عيد القدّيسة ريتا شفيعة الأمور الصّعبة والمستحيلة
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية اليوم 22 مايو بعيد القديسة ريتا، يذكرأن البابا أوربانوس الثامن 1826 منحها لقب طوباوية وفي عام 1900 منحها قداسة البابا لآوين الثالث عشر لقب قديسة.
حياتها
في قريـة روكّا بورينا- بالقرب من “كاشيا” وفي منطقة جبال Apennines بإيطاليا عاش والدا القديسة ريتا (أنطوان لوتـي وإيـميه فيـري) في تقوى وممارسة أعمال الخيـر ولم يكن لهما ذريـّة. وفيما كانت والدتها مستغرقة في صلاة حارة ظهر لها أحد الـملائكة وبشّرها بابنة سوف يـمنحها الرب الكثير من النعم السماويـة يوم أن تُـمنح سر العماد باسم “ريتا” , ولقد تم ذلك، ففي شهر مايو من عام 1381م ولدت ريتا وفي يوم العماد الذي تم بكنيسة القديسة مريم بالقريـة حيث أشرق وجه الطفلة بنور سماوي ساطع فلم يعد عند أحد من الشهود أي شك في أن لهذه الظاهرة العجيبة بالإضافة لذلك الاسم العجيب الذي أُعطِيَ للطفلة لهو دليل على كون هذه الـمولودة ممن اختارهم الرب ليكونوا شهوداً لـمجد اسمه القدوس.
واسم “ريتـا” جاء من الاسم اللاتيني “مارجريتـا” والذي يعني “اللؤلؤة”…
وتبع ذلك حادث آخر غير عادي فلقد ذهبت والدتها ذات يوم لتعمل كعادتها
في الحقول فوضعت الطفلة تحت ظل شجرة ثم مضت لعملها ولدى عودتها
كادت الأم تصعق من الذعر, حيث شاهدت مجموعة من النحل تدخل في فم
طفلتها ثم تخرج منه بصورة مستمرة فخافت الأم أن تأتي بحركة ما لطرد
النحل فيزداد هياجه فتمهّلت، وهنا شاهدت منظراً فريداً إذ شاهدت أن النحل
كان يدخل في هدوء ليدهن حلق الطفلة بالعسل ويخرج, كما دخل وكانت
الطفلة تتذوق ذلك الرحيق في فرح, ولقد قيل إن أحد الفلاحين وكانت يده
مصابـة مر بجوار الطفلـة وعندما شاهد النحل حاول أن يبعده بيده الـمصابـة
وهنـا تـماثلت يده بالشفاء بطريقـة إعجازيـة.
ولقد قيل أيضاً إن النحل الذي كان بقريـة “كاشيـا” ظلّ لأكثـر من 500عام
يأتـي لنفس الـمكان خاصـة في عيد القديسة ريتـا حتى إن أحد الباباوات في
القرن السابع عشر قد تأكد من ذلك واعتبـر هذا بـمثابـة إعلان إلهـي دائـم
عن عظمـة تلك القديسة .
ولـم يكن بالقريـة أي مدرسة سوى ما تقدمـه الكنيسة في ذاك الوقت للأسر
الفقيرة من تعاليم مسيحية بسيطة سواء عن طريق الاستماع أو الرسم أو
التلوين لقصص الكتاب الـمقدس، وسيـر القديسين.
زواجها
ولـما كبرت ريتا ونـمت في الإيمان والمحبة وبلغت الخامسة عشرة من
عمرها رغبت الالتحاق بالرهبنة، غير أن والديها عارضاها لأنها سندهما
الوحيد في شيخوختهما وراحا يتوسلان بالدموع إليها لكي ترجع عن رغبتها
فوقعت ريتا في حيرة شديدة ولكنها التجأت إلى الله وجثت أمام الصليب
طالبة منه الحكمة فألهمها الرب بأن تطيع والديها فقامت ولسانها يردد مع
السيد الـمسيح “لتكن مشيئتك لا مشيئتي”.
