stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

“رسالة إلى شعب الله” … الرسالة الختامية لسينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط

885views

41_01“رسالة إلى شعب الله” … الرسالة الختامية لسينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط

خلال الجمعية العامة الرابعة عشرة من بعد ظهر الجمعة 22 تشرين الأول 2010، وافق آباء السينودس على (Nuntius)، الرسالة إلى شعب الله، عند اختتام الجمعية الخاصة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة. وفيما يلي النص الكامل للرسالة:  

 

“وكان جماعة المؤمنين قلباً واحداً وروحاً واحدة” (أعمال 4: 32)  

إلى إخوتنا الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمكرَّسين والمكرَّسات، وإلى أبنائنا المؤمنين الأعزّاء كافّة، وإلى ذوي الإرادة الصالحة.  

مقدمة  

1- نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبّة الله وشركة الروح القدس، معكم جميعاً.  

كان لنا سينودس الأساقفة الخاصّ بالشرق الأوسط بمثابة عنصرة جديدة. قال قداسة البابا في عظته الافتتاحية: “العنصرة هي الحدث الأساسي، ولكنّه أكثر من حدث٬ فهو دينامية وقوة فاعلة مستمرة. وسينودس الأساقفة هو زمن نعمة يمكن أن تتجدَّد فيه طريق الكنيسة ونعمة العنصرة” (العظة يوم الأحد 10-10-2010).  

أتينا إلى روما، نحن بطاركةَ وأساقفة الكنائس الكاثوليكية في الشرق، بكنائسنا المتنوّعة في تراثاتها الروحية والليتورجية والثقافيّة والقانونية، حاملين هموم شعوبنا وتطلعاتها.  

اجتمعنا لأوّل مرّة في سينودس بدعوة من قداسة البابا بندكتس السادس عشر، ومعنا الكرادلة ورٶساء الأساقفة ورؤساء الدوائر الفاتيكانية ورؤساء المجالس الأسقفية في العالم المعنيَّة بشؤون الشرق الأوسط، ومممثلون من الكنائس الأرثوذكسية والجماعات الكنسية الإنجيلية، ومدعوّون من اليهود والمسلمين.  

إننا نرفع إلى قداسته شكرنا لرعايته الساهرة ولتعاليمه التي تنير مسيرة الكنيسة بنوعٍ عامّ ومسيرة كنائسنا الشرقية بنوعٍ خاصّ، ولاسيّما في مجالات العدل والسلام. و نشكر المجالس الأسقفية لتضامنها معنا، بحضورها بيننا وقدومها إلينا في حجِّها إلى الأماكن المقدسة وزيارتها لرعايانا. نشكرها لأنّها ترافقنا بشتى الوسائل في حياتنا الكنسية. كما نشكر المؤسّسات الكنسية المختلفة للخدمات التي تقوم بها بيننا.  

لقد فكّرنا معاً، في ضوء الكتاب المقدّس والتقليد الحيّ، في حاضر المسيحيّين وشعوب الشرق الأوسط ومستقبلهم. تأمّلنا في شؤون هذه المنطقة التي أرادها الله في سرّ محبّته أن تكون “مهد” تدبير الخلاص الشامل. فمنها انطلقت دعوة إبراهيم، وفيها تجسَّد كلمة الله الوحيد يسوع المسيح من مريم البتول بقوّة الروح القدس، وفيها أعلن إنجيل الحياة والملكوت، ومات ليفتدي الجنس البشري ويحرِّره من خطاياه، فمنها قام من الموت ليعطيَ الحياة الجديدة لكلِّ إنسان. وفيها تكوَّنت الكنيسة، وانطلقت تعلن إنجيل المسيح حتى أقاصي الأرض.  

 

وبما أن الهدف الأول للسينودس هو النظر في الشؤون الرعوية فقد حملنا في قلوبنا حياة كنائسنا، آلامها وآمالها ، والتحدّيات التي عليها أن تواجهها في كلّ يوم بقوّة “نعمة الروح القدس وبمحبته المفاضة في أنفسنا” (راجع روما 5:5). وعليه نوجّه إليكم، أيها الأبناء الأعزاء، هذه الرسالة، ونريدها نداء إلى الثبات في الإيمان المبني على كلمة الله وإلى التعاون في الوحدة وإلى الشركة في شهادة المحبّة في مجالات الحياة كلِّها.  

