عذراء الحبِّ الإلهيّ-الإكليريكي مايكل وليم
عذراء الحبِّ الإلهيّ-الإكليريكي مايكل وليم
عذراء الحبِّ الإلهيّ
لقد عاشت مريم العذراء الحبَّ الحقيقيّ نحو ابنها وفاديها ومخلصها ومخلص العالم كله.
ظلّت متحدة به من قبل إنشاء العالم في سرٍّ عظيم لا يُدرك داخل أي عقلٍ بشريٍّ. فالإله
الغير المحوى، اختارها قبل انشاء العالم طاهرة ومقدسة له، لكي تكون ساحقة لرأس الحية
الشريرة. أتى جمر اللاهوت داخل أحشاء البتول مريم، وملأها بنار روحيّة فائقة الطبيعة،
نار الحبِّ الإلهيّ الأزلي الغير المحدود. لم تكتفِ مريم بأن تعيش متحدة بهذا الحب
الإلهيّ على مستواها الشخصيّ، ولكنها انطلقت واعلنت الحبَّ لكل إنسان عرفته. فكانت شعلة
قويّة حاملة محبة الله لكل العالم. لأنها علمت أن محبة الله لا بد أن تكون حياة معاشة
وليس مجرد شعارات وهتافات شكليّة ظاهرية خالية من الحياة.
عذراء الحب الإلهيّ، واجهت صعاب كثيرة من أعداء الحبِّ، من أجناد الشر الروحية، من
البشر المتجردين من روح الحب والخدمة. لقد تألّمت كثيرًا عندما رأت الجميعَ يتخلّون عن
ابنها يسوع. تألمّتْ عندما شاهدت قسوة الإنسان الظالم الذي حطّم أحشاءها المقدسة من
خلال صلب الفادي وإهانته. تألّمتْ عندما فارق ابنها الحياة وهو رب الحياة. ومازالت
تتألّم أمام الإنسان الذي يمزّق قلب الحب الإلهيّ. أمام الإنسان المتألم من فقدان حضارة
المحبة بسبب التعصب الدينيّ الطائفيّ. نعم إننا نسبّبُ حزنًا عميقًا ليسوع ومريم بسببِ
قتلنا لقيمة الحبِّ والعطاءِ والبذلِ والتسامحِ، وعيشنا بمبادئ منحرفةٍ ناتجة من
نفاية العنف والأهواء الأنانية الشريرة والحسد والنميمة وقتل قيمة وشأن وكرامة الآخر.
عذراء الحب الإلهيّ، كان شعارها الوداعة والصمت الداخليّ العميق، لذلك فكانت حياتها
صورة حيًّة ولحنًا جميلاً ونورًا سماويًا يحمل السلام والحب للعالم, لذلك نسمعها تقول:
هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني. لذلك كم من نفوس مسيحية بالاسم فقط، لا تعرف شيئًا
عن الإيمان الباطني والصلاة القلبية والعلاقة الجذرية مع الله القدوس.
لذلك فالعذراء مريم تنادي كل إنسان بأن يدخل إلى عمق ذاته وكيانه، هذا ما أعلنه الله
لإيليّا النبيّ عندما ظهر له في صوت ريح خفيفة، لأن الله يحب الهدوء والصمت لكي يتكلم،
فلنسكّتْ ميولنا وأفكارنا وأصواتنا الداخلية والخارجية معًا كي يتسربل الله القدير
بالقوة ويعمل داخلنا على نشر سلام محبِّته ونعمته التي هي أثمن من الحياة .
عذراء الحبِّ الإلهيّ تخاطبنا اليوم قائلةً لنا:
• أن الحياة الروحية جوهرها ليس في كثرة النسك وأعمال التقشفات الصارمة وكثرة معايشة
الفضائل، وقلبنا وحياتنا خاليين من أي حس إنساني وشعور متبادل نحو الآخر، فالله لن
يلتفت لصلواتنا إن لم نلتفت نحن على بعضنا البعض. فعندما تشارك الآخر بحبك فأنت تشارك
الله في سرِّ نعمته وتصير متحدًا به بطريقة ملموسة قوية
• طوبى لمن يتعطف على المسكين، في يوم الشر ينجيه الرب. طوبى لمن يمسح دمعة الحزين،
فأنه يزرع داخله فرح الحياة. طوبى لمن يبني بيت لمن لا مأوى لهم، فأنه يساعد الله في
خلق الحياة ونشر الحب والسلام في القلوب المتعطشة للحياة والوجود الحقيقي. طوبى لمن
يعطي الجائع خبزه، ويعطي ثوبه للعريان ويسقي ظمأ العطشان ويخفّف الآلام البائس والحزين.
وليدرك كلّ خدّام أخوة الرب، أنهم يشاركون الله في خدمته ومحبته وحضوره، من خلال
محبّتهم وخدمتهم التي يجسّدونها له من خلال كل إنسان يقابلونه في طريق خدمتهم، حيث
يزرعون الحبّ والرجاء والبسمة في قلوبهم الجريحة، لذلك فهؤلاء الخدّام سيأخذون كرامةً
من عند اللهِ، لا تقل عن كرامة القديسين. فلن يضيع أجرهم.
v وتذكّر أن مسيح الحبِّ يريد كلَّ نفسٍ بشريةٍ صُلب لأجلها. أنه عطشانٌ ليرى الحبَّ
منتشرًا في أقطار المسكونة كافة. عطشانٌ ليرى الجميع واحدًا في الروح والفكر والحياة.
أنه في حاجةٍ شديدةٍ لمن يروي عطشه، ويخفّف من آلامه التي سبّبتها قسوة الإنسان وجرمه
وتمرّده على الحبِّ والنعمة والإيمان.
v عليك أيها الإنسان أن تخفّف جراح البشرية المتألمة وتنشر الحبَّ لتكون حقًّا تلميذ
المسيح هنا على الأرض وهناك في السماء؛ سماء الحبّ التي لن يدخلها إلاَّ من توّج
بالمحبة حياته على الأرض، وكان أداةً وعلامةً حيّةً على حضور المسيح المحبّ والوديع
والمتواضع القلب.
v دعوة لنا جميعًا، لنميت قلوبنا الحجرية القاسية المجرّدة من الحنان والحبِّ، ونحيي
القلوب اللحميّة التي تشتعل بنار حبِّ الله والقريب، فنقدّم أعظم شهادة مسيحيّة يحتاجها
مجتمعنا الآن. علينا أن ندوس ونسحق كل كبرياء وتمرد ونسحق رأس الحية، وكل الأشواك التي
تخنق الحبَّ الإلهيّ.
وكل عام وانتم بخير بمناسبة ختام الشهر
المريمي
الإكليريكي مايكل وليم