أما والداها فخوفا من أن تعدل عن فكرها قررا في الحال تزويجها واختارا
لها عريساً هو “بول فريناند مانسيني” وكان يعـمل عسكريـا في بلد يسودهـا
الاضطرابات والحروب، وكانت ريتا في سن الثامنة عشر.
ولم يكن اختيارهما موفقا لأن عريسها كان حاد الطبع ويثور عليها دائما
بالشتائم والضرب العنيف وكانت تتحمل كل ذلك فى استسلام ملائكي
وتصلي لله من أجله وتصلي دائـما للعذراء مريـم صلاة الـمسبحة الورديـة
والتي أصبحت معروفـة في ذلك الوقت، وتمارس كثيراً حياة التقشف
الجسديـة والتضحيات والتي كانت منتشرة أيضاً بكثرة في تلك الفتـرة، حتى
بعد وقت طويل أثـمرت صلاتها وأصبح زوجها خاضعا لله.
ولقد رزقت منه بولدين هما جان جاك وبول ماري، ولكنهـما للأسف كانا قد
ورثا عن أبيهما شراسة الطبع وكان قلب الأم يعاني من الآلام والهموم بسبب
ميولهما الـمنحرفة علـماً بأنهـا كانت تلجأ لكل الوسائل لكي يظل ولداها
سائرين في خوف الله.
ولقد قضت القديسة ريتا السنين الطوال في قلق متواصل لأجل خلاص
ولديها, وذات يوم فوجئت بجثة زوجها بعد أن قتل وقد قيل إنـه قُتل بأيدي
أعدائـه أو نتيجة خطأ وكان هذا حوالي عام 1413, وأخذت تصلي من
أجل خلاص نفسه وقد غَفَرت للقتلة ولكن ولديها أصرّا على الأخذ بالثأر
والانتقـام، فأخذت تتوسل إليهما أن يتركا هذا الأمر فلم توفّق، فصرخت للرب
أن يأخذهما إليه ولا يسمح لهما باقتراف هذه الجريـمة, ولم يـمض على ذلك
أيـامُ حتى مرض ولداها وماتـا بعد أن تزودا بالأسرار الـمقدسة ولم يتمكنا
من الأخذ بالثأر, وعلى أثر ذلك الانقلاب غير الـمنتظر وجدت القديسة ريتا
نفسها وحيدة ولازمت منزلها تواصل صلاتها وحّن قلبها ثانيـة للالتحاق
بالرهبنة ودخول الدير.
وكان بالقرب من “كاشيا” دير لراهبات القديس أغسطينوس، اشتهر في تلك
الـمنطقة بكمال الحياة الرهبانية، فقصدته القديسة ريتا ولكن رُفِضَ طلبهُا لأن
قانون الرهبنة يـمنع دخول الـمتزوجات أو الأرامل، ولكنها كررت طلبها هذا
ثلاث مرات ولكن دون فائدة.
فعادت إلى منزلها واعتكفت فيه عائشة في صلاتها وتأملاتها الـمتواصلة
وكان إيمانها قوياً وثابتاً.
وذات ليلة بينما كانت القديسة ريتا مستغرقة في
صلاة حارة طالبة العون من شفعائها القديس يوحنا الـمعمدان والقديس
أغسطينوس والقديس نقولا تولنـتـن، إذ بنور سماوي يملأ حجرتها فجأة
وظهر لها القديسون الثلاثة طالبيـن منها أن تتبعهم.
رهبنتها
وفي الخارج كان الليل حالكاً ولأنهـا أسلـمت ذاتهـا للتدبيـر الإلهـي وتبعت
مرشديها القديسين وهي لا تدري إلى أين ستذهب، وفجأة لـمحت الدير أمامها
ورأت الباب يُفتح والرئيسة واقفة بداخله بتدبيـر إلهـي فقدّمها القديس
أغسطينوس للرئيسة التي قبلتها في الحال, وفي سنة 1417 ارتدَت
القديسة ريتا ثوب رهبنـة بنات القديس أغسطينوس وهي في الثانية والثلاثين
من عمرها, ومنذ أن دخلت الدير حتى بدأت تـعيش قوانين الرهبنة بدقـة لا
مثيل لها وتحيا حياة التعبد والخشوع وفي طاعة كاملة ومحبة متأنيـة.
