رموز للقدّاس الإلهي- الأب/ لوكاس رسمي
رموز من القدّاس الإلهي
مقدّمة
نشأت الجماعة المسيحيّة بعد القيامة عندما تجمّع تلاميذ يسوع وأتباعه الأوائل، وأقاموا وليمة الإفخارستيا، عملًا بوصيّة يسوع المسيح ليلة العشاء الأخير: « إِصنَعوا هذا لِذِكْري» (لو 22/19). ومن هنا تميّزت الجماعة المسيحيّة الأولى بما عُرف بـكسر الخبز، والمواظبة على تعليم الرسل، وأصبح القداس هو وسيلة اللقاء بيسوع المسيح القائم من بين الأموات، لذلك يحتلُّ القدّاس الإلهي المركز الأبرز في حياة الجماعة المسيحيّة عبر العصور.
يزخر طقس القدّاس الإلهي بالرموز والحركات، ولعيش جوٍ من الصلاة في الاحتفال بالقدّاس الإلهيّ، لابد من فهم معاني الرموز والحركات الواردة في طقسنا القبطي، حتى لا تصبح هذه الرموز طلاسم غير مفهومه يشوبها الشك وعدم الفهم الصحيح. لذا سنقدِّم شرح لبعض الرموز من طقس قداسنا القبطيّ.
ينقسم القدّاس الإلهيّ إلى قسمين. قدّاس الموعوظين، وقدّاس المؤمنين.
القسم الأول: قدّاس الموعوظين
يشمل قدّاس الموعوظين: الاستعداد، والتقدمة، وصلاة الشكر، دورات البخور، والقراءات (البولس والكاثوليكون والإبركسيس والمزمور والإنجيل)، والعظة.
أ- ارتداء الملابس البيضاء
تُشير الملابس الكهنوتيّة الفاخرة البيضاء، إلى مجد الشخص المخدوم (يسوع المسيح)، كما أنها تُشير إلى الفرح بقيامة يسوع المسيح، وأيضًا دليل النقاء والطهارة والبهاء، وهي أيضًا ملابس العُرس التي نلتقي بها مع العريس السماوي (رؤ 7/9)، فهي تُشير إلى الوقوف أما عرش الله بنقاء وطهارة.
ب- طقس غسل اليدين
الطقس الأوّل يتم قبل رفع الحمل في بدايّة القدّاس، وفي ذلك إشارة إلى النقاء والطهارة، فغسل الجزء يُشير إلى الكل. والمعنى ليس الطهارة الخارجيّة، بل الطهارة الداخليّة، فعلى من يقف أمام الله أن يكون طاهر القلب، والفكر، عفيف الجسد.
الطقس الثاني يتم قبل بدايّة القسم الثاني من القدّاس، عند تلاوة قانون الإيمان، وفيه يغسل الكاهن يده، ثم ينفضها على الشعب. إشارة إلى أن الكاهن برئ من ذنب من يستجرىء على التقدم إلى التناول بدون استحقاق، مذكرًا بقول القديس بولس الرسول: «فمَن أَكَلَ خُبْزَ الرَّبِّ أَو شَرِبَ كَأسَه ولَم يَكُنْ أَهْلًا لَهما فقَد أذنَبَ إِلى جَسَدِ الرَّبِّ ودَمِه. فليَختَبِرِ الإِنسانُ نَفْسَه، ثمَّ يَأكُلْ هكذا مِن هذا الخُبْز ويَشرَبْ مِن هذِه الكَأس. فمَن أَكَلَ وشَرِبَ وهو لا يُمَيِّزُ جَسَدَ الرَّبّ، أَكَلَ وشَرِبَ الحُكْمَ على نَفْسِه» (1كو 11/27-28)
ج- طقس تقديم الحمل
يُصنع (الحمل) القربان المقدّس من دقيق القمح النقيّ، وتكون قربانة الحمل كاملة بلا عيب إشارة إلى كمال المسيح، وهي مستديرة مثل قرص الشمس، إشارة إلى يسوع المسيح شمس البر الذي بلا بدايّة ولا نهايّة السرمدي أي الأزليّ. وفي القربانة نجد في الوسط صليب كبير حوله 12 صليب صغير، إشارة إلى يسوع المسيح وحوله التلاميذ. ترفع القرابين إلى الهيكل، رمزًا إلى الإنسان الذي يرفع كل حياته وأعماله وكل البشريّة، التي شاركت في صنع هذه القرابين، لكي مع تحول القرابين إلى جسد ودم يسوع المسيح، يتحوّل الإنسان القديم الذي فينا (آدم الأوّل)، إلى الإنسان الجديد (آدم الثاني) يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
عدد الحمل يكون فردى ( 3 ، 5، 7 ) أو أي رقم فردى، الرقم 3 إشارة للثالوث، الرقم 5 إشارة إلى الخمسة ذبائح في العهد القديم، والرقم 7 إشارة إلى ذبائح العهد القديم، يضاف إليهم ذبيحة فرخي الحمام واليمام. كذلك كل رقم فردي هو إشارة إلى تفرد المسيح أي ليس له نظير. قبل أن يختار الكاهن الحمل يستبرأه أي يتأكد من سلامته أن يكون بلا عيبٍ مثل خروف الفصح. بعد اختيار أحسن قربانة، يرشم الكاهن القربان كله بالأباركة، فيرشم أولًا القربانة المختارة للحمل على الوجه، ثم باقي القربان، فمن ثمّ يختم بالقربانة المختارة للحمل مرة أخرى على الظهر، لأن ربنا يسوع المسيح هو البدايّة والنهايّة (رؤ 1/8).
