حماية البيت المشترك، من البابا بولس السادس إلى البابا فرنسيس
نقلا عن الفاتيكان نيوز
28 نوفمبر 2023
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
من خلال الذهاب إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي، يقوم البابا فرنسيس بلفتة تاريخية: إنها المرة الأولى التي يذهب فيها حبر أعظم إلى مؤتمر للأمم المتحدة حول تغير المناخ. نتيجة لعقود من الدفاع عن البيت المشترك من قبل الكرسي الرسولي في العصر المعاصر.
منذ انتخابه في شهر آذار مارس ٢٠١٣، سلّط البابا فرنسيس الضوء على حماية الخليقة وحماية الأشخاص الأشدَّ ضعفًا. ويظهر ذلك من خلال نشر الرسالة العامة “كن مُسبَّحًا” في حزيران يونيو ٢٠١٥. نص مخصص للقضايا البيئية والاجتماعية، ويذكّر بأحد المواضيع الحساسة للبابوية “جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض”، “صرخة الأرض وصرخة الفقراء لم يعد بإمكانهما أن ينتظرا”
ومع ذلك، إذا كانت الرسالة العامة “كن مُسبّحًا” (Laudato si)، ثمَّ الإرشاد الرسولي “Laudate Deum”، قد شاركا في جعل العقيدة البيئية للكنيسة ديمقراطية، إلا أنَّ هذه العقيدة يعود تاريخها إلى أقدم من ذلك بكثير. لكن وكما يشير الأخ توماس ميشليه، مؤلف كتاب “الباباوات والإيكولوجيا”، فإن رسالة البابا فرنسيس العامة الخضراء تطور سلطة تعليمية ظهرت منذ عدّة عقود من الزمن.
البابا بولس السادس
إنَّ أول ذكر في الكتابات البابوية لـ”كارثة إيكولوجيّة” يظهر بقلم بولس السادس في خطابه أمام منظمة الأغذية والزراعة عام ١٩٧٠. وبحسب الأخ ميشليه يطبع هذا الخطاب نقطة تحول في تعاليم الباباوات، لفكر يمكننا أن نسمّيه حقًا إيكولوجيًا بالمعنى الذي نفهمه به اليوم. إن أحد أبرز خطابات بولس السادس بلا شك هو ذلك الذي وجهه إلى المشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة، في ستوكهولم عام ١٩٧٢، والذي استخدم فيه، كما شرح الأب ميشليه في كتابه، مفاهيم إيكولوجية وحديثة بالنسبة لتلك المرحلة، مثل عدم إمكانية الفصل بين الإنسان وبيئته: “اليوم، في الواقع، يظهر الوعي بأن الإنسان وبيئته لا ينفصلان أكثر من أي وقت مضى: فالبيئة تحدد بشكل أساسي حياة الإنسان وتطوره؛ وهو بدوره يحسِّن بيئته ويرفعها من خلال حضوره وعمله وتأمله. لكن القدرة الإبداعية البشرية لن تؤتي ثمارًا حقيقية ودائمة إلا بقدر ما يحترم الإنسان القوانين التي تحكم القوة الحيوية وقدرة الطبيعة على التجديد: فكلاهما متحدان ويتقاسمان مستقبلًا زمنيًا مشتركًا. ولذلك فإن الإنسانية تنتبه إلى ضرورة استبدال الدفعة، التي غالبا ما تكون عمياء ووحشية، لتقدم مادي تُرك لديناميكيته وحدها، باحترام المحيط الحيوي في رؤية عالمية لمجاله، الذي أصبح “أرضا واحدة”، لكي نستعيد شعار المؤتمر الجميل”.
بعد عقدين مطبوعين بالانفصال النسبي للكرسي الرسولي عن هذه المسائل، ترجع عودة الإيكولوجيا إلى محور السلطة التعليمية البابوية بالتأكيد إلى رسالة البابا يوحنا بولس الثاني بمناسبة اليوم العالمي للسلام في الأول من كانون الثاني (يناير) ١٩٩٠. نصٌّ يعتبر اليوم أول نص لحبر أعظم مخصص عالميًا لإيكولوجيا. قال البابا البولندي: “لن يجد المجتمع الحالي حلاً للمشكلة الإيكولوجية إذا لم يراجع أسلوب حياته بشكل جدي. فهو يميل في كثير من أنحاء العالم إلى مذهب المتعة والاستهلاك، ويبقى غير مبالٍ بالضرر الناجم عن ذلك. وكما لاحظتُ من قبل، فإن خطورة الوضع البيئي تكشف عمق الأزمة الأخلاقية للإنسان”. كذلك تم التوقيع على العديد من الإعلانات المتعلقة بالبيئة في الوقت نفسه، وتم ترسيخ البعد المسكوني على هذه التربة الإيكولوجيّة. إنَّ يوحنا بولس الثاني، الحبر الأعظم القادم من أوروبا الشرقية التي كانت في أوج التحوّل الصناعي، قد رأى بأم عينيه المعاناة التي تتعرض لها الطبيعة. ويوضح الأخ ميشليه: “هناك بالفعل كارثة بيئية في هذه البلدان الشرقية وأعتقد أن البابا يوحنا بولس الثاني كان متنبِّهًا لها، وفي فقرات معينة من رسالته العامة Laborem exercens حول العمل على سبيل المثال، تظهر هذه المسالة بوضوح”.