أولاً: الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة على مدى التاريخ  

 

مسيرة الإيمان في الشرق  

2- في الشرق بدأت المسيحية الأولى، حيث انطلق الرسل بعد العنصرة يبشِّرون العالم كلَّه. وفيه عاشت الجماعة المسيحية الأولى في الشدائد الاضطهادات، مواظبةً “على تعليم الرسل وكسر الخبز والصلوات تعيش الشركة في ما بينها، فكان الجميع قلبًا واحدًا وروحًا واحدة”(أعمال 2: 42)، ولم يكن بينهم أحد محتاجًا. وفيه رسّخ الشهداء الأوّلون بدمائهم أسس الكنيسة الناشئة. وملأ النسّاك، من بعدهم، الصحارى والبراري بقداستهم وإيمانهم. وفيه كان آباء الكنيسة الذين ما زالوا حتى اليوم يُغَذّون بكتاباتهم الكنيسة الشرقية والغربية. ومن كنائسنا انطلق المرسَلون في العصور الأولى للكنيسة وفي ما بعدها فبلغوا الشرق الأقصى والغرب، وبشّروهما بنور المسيح. نحن ورثة لكلِّ ذلك. وعلينا أن نواصل تسليم الرسالة إلى الأجيال المقبلة. 

ما زالت كنائسنا حتى اليوم تُنبِت القدّيسين والكهنة والمكرَّسين والمكرَّسات والعديد من المؤسَّسات التي أسهمت وتُسهِم في كلّ مجتمعاتنا وبلداننا، وبصورة فعّالة، في خدمة الإنسان فيها، حاملِ صورةِ وجهِ الله وخليفتِه في هذه الأرض. وما زالت بعض كنائسنا حتى اليوم ترسل المرسَلين والمرسَلات خارج بلداننا حاملو كلمة المسيح إلى أماكنَ شتّى. وتقتضي منا الحاجات الرعوية والرسولية والإرسالية وضع رعوية للدعوات الكهنوتية والرهبانية من أجل تعزيزها وتأمين مستقبل الكنيسة.  

نحن اليوم أمام منعطف تاريخي، وإن الله الذي وهبنا الإيمان المسيحي في هذا الشرق منذ ألفي سنة يدعونا إلى أن نستمر بجرأة وقوة وثبات في حمل رسالة المسيح والشهادة لإنجيله الذي هو إنجيل المحبّة والسلام.  

تحدّيات وتطلّعات  

3-1 إننا نواجه اليوم تحدّياتٍ عديدة. أوّلها ما يأتينا من داخل أنفسنا وكنائسنا. ما يطلبه المسيح منا هو أن نقبل إيماننا وأن نطبِّقه على كامل حياتنا. وما يطلبه من كنائسنا هو أن نعزّز الشركة في داخل كل كنيسة من كنائسنا والشّركة بين الكنائس الكاثوليكية من مختلف التقاليد، وأن نبذل ما في وسعنا في الصلاة وأعمال المحبّة لبلوغ وحدة كل المسيحيين، لتتحقَّق فينا صلاة المسيح: “أيها الآب، ليكونوا واحدًا كما أنك أنت فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا فينا، حتى يؤمن العالم أنّك أنت أرسلتني” (يوحنا 27: 21).  

3-2 والنوع الثاني من التحدّيات هو ما يأتينا من الخارج، من الأوضاع السياسية والأمنية في مجتمعاتنا ومن التعدّدية الدينية فيها.  

بحثنا في الوضع الاجتماعي والأمني في كل بلدان الشرق الأوسط، وأدركنا تأثير النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على المنطقة كلها ولا سيما على الشعب الفلسطيني الذي يعاني من نتائج الاحتلال الإسرائيلي: الحدِّ من حرية الحركة، والجدار الفاصل والحواجز العسكرية، والأسرى وتدمير البيوت واضطراب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وآلاف اللاجئين. كما فكّرنا في آلام الاسرائيليّين وعدم الاستقرار الذي يعيشون فيه. واستوقفتنا المدينة المقدّسة٬ القدس، وقد شعرنا بالقلق بسبب الإجراءات الأحادية الجانب التي تهدد وضعها وتوشك أن تبدّل التوازن السكاني فيها. وأمام هذا كلّه نرى أنَّ صنع السلام النهائي والعادل هو المخرج الوحيد للجميع ولخير المنطقة وشعوبها.  

