عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في كنيسة مار جرجس – شبرا – القاهرة
الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٩
ترأس غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الإلهية في كنيسة دير مار جرجس للآباء اللعازريين في شبرا – القاهرة، بعد ترميمها، وقد عاونه راعي الإيبارشية سيادة المطران جورج شيحان مطران الموارنة في مصر والسودان والأب زياد الحداد الرئيس الإقليمي للآباء اللعازريين في الشرق ولفيف من الكهنة بحضور سفير لبنان علي الحلبي وحشد من المؤمنين.
في مستهل القداس ألقى الأب الحداد كلمة ترحيب بصاحب الغبطة جاء فيها:”
يطيب لي ويشرّفني أن أستقبلكم في دارتكم للمرة الأولى في دير مار جرجس شبرا الذي هو ديركم.
أن هذا الدير قد أسسه أخوتكم في الرهبانيّة المارونيّة المريميّة (الحلبيّة اللبنانية سابقًا) عندما بَنَو هذا المقام المشرَّف في سنوات 1880-1884، فبذل الرهبان كلّ ما عندهم من قوّة وعزم ونشاط، وقدّموا تضحيات وتقشّفات وصلوات، وعلى رأسهم الأبّاتي جبرايل صفير العجلتوني، لقد استقروا في حي شبرا من أجل خدمة المسيحيين التائهين في عاصمة مصر الشاسعة ليقدموا لهم مع بشارة الإنجيل، حضوراً إنسانياً وأخوياً.
وختم الأب حداد: “نضع أنفسنا بكل حماسنا وخبراتنا في خدمة كنيسة مصر كما نحن معتادون أن نفعل أينما وجدنا كأبناء لكنيسة الله.
نتّكل على صلاة غبطتكم حتى نتمكن من تحقيق إرادة الله المقدسة وخدمة سادتنا الفقراء الذين نُذِرنا لهم منذ تأسيسنا .”
بعد تلاوة الإنجيل المقدس ألقى غبطته عظة قال فيها:
“يؤكد لنا الرب يسوع في انجيل اليوم ان الغاية الأساسية من وجود كل انسان على الأرض هي ان يعرف الله لأنه مخلوق على صورته ولأنه مدعو ليكون معاونا لله في تحقيق تصميم الخلاص عبر التاريخ البشري. من اجل هذه الغاية كشف الله عن نفسه منذ القديم بأنواع شتى، وفي ملء الزمن هو صار انسانا بإلابن الوحيد ليكلمنا مباشرة ولكي يبين للانسان كيف يكون انسانا وكيف يشهد لله في حياته واعماله واقواله. ولهذا يقول في انجيل اليوم ان مشيئة ابي ان كل من يشهد لابنه ويؤمن به له الحياة الأبدية.
يسعدنا ان نحتفل معًا بهذه الليتورجية الالهية في مناسبة سعيدة بالنسبة لكم وبالنسبة لي شخصيًا لأنها اول احتفال بالليتورجية الالهية في كنيسة مار جرجس بعد ان رممتها جمعية الرسالة للأباء اللعازاريين التي احييها بشخص رئيسها الاقليمي الأب زياد الحداد وبشخص رئيس الجماعة الأب جان صفير والآباء الحاضرين هنا. كما احيي الرهبانية المارونية المريمية بشخص رئيس رسالتها الأب نبيل رفول التي سهلت مع جمعية الرسالة ترميم هذا الدير العريق لخدمة الرسالة.
إني اهنىء راعي الأبرشية على هذا التعاون بين الرسالة والرهبانية الذي يشكل غنى روحيا اضافيا في الابرشية غايته الأساسية معرفة الله ومساعدة المؤمنين على ذلك.
