stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

دعوة للموت !!!- الأب متى عابدين

960views

farfallaدعوة للموت !!!- الأب متى عابدين

كم هي غريبة هذه الكلمات وتثير التعجب والدهشة، وغريبة أكثر إذا خرجت من شخص مسيحي يعرف تماماً أن الإنسان مدعو ومخلوق للحياة، وما أغرب أن تخرج كلمات مثل هذه من كاهن على يديه تُقدم الأسرار المقدسة للبشر وتعطيهم الحياة، كيف يُناقض رسالته وهدفه في الحياة، ويقدم مثل هذه الدعوة الغريبة في شكلها ومحيرة، فما معنى هذه الدعوة!!!

أحبائي مهلاً… لا داعي للتسرع في حكمكم عليَّ، من خلال هذا العنوان الغريب في خارجه وأسمعوا حكايتي التي نسجته وتأملتها في خيالي، وكان الوحي لها فقط الواقع الذي نعيشه.

ذات يوم سرت بين الناس متأملاً في كلماتهم ونظراتهم، ماذا تحمل وبماذا تعبر، ورأيت الأكثرين هم الذين يرتسم على وجوههم علامات الحزن واليأس، علامات القلق والحيرة، والخوف من الغد والمستقبل، وكأني أنظر الشعب العبراني الذي كان يئن من تسخير المصريين له، وشملت آلامهم وشكواهم جميع مجالات الحياة ومستوياتها، وأخذت أسمع تعبيرات البعض في كلمات (ربنا يأخدنا…الحياة مره… أمتى الواحد أيموت ويرتاح…ألخ). ففكرت أن أصنع عدداً كثيراً من التوابيت بأحجام مختلفة، لأن الألم شمل معظم أعمار الإنسان، وكتبت دعوة صريحة وواضحة لجميع الناس، وخاصة لهؤلاء الغاضبون والناقمون على الحياة، ودعوتهم للموت لمن لا يرغب بعد في الحياة وتعب من ألآمها.

وأرسلت دعوتي لكل الناس وانتظرت أي تجاوب لها، حتى من القليل منهم، وبعد طول انتظار لم يأتي أحد وسريعاً انتصرت فيهم غريزة حب البقاء، والرغبة في الحياة بالرغم ما حملت لهم من ضيقات وصعوبات، وكل ما سمعته من تذمر ذهب مع الريح أمام حقيقة الموت.

رجعت أتأمل ما جرى بينما هناك شخص أخر قدم الدعوة ذاتها ومازال يقدمها، وكثيرون هم الذين يأتون إليه ملبين دعوته، دعوة الشيطان.. وعرفت كيف أحب البشر وقدروا حياة الجسد، ولم يقدروا حياة الروح، لذا يُقدمون أرواحهم يومياً بدون أي تردد للموت أمام صعوبات حياة الإيمان، وسريعاً يتخلون عن هذا الإيمان إذا سبب لهم صعوبة أو ألم ما.

أيها البشر من منكم يريد الموت؟؟؟ بالطبع لا أحد منا يريد هذا… قد يوجد شخص رغبه قديماً واشتهى الموت، بولس الرسول وكانت رغبته فقط لأن روحه كانت حية، وجاهد كثيراً من أجل تلك الروح لتظل حية.

مهلا أيها الإنسان لماذا نتحامل على الحياة والعالم، والله هو الذي خلقه، وحاشاً أن يخلق الله شيئاً قبيحاً ومضراً للإنسان، “ورأى الله أنه حسن” العالم والحياة جميلة بجمال الإنسان سيد تلك الخليقة، ولهما معنى بقدر ما عاش الإنسان محباً لله والآخرين، وإذا كان هناك شيئاً في العالم تشوه فهذا بسبب الإنسان الذي لم يَعد بعد يقدر معنى وجوده في الحياة.

أحبائي هيا نحب الحياة، وهذا يأتي بقدر ما نعيش الحب، ولا نترك أجسادنا أو أرواحنا فريسة للذئب الزائر حولنا، حالة واحدة يدعونا فيها الوحي الإلهي للموت، وهي من أجل من نحبهم وتقديم ذواتنا ذبيحة حيّة تعبيرنا عن محبتنا لله والآخرين، كما فعل الإنسان الكامل يسوع المسيح. ودون ذلك تمسك بالحياة وأعطها معناها بالارتباط بالله، الذي هو الوجود ذاته ويعطي معنى لأي موجود أخر.

يارب أشكرك على نعمة الحياة، حياة الروح وحياة الجسد، الجسد من صنعك وإبداعك والروح نسمة حياة منك، أشكرك لأنك خلقتني ذو عقل وإرادة وحرية كاملة، بهم أختار أن أكون حياً أو ميتاً، بهم أجعل الحياة جميلة أو مشوهة، لأبد لنا جميعاً نرفض هذه الدعوة للموت لأننا خُلقنا جميعاً للحياة… لكن نكون في أتم الاستعداد أن نقدم حياتنا حباً في الله والآخرين.

الأب/ متى عابدين

 سوهاج