خير لكم أن أذهب – الأب وليم سيدهم
اين الخير حينما يصعد المسيح إلى السماء؟ إنه يتركنا بجسده وبروحه ليجلس عن يمين الآب كما يقول الإنجيل، ما السر في أن يترك يسوع تلاميذه وهم يمرون بأصعب فترات حياتهم، إنهم هربوا منذ حُكِم على يسوع بالموت، كل واحد إلى حاله. ولم يقف تحت الصليب يوم الجمعة الحزينة إلا يوحنا الحبيب ومريم العذراء، وبعض المريمات.
وبعد قيامته ظهر مرات عديدة للتلاميذ مجتمعين أو فرادي ليؤكد لهم حدث قيامته وإنتصاره على الموت. كانت المجدلية أول من حظيت برؤية يسوع بعد قيامته، فحسبته البستاني إلا أن صوته ناداها بإسمها فتعرفت عليه في هيئة جديدة لم تعتدها قبل موته وقيامته، وظهر لتلميذي عمواس الذين كانوا في حالة يأس وإحساس بالفشل “وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ” (لوقا 24: 21) ولكن تعرفا عليه عندما كسر الخبز وإختفى عنهما.
وذهب بطرس – الذي رأى معلمه يفشل في رسالته- مهنة الصيد من جديد بعد أن جذب إليه معظم التلاميذ ففاجئهم يسوع بأن أشعل النار وبدأ يشوي لهم السمك، ودعاهم أن يخرجوا من البحر ليلحقوا به بعد قيامته، وهو يؤكد لهم أنه يمارس بعد قيامته، ما كان يمارسه قبل موته وكذلك ظهر لتوما وهو متواجد مع التلاميذ ووضع يد توما على آثار الجروح التي أصر توما أن يلمسها في القائم من بين الأموات ليتأكد أنه فعلًا يسوع.
لقد فعل يسوع ذلك قبل أن يتركهم ويصعد إلى السماء، فأين الخير في صعوده؟ نعم أين الجديد في صعوده؟ يرد يسوع: “أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا” (يو 14: 2). ثم ليرسل لهم “الروح القدس” الذي سيرشدهم دومًا إلى الطريق الذي يسلكوه بعد غياب يسوع نفسه.
إن بلوغ التلاميذ حالة النضج الإيماني هي التي دفعت يسوع إلى الثقة فيهم، وغلى توفر القوة افلهية التي سكنتهم في أن تجعلهم بمعاونة الروح القدس يعتمدون على أنفسهم التي لبست يسوع نفسه فيستطيعون أن يكملوا رسالته، والتبشير بإسمه لنخلق عالم جديد على الأرض، عالم الكنيسة، التي يصفها سفر أعمال الرسل وهي تنمو وتزدهر على أيدي هؤلاء التلاميذ.
إن حضور يسوع بين التلاميذ منذ صعوده سيأخذ أشكالًا أخرى، فمن ناحية كل خبرتهم الشخصية التي نتجت من معايشته على الأرض لمدة ثلاث سنوات هي سني حياته العلنية. ثم ثانيًا حلول الروح القدس عليهم في اليوم الخمسين لقيامة يسوع، والذي خلق لهم لغة واحدة وروحًا واحدة، ستكون هي الخميرة التي بدأت تتجسد فيها الكنيسة، كجسد يسوع السري الذي يضم كل اتباعه، والذين يدخلون فيما بعد إلى هذا الجسم المقدس الذي سيصبح الخميرة التي تخمر العالم بهؤلاء الأتباع لشروط ملكوت الله التي بدأت على الأرض منذ تجسد يسوع من مريم العذراء.
إن حضور يسوع بالجسد كان مرتبط بوجوده ومعيشته في فلسطين، أما صعوده إلى السماء ودعوته لرسله أن يدعو الخلق أجمعين للدخول في الملكوت فكان يعطي لجسد يسوع القائم والممجد بمعاونة الروح القدس، القوة في التواجد بشكل مختلف، وفي أماكن مختلفة، مساحتها العالم في الوقت نفسه. ثم إطلاق طاقات الرسل أنفسهم ليكملوا ما بدأه المعلم في فلسطين وينشر البشارة في كل أرجاء الأرض.
لذلك قال لهم يسوع: “إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ.” (يو 16: 7).