3-3 ذكرنا في اجتماعاتنا وصلواتنا آلام العراق ودماءه العزيزة التي ما زالت تُخضِّب كلَّ مكان فيه. وذكرنا المسيحيّين الذين قتلوا في العراق٬ ومعاناة كنيسة العراق المستمرة، وأبناءها المهجّرين في أنحاء العالم يحملون هموم أرضهم ووطنهم. وقد أعرب آباء السينودس عن تضامنهم مع شعب العراق وكنائسه وتمنَّوا أن يَلقَى المهجَّرون حيثما وُجِدوا المساعدة الضرورية ليتمكّنوا من العودة إلى بلادهم والعيش فيها بأمان.  

3-4 ووقفنا عند علاقات المواطنين بعضِهم مع بعض، وعند العلاقات بين المسيحيين والمسلمين. وهنا نؤكّد مبدأ أساسيًّا، في رؤيتنا المسيحية، يحكم هذه العلاقات: وهو أن الله يريدنا أن نكون مسيحيّين في مجتمعاتنا الشرق أوسطية ومن أجلها. إنها مشيئة الله فينا وهي رسالتنا ودعوتنا أن نكون مسيحيين ومسلمين معًا. وفي ضوء وصيّة المحبّة وقوّة الروح فينا نقيم هذه العلاقات.  

والمبدأ الثاني الذي يَحكُم هذه العلاقات هو أنّنا جزء لا يتجزّأ من مجتمعاتنا. فرسالتنا المنبثقة من إيماننا وواجبنا تجاه أوطاننا يحتّمان علينا أن نسهم في بناء بلداننا مع كل مواطنينا، المسلمين واليهود والمسيحيين.

ثانياً: الشركة والشهادة داخل الكنائس الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط  

إلى أبناء كنائسنا الأعزاء  

4-1 يقول لنا السيد المسيح: “أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم” (متى 5: 13.14). إنَّ رسالتكم٬ أيها الأبناء الأعزّاء٬ هي أن تكونوا بالإيمان والرجاء والمحبّة في مجتمعاتكم كالملح الذي يعطي الحياة طعمها ومعناها، وكالنور الذي يضيء الظلمات بالحقّ، وكالخمير الذي يحوّل القلوب والعقول. كان المسيحيّون الأوّلون في أورشليم عددًا ضئيلا، ومع ذلك استطاعوا أن يحملوا الإنجيل إلى أقاصي الأرض بنعمة “الربِّ الذي كان يعمل معهم ويؤيّد كلامهم بالآيات” (مرقس 16: 20).  

4-2 نحيّيكم جميعاً، أيها المسيحيون في الشرق الأوسط، ونبارك كلَّ ما حقَّقتموه في عائلاتكم ومجتمعاتكم وفي كنائسكم ودولكم. إنّا نحيّي ثباتكم في الصعوبات والضيقات والآلام.  

4-3 أيّها الكهنة الأحبّاء، معاونونا في خدمة التعليم والتقديس والتدبير، نجدّد لكم محبّتنا وثقتنا. ثابروا على نقل إنجيل الحياة وتقليد الكنيسة وتعليمها إلى أبناء رعاياكم بغَيرة والتزام، بالوعظ والتعليم والإرشاد والمثل الصالح. رسِّخوا إيمان شعبنا لكي يصبح حضارة محبة. وزعوها عليهم في خدمة الأسرار. واجمعوهم في الوحدة والمحبّة وتوقًا إلى نعمة الحياة الجديدة بعطيّة الروح القدس.  

أيّها الرهبان والراهبات، وجميع المكرسين والمكرسات في العالم٬ إنا نعرب عن تقديرنا لكم، ونشكر الله معكم على عطية المشورات الإنجيليّة -العفّة المكرّسة لله، والفقر، والطاعة- التي نذرتم نفوسكم لها، متّبعين المسيح الرب من أجل الشهادة لمحبّته. إنّكم٬ بمؤسّساتكم الرسولية متنوّعة الخدمات، تشكّلون ثروة وغنًى لكنائسنا، وواحات روحيّة في أبرشياتنا ورعايانا وفي الرسالات.  