أيها الإخوة والأخوات الأحبّاء
العالم يتخبط في شؤونه، شرور في كل مكان، حروب نزاعات، ظلم، إفقار، تهجير، كل هذا سببه الأساسي، جهل الله. العالم لا يعرف الله، ينبغي أن يعرف الله لكي يُحسن تدبير مسيرة التاريخ، فتاريخ البشر ليس للهدم ولا للحرب ولا للإعتداءات على الإنسان بأي شكل من الأشكال، ولا لتهجير الشعوب ولا لإفقارها، بل من أجل أن يعيش الناس بأمان وعدل وإنصاف، ولا سيما الذين يتولَّون مسؤولية في العالم، فمسؤولية السياسيين هي من أجل أن تعيش الشعوب بالأمان والسلام والإستقرار، وينالوا حقوقهم الأساسية. وإذا كان هذا لم يحصل فلأن أصحاب المسؤولية لم يعرفوا الله.
لذلك نحن نصلي اليوم لكل مسؤول، أكان في العائلة أم في الكنيسة أم في المجتمع أم في الدولة كي يعرف الله وان يشهد له.
لا يمكن أن يعرف الإنسان الله على حقيقته دون ان يعكس وجهه بأعماله، بكلماته وبمبادراته.
القديس منصور دو بول الذي يكرم في هذه الكنيسة وقد زرع في جمعيته روح معرفة الله، عرف وجه المسيح وعرّف عليه من قد عرفهم من خلال القول والعمل.
ونحن أيضًا إذ نأتي من لبنان، الذي يعيش متخبطًا في أزماته السياسية والإقتصادية والمعيشية والإجتماعية كما تعلمون، وإن كل من التقينا بهم من مسؤولين ومؤمنين في مصر العزيزة، وعلى رأسهم رئيس البلاد والبابا تاواضروس، يكلموننا اليوم عن لبنان وكلهم قالوا أنهم يصلون لأجله.
لذلك أتجرأ وأقولها اليوم، لو أن المسؤولين عندنا يعرفون حقيقةً الله لما وصلنا إلى ما نحن عليه، الباب الوحيد للخروج من الأزمات عندنا، حسب إنجيل اليوم، هو معرفة الله، لأن الله حب، وحقيقة وعدالة واستقرار وترقي وازدهار وعيش الناس بكرامة.
لذلك نحن نصلي معكم اليوم كي يعرف المسؤولون عندنا وفي كل مكان لا سيما لمن هم من أسياد هذا العالم وهم يخططون للهروب والإستبداد بالشعوب والتجارة بأسلحتهم، كما قال قداسة البابا فرنسيس، نصلي لكي يمس الله ضمائرهم وينير عقولهم لكي يعرفوا الله.
هذا هو برنامج كل واحد منا، أن نعرف الله أكثر يومًا بعد يوم. يقول الرب في الإنجيل : ” من شاهد الإبن وآمن به فله الحياة الأبدية” ونحن نشاهده كما هو قال، في الجوعان والعطشان والعريان والمريض والغريب كما في الأسير والسجن وهذا ما قال عن نفسه: ” كنت مريضًا وجوعانًا وعطشانا فزرتموني وأتيتم إليّ” نعم نحن نشاهد الله في الجماعات المصلية كل يوم جمعة وأحد، نشاهده في الطرقات، نعاينه في الذبيحة الإلهية.
عندما شاهد فيليبس الرسول يسوع يومًا وقال له: “أرِنا الآب، أرنا الله”، قال له يسوع : ” من رآني، رأى الله”.
صلاتنا اليوم بشفاعة مار منصور، الذي رأى الله في الفقير والمريض بنوع خاص فشهد له، أن تكون هذه هي رسالتنا أيضًا وثقافتنا ومعنى وجودنا في الحياة.
يا رب نحن نسألك كل يوم أن نبحث عنك، أن نرَ وجهك فتكون صلاتنا كل يوم، في كل صبح ومساء: يا رب ساعدني أن أراك وأشهد لك بالقول والعمل.
لك المجد أيها الآب والإبن والروح القدس ،من الآن وإلى أبد الأبدين _ أمين
بعد ذلك التقى البطريرك الراعي المؤمنين في صالون الدير.
#البطريركية_المارونية #البطريرك_الراعي #شركة_ومحبة