وإرساء قواعد العائلة النموذجية المسيحية. يقدم العلمانيون خدمات اجتماعية متنوعة، من خلال مشاركتهم وعضويتهم في مكاتب التنمية والخدمات الإنسانية التابعة للإيبارشيات، والمؤسسات الخيرية التابعة للكنائس، والجمعيات المتخصصة في مجال الخدمة والتنمية الاجتماعية، مثل جمعية كاريتاس مصر، وجمعية الصعيد للتربية والتنمية، وجمعية القديس منصور الخيرية، وجمعية الشباب الكاثوليكي المصري، وجمعية الشبيبة العاملة المسيحية، ورسالة الأولاد (الميداد)، ونشاط إيمان ونور…إلخ. من خلال هذه الجمعيات السابق ذكرها، يقدم العلمانيون الخدمات الاجتماعية والإنسانية التالية:

1- مكافحة الأميّة، والتوعية الفكرية للبسطاء 

2- رعاية الطفولة والأمومة

3- رعاية المسنين والمعوقين ومرضى الجذام، وذوي الاحتياجات الخاصة

4- التدريب المهني للشباب، وتشجيع الصناعات الصغيرة والمشروعات الاقتصادية لزيادة إيراد محدودي الدخل

5- إغاثة اللاجئين والمتضررين من الكوارث الطبيعية، ومساعدتهم بالإسعافات الطبية والمعونات الغذائية، وتنميتهم اجتماعياً واقتصادياً. على مستوى التعاون المسكوني، يشترك العلمانيون من جميع الطوائف المسيحية في الأنشطة الرعوية التي ينسقها “مجلس كنائس الشرق الأوسط”، وذلك من خلال اللجنة المسكونية للشباب التي تهتم بمكافحة الأمية والتربية الشعبية، وأيضاً برنامج المرأة، الذي يهتم بتنظيم لقاءات وندوات تدريبية تدرس واقع المرأة المصرية وما يواجهها من تحديات وصعوبات، وكيفية مساعدتها لتكون أكثر فاعلية في الأسرة والكنيسة والمجتمع.

(جـ) رسالة العلمانيين في النشاط الثقافي 

ترتكز رسالة العلمانيين في المجال الثقافي على المشاركة في العمل التربوي، وتعليم شباب المستقبل، وتنظيم الندوات والمؤتمرات التي تناقش أوضاع الواقع والبيئة والاقتصاد في مصر، وإقامة لقاءات المحبة والحوار التي تجمع بين المسيحيين والمسلمين، بهدف التعاون وتبادل الخبرات وبحث سبل التعاون المشترك. يساهم العلمانيون والعلمانيات في تربية الأطفال بدور الحضانة، وتعليم الأحداث والشباب في المدارس الكاثوليكية، التي تتبع الإيبارشيات والجمعيات الرهبانية، ويقوم العلمانيون بهذا العمل بكل إخلاص وحماس وجدارة. من خلال “اللجنة المصرية للعدالة والسلام”، تقوم جماعة متميزة من شباب العلمانيين، برسالة ثقافة تنويرية، تهدف إلى المزج بين النشاط الكنسي الثقافي والأنشطة الاجتماعية والثقافية العامة، وإلى تكوين رأي عام مستنير بين المسيحيين تجاه القضايا العامة والهموم الوطنية، ملحة أو بعيدة المدى، داخل الكنيسة أو في المجتمع، محلية أو عالمية. تقوم اللجنة بتنظيم المؤتمرات والندوات وطبع ونشر التوصيات، وتشجيع المواطنين للقيام بدورهم وتأدية واجبهم الديني والوطني لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان، والعمل على تقدم المجتمع المصري. يساهم في العمل مع هذه اللجنة صفوة ممتازة من المثقفين المصريين المسيحيين والمسلمين. يشترك بعض العلمانيين في الاجتماعات الدورية “لجماعة الإخاء الديني”، التي تضم بين أعضائها المسيحيين والمسلمين، وتهدف إلى العمل الجاد من أجل تقرب المؤمنين أتباع أديان التوحيد، والعيش معاً في أخوة صادقة، ومحبة خالصة، ومشاركة متبادلة، وتعاون مثمر. 

(د) مشاكل وصعوبات رسالة العلمانيين في مصر 

تحدثت بصورة إيجابية عن رسالة العلمانيين ودورهم في الكنيسة المصرية، وتحملهم المسؤوليات الكثيرة والهامة في الرعايا، ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض المشاكل والصعوبات، التي تعترض إتمام هذه الرسالة، هذه الصعوبات نوجزها فيما يلي:

1- الاحتياج الشديد إلى إعداد وتكوين العلماني لاهوتياً وروحياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وضرورة استمرار هذا التكوين، وتطويره مع تطور البيئة والمجتمع. أيضاً، هناك احتياج ملّح لإعداد قادة المستقبل من العلمانيين. 

2- سوء الفهم بين الأب الراعي والعلماني، وعدم وضوح الرؤية في كيفية المشاركة والتعاون بينهما، ومعرفة الأبعاد الحقيقية لدور كلّ منهما:

أ‌. عدم وعي بعض العلمانيين بالرسالة المطلوبة منهم على المستوى الكنسي، وتدخلهم فيما لا يعنيهم، وضعف مفهوم الالتزام بالخدمة والبذل والتضحية، وحب البعض منهم للظهور والتسلط في الإدارة. ب‌. قصور نظرة بعض الآباء الرعاة بالنسبة لأسلوب قيادة العمل الرعوي، ورفض بعضهم لروح المشاركة والتعاون مع العلمانيين، وعدم الرغبة في التجديد والابتكار لتنشيط الرعية.

(3) كثرة الاهتمامات والأعمال ذات المصلحة الخاصة، التي تشغل بعض العلمانيين عن أمور الحياة الروحية، وتجعلهم يتكاسلون في المواظبة على اجتماعات العبادة، ويتباعدون عن الكنيسة. أيضاً، اعتقاد بعض العلمانيين، من ميسوري الحال، أن المساهمة المالية هي المطلب الوحيد المرجو منهم لخدمة كنائسهم.

(4) تعدد الحركات المسيحية، وكثرة التيارات الدينية الوافدة من الخارج، والتي تتبناها بعض الكنائس الكاثوليكية في مصر. وبالرغم من ما في هذه الحركات من غنى روحي وثراء لخبرة العلمانيين، إلا أنها تساعد على تفتت وضعف الانتماء إلى الأنشطة العلمانية بين الكنائس والرهبنات والجمعيات والمؤسسات الدينية، على مستوى الطوائف المختلفة والإيبارشيات والرعايا، بل أحياناً على مستوى الرعية الواحدة.