إننا نتّحد بالروح مع النّساك والمتوحدين والمصلّين والمصليات في الأديار التأمّلية، الذين يقدّسون ساعات الليل والنهار، ويحملون في صلواتهم هموم الكنيسة وتطلّعاتها. إنكم جميعا ً تقدّمون لعالمنا، بشهادة حياتكم، علامة رجاء.  

4-4 وأنتم يا أبناءنا وبناتنا المؤمنين العلمانيين، لكم منّا كلَّ الثناء والمحبّة. نبارك كلَّ ما تحقّقونه في عائلاتكم ومجتمعاتكم، في كنائسكم وأوطانكم٬ ثابتين وسط المحن والصعوبات. نقدّر ما حباكم الله به من مواهب ونِعَم وخِدَم، تشاركوننا من خلالها، بحكم المعمودية والميرون، في العمل الرسولي وفي رسالة الكنيسة، وتطبعون بروح الإنجيل وقِيَمِه الشؤون الزمنيّة على اختلاف أنواعها. ندعوكم إلى أداء شهادة حياة مسيحيّة أصيلة في الممارسة الدينيّة الواعية، والأخلاق الحميدة وقول الحقيقة بموضوعيّة.  

إنّنا نحملكم بصلاتنا أيها المتألّمون في أجسادكم ونفوسكم وأرواحكم، وأنتم أيها المظلومون والمهجَّرون و من قراهم والمضطهَدون وأسرى الحروب والمعتقَلون والسجناء. ضمُّوا آلامكم إلى آلام المسيح الفادي٬ استمدّوا من صليبه الصبر والقوّة. إنّكم وتستمطرون بفضل آلامكم على العالم محبّة الله الرحيمة.  

نحيّي عائلاتنا المسيحيّة، ونقدّر دعوتها ورسالتها، كخليّة حيّة للمجتمع، ومدرسة طبيعيّة للفضائل و للقيم الإنسانيّة والخلقيّة، وكنيسة منزليّة لتعليم الصلاة ونقل الإيمان من جيل ٍ إلى جيل. نشكر الوالدين والأجداد على تربية أولادهم وأحفادهم، على مثال الطفل يسوع الذي كان ينمو “بالقامة والنعمة والحكمة أمام الله والناس” (لو 52:2). إنّنا نعاهد الأسرة بالمحافظة عليها من خلال راعويّة العائلة في مراكز الإعداد للزواج، وفي مراكز الإصغاء والمشورة المشرّعة للجميع وخاصةً للأزواج المتعثّرين والمطالبة بحقوق العائلة الأساسيّة.

إننا نتوجّه بطريقة خاصة ٳلى النساء ونقدركنّ في كل حالات حياتكنّ، شابّات وأمّهات ومربّيات ومكرّسات وعاملات. نحيّي حمايتكن للحياة البشريّة منذ تكوينها وخدمتها والاعتناء بها. لقد حباكن الله حِسًّا مرهَفًا بالقضايا التربوية والإنسانية والاستعداد للحياة الرسولية. إننا نبارك نشاطاتِكُنَّ ونتطلَّع إلى مزيد من المسؤوليّة في الحياة العامّة.  

أيها الشبّان والشابّات، ننظر إليكم بحبّ، كما نظر الربّ يسوع إلى الشابّ وأحبّه (مر 10:21). فأنتم مستقبل كنائسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، وثروتها وقوّة التجدّد فيها. صوغوا مشروع حياتكم تحت نظرة المسيح المُحِبّة. كونوا مواطنين مسؤولين، ومؤمنين مُخلِصين. إنّ الكنيسة تشارككم همّكم في إيجاد فرص العمل، وَفقا ً لمهاراتكم وكفاءاتكم، ما يساعدكم على تحفيز الإبداع، وتأمين المستقبل وتكوين عائلة مؤمنة. تغلّبوا على مغريات العصر الماديّة والاستهلاكيّة، وحافظوا على قيمكم المسيحية.  