يأخذ الكاهن الحمل المختار ويضعه وسط لفافة، إشارة إلى يسوع المسيح المقمط الموضوع في المزود. ثم يضع عليه الصليب مائل ويرفعه إلى الرأس، (عندما يقول: مجدًا وإكرامًا…)، إشارة إلى يسوع المسيح الحامل الصليب صاعدًا الجلجثة، ليقدم ذاته ذبيحة لله لخلاص البشريّة.
د- أغطيّة المذبح
للمذبح كرامة ساميّة، لذلك تعودت الكنيسة على تغطيّة المذبح وفرشه بالأستار الثمينة الموشاة بالرسوم والصلبان، وهذه الأغطيّة تشير إلى الأكفان الكتانيّة التي لُف فيها السيد المسيح عند دفنه.
بعد صلاة الشكر يغطي الكاهن الصينيّة وكرسي الكأس باللفائف، إشارة إلى تكفين جسد المسيح عندما أنزلوه من على الصليب. ثم يضع الكاهن لفافة فوق الكأس على شكل مثلث، إشارة إلى الختم الذي وضع على باب قبر المسيح.
ه- البخور
البخور لم يكن مستعملًا في الكنيسة حتّى القرن الرابع، لأنّه كان يقدَّم للأصنام، فالمسيحيين في عصر الاضطهاد، سُفك دمائهم لأنهم لم يقدموا البخور للأصنام، ومع نهايّة الاضطهاد دخلت عادة التبخير في الكنيسة.
أمّا المعنى المقصود من البخور، عندما يتصاعد دخان البخور إلى السماء، فهذا إشارة إلى صلاة المؤمنين التي ترتفع إلى الله، «لتكنْ صلاتي كالبَخورِ أمامَكَ» (مز 140/2). خروج الكاهن من الهيكل للتبخير في الكنيسة، في دورة البولس والأبركسيس، إشارة إلى خروج الرسل من أورشليم للكرازة والتعليم في العالم.
دورة بخور البولس، وفيها يدور الكاهن في الهيكل ثلاث مرات، ثم في الكنيسة كلها، إشارة إلى أن معلمنا بولس الرسول تعب في الأسفار والتنقل من مكان إلى آخر أكثر من بقيّة الرسل (1كو 10/15). ثم عند الرجعة يقوم بدورة واحد في الهيكل، إشارة إلى أن بولس الرسول كان يعود إلى أورشليم بعد رحلاته التبشيريّة.
لا تُعمل دورة للكاثوليكون ولا يخرج الكاهن من الهيكل، إشارة إلى وعد الرب لتلاميذه أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب.
دورة الأبركسيس، وفيها يدور الكاهن في الهيكل ثلاث مرات، ثم في وسط الكنيسة فقط. إشارة إلى أن كل رسول من الرسل كرز في منطقة معينة. وعند الرجعة لا يقوم الكاهن بدورة في الهيكل، إشارة إلى أن الرسل كلهم لم يعودوا إلى أورشليم مرة أخرى، بل استشهدوا كل منهم في البلد الذي بشر فيه.
و- دورة الإنجيل
بعد صلاة اوشيّة الإنجيل، يقوم الكاهن بدورة داخل الهيكل، يخرج فيها الكاهن حاملًا الإنجيل، ويتقدّم الكاهن شمامسة تحمل الشموع، إشارة إلى ظهور السيّد المسيح حاملًا البشارة إلى العالم، وانتشارها للخليقة كلها، والشموع المضيئة دلالة على أنّ المسيح هو نور العالم (يو 8/12، 9/5)، وكلمته (الإنجيل) سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا (مز 119/105). وقبل تلاوة الإنجيل يقرأ المزمور أولًا، إشارة إلى أنَّ المزامير هي نبوات عن السيد المسيح.
القسم الثاني: قداس المؤمنين
ويشمل قانون الإيمان، صلاة الصلح، الأنافورا.