البابا يوحنا بولس الثاني
كان بندكتس السادس عشر يهدف إلى جعل مدينة الفاتيكان أول دولة في العالم تتمتع ببصمة كربونية متوازنة، أي لتعويض انبعاثات الغازات الدفيئة. وقد شجع البابا الألماني على زراعة الأشجار، وتركيب الألواح الكهروضوئية على سطح قاعة بولس السادس، والتخلي عن المبيدات الحشرية غير العضوية في كاستيل غاندولفو، المقر الصيفي للباباوات.
وبصرف النظر عن هذه الإجراءات الرمزية، فإن اهتمام البابا بندكتس السادس عشر بالبيئة يظهر أيضًا في الرسالة العامة “المحبّة في الحقيقة”، التي نُشرت في حزيران يونيو عام ٢٠٠٩، ويمكننا أن نقرأ: “اليوم، يجب أن تأخذ المسائل المرتبطة بحماية البيئة وصونها بعين الاعتبار قضايا الطاقة. إن احتكار موارد الطاقة غير المتجددة من قبل بعض الدول أو مجموعات القوى أو الشركات يشكل في الواقع عقبة خطيرة أمام تنمية البلدان الفقيرة، التي لا تملك الموارد الاقتصادية اللازمة للوصول إلى مصادر الطاقة غير المتجددة الموجودة ولا لتمويل البحث عن مصادر بديلة جديدة”. ويوضح الأخ ميشليه كان لدى بندكتس السادس عشر “اهتمام بإدانة الروابط الوثنية الجديدة لبعض الأفكار الإيكولوجيّة”.
البابا بندكتس السادس عشر
من الواضح أن البابا فرنسيس يتبع تقليد أسلافه من خلال الاعتماد على الأساس المشترك للفكر المسيحي، القائم على الحفاظ على الخليقة. بحسب الأخ توماس ميشليه، “إن تصور البابا فرنسيس الجديد، القوي جدًا في الرسالة العامة ” كن مسبّحًا”، هو هذا التصور بأن الكوكب أصبح كائنًا صغيرًا وهشًا”. “إنَّ الكوكب نفسه قد أصبح هذا الشيء الصغير المسكين في يد الإنسان، الذي أصبح قويًا جدًّا من خلال تقنيته، والذي من الواضح لم يكن كذلك من قبل”. في الواقع، يملك الإنسان الآن الوسائل التقنية لكي يدمِّر كوكب الأرض، وهذا الأمر خلص الأخ ميشليه إلى القول من الواضح أنّه يغير كثيرًا نهجنا تجاه العالم.
هذا وكان الكرسي الرسولي قد انضم رسميًا في ٦ تموز يوليو ٢٠٢٢، إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ووعد بتحقيق الحياد الكربوني، وهو المشروع الذي بدأه البابا بندكتس السادس عشر. وبناء على هذا الزخم، أعلنت حاكميّة دولة حاضرة الفاتيكان في تشرين الثاني نوفمبر الماضي عن إطلاق برنامج لتنمية التنقل المستدام بعنوان “الإرتداد الإيكولوجي ٢٠٣٠”، والذي يهدف أيضًا إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أسطول مركباتها. وبالتالي سيتم استبدال سيارات دولة حاضرة الفاتيكان تدريجياً بالمركبات الكهربائية، وذلك لجعل أسطول مركبات الفاتيكان محايداً للكربون بحلول عام ٢٠٣٠. وستقوم حاكميّة دولة حاضرة الفاتيكان بإنشاء شبكة شحن خاصة بها على أراضي دولة حاضرة الفاتيكان والمناطق الخارجية لها، وتوسع نطاق استخدامها لكي يشمل موظفيها، كما ستسهر حاكميّة دولة حاضرة الفاتيكان على أن تأتي احتياجاتها من الطاقة حصريًا من مصادر الطاقة المتجددة.