نحييكم بالتقدير، أيها المسؤولون عن المؤسّسات التربوية الكاثوليكية. وفيما تهتمون بالتميز في التربية والتعليم ركَِّزوا أيضًا على الروح المسيحية. واعملوا على تدعيم ثقافة العيش معًا، والاهتمامٍ بالفقراء وذوي الحاجات الخاصة. وبالرغم ممّا تواجه مؤسّساتكم من صعوبات وتحدّيات، ندعوكم إلى المحافظة عليها من أجل حماية رسالة الكنيسة التعليميّة، وتعزيز خير مجتمعاتنا ونموّها.  

إننا نقدّر نشاطاتكم، أيها العاملون والعاملات في الحقل الاجتماعيّ. إنكم تؤمّنون خدمة المحبّة في منظَّماتكم. نشجّعكم وندعمكم في هذه الرسالة الاجتماعية والتنموية في ضوء تعليم الكنيسة الغني بمبادئه وتوجيهاته. إنّكم بذلك تعزّزون أواصر الأخوّة بين الناس من خلال خدمة المحتاجين والمهمّشين والمرضى واللاجئين والسجناء دونما تمييز، تدفعكم في العمل كلمة الرب يسوع: “كلُّ ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد فعلتموه” (متّى 40:25).  

نتطلّع بأمل إلى جماعات الصلاة والحركات الرسوليّة. إنّها مدارس لتعميق الإيمان المسيحي، وعيشه في العائلة والمجتمع. إننا نقدّر نشاطاتها في الرعايا والأبرشيات ومساندة كهنة الرعايا وَفقًا لتوجيهات الكنيسة. نشكر الله على هذه الجماعات والحركات لكونها خليّة فاعلة في الرّعية ومنبتًا للدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة.  

إنّنا نقدّر دور وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. ونشكركم، أيها الإعلاميون والإعلاميات على تعاونكم مع الكنيسة في نشر تعاليمها وأخبارها، وعلى نقل أخبار جمعيّة السينودس الخاصة بالشرق الأوسط إلى مختلف بقاع الأرض.  

إننا نُثني على مساهمة وسائل الإعلام العالميّة والكاثوليكيّة، ونخصّ بالذكر في الشرق الأوسط تلفزيون تلي لوميار/نور سات. إنّنا نأمل أن يواصل رسالته الإعلاميّة في تنوير الرأي العام وتثقيف الإيمان، وخدمة وحدة المسيحيين، وتوطيد الحضور المسيحي في الشرق، وتعزيز حوار الأديان والتواصل مع الشرقيين المنتشرين في العالم.  

إلى أبنائنا في بلدان الانتشار  

5- أصبحت الهجرة ظاهرة عامّة في المنطقة، فالمسيحي والمسلم واليهودي يهاجرون للأسباب الناجمة عن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، أخذ المسيحي يشعر بعدم الأمان٬ ولو بصورة متفاوتة٬ في بلدان الشرق الأوسط. ونهيب بالمسيحيين أن يثقوا بالمستقبل وأن يبقوا في أوطانهم.  

نحيّيكم، أيها الأبناء الأعزّاء في بلاد الانتشار. ونسأل الله لكم التوفيق والبركة، طالبين منكم أن تحملوا أوطانكم وكنائسكم حيَّةً في قلوبكم واهتماماتكم. باستطاعتكم أن تُسهِموا في تطوّرها ونمُوِّها بصلواتكم وبفكركم وبزياراتكم وإمكاناتكم المختلفة، ولو كنتم بعيدين عنها.  

حافظوا على الأرض والممتلكات التي تملكونها في الوطن. لا تسرعوا في التفريط بها وفي بيعها. بل احفظوها ذخراً لكم وقطعة من الوطن الذي ترتبطون بحبّه وتساندونه حيثما كنتم. فالأرض في بلداننا جزء من هوّيتنا ومن رسالتنا٬ ومجالٌ للعيش لمن بقي فيها ولمن قد يعود إليها. ولهذا فالتصرُّف بها شأنٌ عامّ لأنّها إرثٌ مشترَك، ولا يجوز حصرُه في المصالح الفردية لمن يمتلك الأرض فيتصرّف بها كما يشاء.  