قانون الإيمان يتلوه المؤمنين قبل تقديس القرابين تعبيرًا عن إيمانهم بيسوع المسيح الحاضر في سر الإفخارستيا.
أ- صلاة الصلح
في صلاة الصلح يرفع الكاهن إلى فوق السِتر الأبيض الذي على شكل مثلث، الذي يشير إلى الختم الذي ختم به قبر المسيح، وعند قوله: اجعلنا مستحقين أن نقبل بعضنا بعض، يهز الكاهن الستر الأبيض ثم يضعه جانبًا، وفي ذلك إشارة إلى دحرجة الحجر عن باب القبر والزلزلة العظيمة التي حدثت أثناء القيامة، فبقيامة يسوع المسيح تصالح السمائيين مع الأرضيين. وعندما يصرخ الشماس: قبلوا بعضكم…، تبدأ رتبة المسامحة طبقًا لوصيّة الرب يسوع القائل: «إِذا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربانَكَ إِلى المَذبَح وذكَرتَ هُناكَ أَنَّ لأَخيكَ علَيكَ شيئًا، فدَعْ قُربانَكَ هُناكَ عِندَ المَذبح، واذهَبْ أَوَّلًا فصالِحْ أَخاك، ثُمَّ عُدْ فقَرِّبْ قُربانَك» (مت 5: 23-24).
ب- الأنافورا
أنافورا كلمة يونانيّة تنقسم إلى قسمين، الأول (أنا) وتعني (فوق)، والثاني (فورا) وتعني (رفع). ومن هنا سمي القدّاس بأنافورا لأنّ الصلوات ترفع إلى السماء، بشرط أن يكون هناك استعداد قلبي وذهني. ومن هنا جاءت أوّل عبارة بعد صلاة الصـــــــلح في بديّة الأنافورا (أرفعوا قلوبكم للرب). صلوات الأنافورا تعبر عن مسيرة الخلاص الذي أتمه يسوع المسح،كما أنها تذكرنا بالعشاء السرّي الأخير، والهيكلّ في هذه الحالة يمثّل لنا عليّة صهيون.
عندما يقول الكاهن: تجسد وتأنس…، يضع يد بخور في المجمرة، إشارة إلى تجسد يسوع المسيح في بطن العذراء مريم التي يرمز إليها بالمجمرة، والنار المتقدة فيها، إشارة إلى نار اللاهوت.
عندما يقول الكاهن: ووضع لنا هذا السر العظيم…، يبخر الكاهن يديّه، إشارة إلى استعداده للمس الأسرار المقدسة وتقسيمها. والتبخير على الخبز، إشارة إلى الحنوط التي وضعت على جسد المسيح عند دفنه.
تنقسم الأنافورا إلى ثلاث أقسام:
أ- القسم الأوّل: صلوات إفخارستيّة لتقديس القرابين، وبها تتحول إلى جسد ودم يسوع المسيح، إشارة إلى الفعل الذي أتمه يسوع المسيح في العشاء الأخير حينما تناول الخبز ثم شكر وبارك. عند تقديس القرابين يكسر الكاهن القربانة من فوق إلى أسفل، ثلثين وثلث دون فصل، إشارة إلى أن اللاهوت لم يفارق الناسوت.
ب- القسم الثاني: صلاة القسمة، وهي صلوات نشكر فيها الله على عطيته التي لا يعبر عنها، إذ أعطانا جسده المقدس ودمه الكريم لنحيا بهما. وفي أثناء الصلاة يقسم الكاهن جسد ربنا يسوع المسيح، وهي إشارة إلى الفعل الذي أتمه السيد المسيح حينما كسر وقسم الخبز.
ج- القسم الثالث: التناول وتوزيع الجسد والدم على المؤمنين، وهذا إشارة إلى الفعل الذي أتمه السيد المسيح حينما ناول وأعطى تلاميذه القديسين جسده ودمه المقدس.
راجع: (مت 26/26-27، مر 14/22-23، لو 22/17-20)
الخاتمة
الرموز لغة تعبر عن سرٍ لا تستطيع الكلمات التعبير عنها، كما تكتسب الرموز بعدًا روحيًا يذكرنا بالحقائق الإلهيّة، وكل رمز يدخلنا في ما وراء معناه. فيجب أن تكون هذه الرموز والحركات سر تقودنا لملاقاة يسوع المسيح الحي، الذي يعطينا ذاته من خلال سر الإفخارستيا.
مراجع
1- الكتاب المقدس، دار المشرق، بيروت، 20072.
2- أبو البركات ابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، ج2، د.م، 1992.
3- متاؤس(الأنبا)، روحانيّة الطقوس في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، أسقفيّة الشباب، القاهرة، 1995.
4- يوحنا سلامة (القمص)، اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة، مكتبة مار جرجس، شبرا، مصر، د.ت.