إنّا نرافقكم، أنتم أبناء كنائسنا وأوطاننا الذين اضطُرِرتم أن تسلكوا طريق الهجرة. إنّكم تحملون معكم الإيمان والثقافة والتراث وتُغْنون أوطانكم الجديدة التي توفر لكم السلام والحرّية والعمل. انظروا إلى المستقبل بثقة وفرح. تمسَّكوا دومًا بقيمكم الروحية وتقاليدكم الثقافية وتراثكم الوطني لتقدِّموا للبلدان التي استقبلتكم أفضل ما أنتم وأحسن ما عندكم. وإنّنا نشكر الكنائس الشقيقة في بلدان الانتشار التي استقبلت مؤمنينا، وما زالت تتعاون معنا لتوفير الخدمة الروحية اللازمة لهم.  

إلى المهاجرين الوافدين إلى بلداننا  

6- نحيّي جميعَ المهاجرين الوافدين إلى بلداننا من مختلف أنحاء العالم من أجل العمل.  

إنّا نستقبلكم، أيها الأبناء الأعزّاء، ونرى في إيمانكم غنىً لإيمان مؤمنينا وسندًا روحيًّا لهم. يسُرُّنا أن نقدِّم لكم الخدمات الروحية التي تحتاجون إليها.  

إنّنا نناشد كنائسنا أن تُولِيَ اهتمامًا خاصًّا للقضايا الإنسانية لهؤلاء الإخوة والأخوات، من أيِّ دين كانوا، ولا سيّما إذا تعرّضوا لاعتداءات على حقوقهم وكرامتهم. فهم يأتوننا ليس فقط طلبًا لرزقهم، بل لمنفعة بلداننا أيضًا. وإنّ كرامتهم من كرامة الله سبحانه، ولهم حقوق كلّ إنسان، ولا يجوز لأحد استضعافهم والاعتداء عليهم. ولذلك ندعو الحكومات التي تستقبلهم إلى احترام حقوقهم والدفاع عنها.  

ثالثاً: الشركة والشهادة مع الكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية في الشرق الأوسط  

7- نوجّه تحيّتنا إلى الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة والجماعات الإنجيلية في بلداننا. إنّا نسير معًا في سبيل خير المسيحيين وبقائهم ونمُوِّهم وازدهارهم. مسيرتنا واحدة وتحدّياتنا واحدة ومستقبلنا واحد. نريد أن نشهد معًا، كتلاميذَ للسيد المسيح. وبوحدتنا فقط، نستطيع أن نتمّم الرسالة التي عهد بها الله إلينا جميعًا، مع تنوّع كنائسنا. وتبقى صلاة السيد المسيح قوّتنا ووصيّة المحبة هي التي توحّدنا، ولو طالت الطريق نحو الشركة الكنسية الكاملة.  

قد سرنا حتى الآن معًا في مجلس كنائس الشرق الأوسط. ونريد أن نستمرّ في هذه المسيرة بنعمته تعالى ونعمل معا في تفعيل دوره، وهدفُنا الأخير الشهادة المشتركة لإيماننا وخدمة أبنائنا وبلداننا كلّها. وإننا نحيّي ونبارك عمل هيئات الحوار المسكونية المحلية في كلِّ بلد من بلداننا.  

في هذا السياق نوَدُّ أن نعبّر لمجلس الكنائس العالمي وسائر المؤسَّسات المسكونية المختلفة العاملة من أجل وحدة الكنائس عن شكرنا وتقديرنا للدّعم الذي تقدِّمه لكنائسنا.  

رابعاً: التعاون وحوار الحياة مع مواطنينا اليهود  

8- يجمعنا وإيّاكم الكتاب المقدس، العهد القديم منه، وهو كلمة الله لنا ولكم. نؤمن بكلّ ما جاء فيه منذ أن دعا الله إبراهيم أبا الآباء، وأبانا جميعاً في الإيمان، اليهود والمسيحيين والمسلمين. ونؤمن بوعد الله وعهده له ولكم. ونؤمن أنّ كلمة الله ثابتة لا تتبدّل.

لقد نشر المجمع الفاتيكاني الثاني وثيقة “علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية”، بخصوص الحوار مع اليهودية والإسلام وسائر الديانات. وأتبعتها الكنيسة الكاثوليكية بوثائق أخرى وضّحت فيها العلاقات مع الديانة اليهودية وطوَّرتها. كما أنّ الحوار بين الكنيسة وممثِّلين للديانة اليهودية ما زال مستمِرّاً.  

نرجو أن يقودنا هذا الحوار إلى العمل لدى أصحاب الشأن على إزالة النزاع السياسي القائم بين شعوبنا والذي يزال يعكّر أجواء الحياة في بلداننا.  

لقد آن الأوان لنلتزم معاً صُنعَ سلام صادق وعادل ونهائي. إنّ كلمة الله تدعونا إلى سماع صوت الله “المتكلِّم بالسلام”: “إني أسمع: ماذا يقول الله؟ إنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأصفيائه” (مزمور 85: 9). فلا يجوز اللجوء إلى مواقف بيبليّة لاهوتية لجعلها أداة تبرر الظلم. بخلاف ذلك إن اللجوء إلى الدين يجب أن يحملنا على رؤية وجه الله في كلِّ إنسان٬ وعلى معاملته بحسب صفات الله ووصاياه، أعني بحسب صلاح الله وعدله ورحمته ومحبّته لنا.  

خامساً: التعاون وحوار الحياة مع مواطنينا المسلمين  

9- يجمعنا وإيّاكم الإيمان بالله الواحد، والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ بيان المجمع الفاتيكاني الثاني في العلاقات مع الديانات يشكّل حجر الأساس لعلاقات الكنيسة الكاثوليكية مع المسلمين: “تنظر الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحمان القدير، الذي كلَّم الناس” (العلاقات مع الديانات، 3).  

نقول لمواطنينا المسلمين: إنّنا إخوة، والله يريدنا أن نحيا معًا، متّحدين في الإيمان بالله الواحد ووصيّة محبّة الله ومحبّة القريب. معًا سنعمل على بناء مجتمعات مدنية مبنية على المواطنة والحرّية الدينية وحرّية المعتقد. معًا سنتعاون لتعزيز العدل والسلام وحقوق الإنسان وقيم الحياة والعائلة. إنّ مسؤولياتنا مشتركة في بناء أوطاننا. نريد أن نقدّم للشرق والغرب نموذجًا للعيش المشترك بين أديان متعدِّدة وللتعاون البنَّاء بين حضارات متنوّعة لخير أوطاننا ولخير البشرية جمعاء.  

منذ ظهور الإسلام في الشرق الأوسط في القرن السابع وإلى اليوم نعيش معًا ونتعاون في بناء حضارتنا المشتركة. لقد حصل في الماضي، وقد يحصل اليوم أيضًا بعضُ الخلل في العلاقات بيننا. فعلينا٬ بالحوار٬ أن نزيل كل سوء فهم أو خلل. والحوار، كما يقول قداسة البابا بندكتس السادس عشر، ليس بيننا أمرا عابرًا بل هو ضرورة حيوية يتعلّق بها مستقبلنا. (راجع: اللقاء مع ممثلي الجماعات الإسلامية في كولونيا في 20-8-2005). فمن واجبنا تربية مؤمنينا على الحوار الديني وعلى قبول التعدّدية الدينية وعلى الاحترام والتقدير المتبادلَيْن.  

سادساً: مشاركتنا في الحياة العامة: نداء إلى حكوماتنا وقادتنا السياسيين  

10- نحيّيكم ونقدِّر الجهود التي تبذلونها من أجل الخير العام ونموّ مجتمعاتنا. إنّنا نرافقكم بصلواتنا ونسأل الله أن يلهمكم ويسدِّد خطاكم. وإليكم نوجّه كلمتنا بخصوص المساواة بين المواطنين. فالمسيحيون مواطنون أصليون وأصيلون يعيشون في الولاء التام لأوطانهم ويؤدُّون واجباتهم الوطنية كاملة، فمن الطبيعي أن يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة، ومنها حرية المعتقد وحرية العبادة، وحرية التربية والتعليم واستخدام وسائل الإعلام.  

إنّنا معكم في كل الجهود التي تبذلونها من أجل تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة كلّها، والحد من السباق إلى التسلح، مما يؤدي إلى الأمن والازدهار الاقتصادي، فيتوقّف نزيف الهجرة التي تفرّغ بلداننا من قواها الحية. إن السلام هبة ثمينة من الله للناس. قال السيد المسيح: “طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون” (متى 5: 9).  

سابعاً: نداء إلى الأسرة الدولية  

11- إنّنا نناشد الأسرة الدولية ولاسيما منظمة الأمم المتحدة أن تعمل جادّة من أجل تحقيق السلام العادل في المنطقة، وذلك بتطبيق قرارات مجلس الأمن وباتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية، لإنهاء الاحتلال في مختلف الأراضي العربيّة.  

وهكذا يستطيع الشعب الفلسطيني أن يكون له وطنه السيّد المستقل ليعيش فيه بكرامة واستقرار. وتتمكّن دولة إسرائيل من أن تنعم بالسلام والأمن داخل الحدود المعترف بها دولياً. وتجد مدينة القدس الصيغة العادلة للمحافظة على طابعها الخاص وعلى قداستها وتراثاتها الدينية لكلّ من الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. كما نرجو أن يصير حلّ الدولتين واقعًا حقيقيًّا ولا يبقى مجرّد حلم.  

ويستطيع العراق وضع حد لنتائج الحرب الدامية وإقرار الأمن الذي يحمي جميع مواطنيه بكافة مكوناته الاجتماعية والدينية والقومية.  

وينعم لبنان بسيادته على كامل أرضه ويقوِّي وحدته الوطنية ويواصل دعوته إلى أن يكون نموذجا في العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين من خلال حوار الثقافات والأديان وتعزيز الحريات العامة.  

إننا نندّد بالعنف والإرهاب من أي جهة أتى، وبكل تطرّف ديني. نشجب كل أشكال العنصرية، اللاسامية واللامسيحية والاسلاموفوبيا. وندعو الأديان إلى الاضطلاع بمسؤولياتها لتعزيز حوار الثقافات والحضارات في منطقتنا وفي العالم أجمع.  

الخاتمة: الاستمرار في الشهادة للحياة الإلهية التي ظهرت لنا في شخص يسوع المسيح  

12- وفي الختام٬ أيها الأبناء والإخوة الأعزاء في جميع كنائسنا٬ نقول لكم مع الرسول يوحنا في رسالته الأولى: “إنّ ما كان في البدء، ما سمعناه وما رأيناه بأعيننا، وما تأملنا فيه، وما لمسته أيدينا بشأن كلمة الحياة  لأن الحياة قد ظهرت وقد رأيناها ونشهد لها ونبشركم بهذه الحياة الأبدية التي كانت لدى الآب وظهرت لنا ما رأيناه وسمعناه به نبشركم لتكون لكم أنتم أيضا شركة معنا. وشركتنا إنما هي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح” (1يوحنا 1:1-3).  

هذه الحياة الإلهية التي ظهرت للرسل منذ ألفي سنة في شخص ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، والتي عاشت منها الكنيسة وشهدت لها على مدى ألفي سنة من تاريخها، ستبقى على الدوام حياة كنائسنا في الشرق الأوسط موضوع شهادتنا. وسيبقى سندنا وعد الرب لنا: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (متى 28: 20).سنتابع معا طريقنا في الرجاء، “والرجاء لا يخيّب صاحبه لأنّ محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا” (روما 5: 5).  

وإنّا نعترف أننا لم نبذل وسعنا حتى اليوم لنعيش الشركة والوحدة بين كنائسنا بصورة أفضل. لم نبذل وسعنا لنثبّتكم في الإيمان ونقدّم لكم الغذاء الروحي الذي تحتاجون إليه في الصعاب التي تعيشونها. ويدعونا الرب إلى توبةٍ شخصيّة وجماعيّة.  

واليوم نعود إليكم، يملأنا الرجاء قوة وعزمًا حاملين معنا رسالة السينودس وتوصياته كي نتدارسها فنعمل على تحقيقها كلٌّ في كنيسته ومن موقعه. ونرجو أن يكون هذا العمل في كلِّ بلد من بلداننا عملاً مسكونياً.  

إنّنا نوجّه ٳليكم دعوتنا هذه المتواضعة والصادقة، لنبدأ معاً مسيرة توبةٍ ورجوع ٳلى الله، تجدِّدنا نعمة الروح القدس.  

وإلى الكلّيّة القداسة مريم العذراء، أمّ الكنيسة وملكة السلام، التي وضعنا أعمال سينودسنا تحت حمايتها، نُوكِل مسيرتنا نحو آفاق مسيحية وإنسانية جديدة، في الإيمان بالمسيح وبقدرة كلمته: “ها أنا أعمل كل شيء جديدا” (رؤيا 21: 5).