وذات يوم رأت الأم الرئيسة أن تفرض على الأخت ريتا بأن تسقي جذع شجرة
ميت منذ زمن طويل يقع عند مدخل الدير، وكان على القديسة ريتا أن تقوم
بهذا العـمل صباحاً ومساءً مهما كانت حالة الجو.
وفي ذات يوم فوجئت أن
ذلك الجذع تكسوه كرمة ناضرة تتلألأ بعناقيد من العنب ذات رائحة
جميلة، فتعجّبن لذلك جميع الراهبات وسجدن مسبحات الله، وهذه الكرمة باقية
ليومنا هذا وتُعرف باسم “كَرْمـة القديسة ريتا”.
لقد كانت الآم السيد الـمسيح هي الـموضوع الدائم لتأملات القديسة
ريتا، وكثيراً ما كانت تُرى ساجدة أمام يسوع الـمصلوب تبكي بدموع غزيرة.
ويوما مـا توسلت إلى يسوع الـمصلوب أن يجعلها تشعر في جسدها ولو بألم
إحدى جراحاته، وما أن انتهت من طلبتها حتى انفصلت بأعجوبة عن إكليل
يسوع شوكة من أشواكه واندفعت بشدة لتنغرس في وسط جبينها، ولـم يلتئـم
الجرح أبداً رغم العناية والعلاج الدائـم بل بالعكس كان يـتسع ويتفاقم وكانت
تنبعث منـه رائحة كريهة للغايـة اضطرت بسببها أن تعيش منعزلة عن
إخوتها الراهبات.
واستمر ذلك الألم خمسة عشرة عاما دون توقف والقديسة تتحمل في شكر
ولا تكف لحظة عن حمد الله على تلك النعمة الفريدة, ولم يهادنهـا الألـم إلا
في سنة 1450 وهي سنة اليوبيل الـمقدسة حيث يتم كان يتم الاحتفال به في
ذلك الوقت كل خمسين عامـا بزيارة رومـا للصلاة وطلب الـمغفـرة من الله
وكان هذا في عهد البابا نيقولا الخامس، إذ توسّلت القديسة ريتا إلى رئيستها
أن تأذن لها بالسفر مع إخواتها الراهبـات إلى روما لحضور حفلات
اليوبيل، فكان جواب الرئيسة “اطلبي الشفاء من جُرحك فإن تحقق يـمكنك
الـمجيء” فرضخت القديسة لهذا الأمر وراحت تصلي للرب يسوع أن
يـمنحها هذه الفرصة، وفي الحال وبـمعجزة إلهية التأم الجرح في الحال
وهكذا تسنّى للقديسة أن تذهب إلى رومـا، غير أنـها لدى عودتها لم تكد تغلق
ورائها باب الدير حتى عاد الجرح للظهور ثانية وبصورة أشنع مـما كان
قبلا.
نياحتها
ولـما بلغت القديسة ريتا الثانية والسبعين من العمر سـمحت العناية الإلهية أن
تبقيها لأربع سنوات أخرى راقـدة على فراش الـمرض تعاني مرضاً مؤلـماً
للغايـة، لم تستطع معه أن تبتلع طعاماً أيـّا كان حتى أصبح القربان الـمقدس هو غذاءها الوحيد طوال هذه الـمدة ومع هذا كان فرحهـا عظيـماً بكل هذه الآلام متشبهـة ببولس الرسول الذي قال: “إنـّي أفرح الآن في الآلام من أجلكم وأُتمّ ما ينقص من شدائد الـمسيح في جسدي لأجل جسده الذي هو الكنيسة”(كولوسي24:1).
وذات يوم زارتها أثناء مرضها، إحدى قريـباتها قادمة من قريتها وعندما
سألتها تلك الزائرة عمّا إذا كانت تستطيع أن تؤدي لهـا أي خدمة فأجابتها
القديسة: “رجائي إليك أن تذهبي حال وصولك إلى حديقة منزلنا القديم
وتأتيني بوردة تجدينها هناك”.
وكان الوقت شتاء والجليد يغطي الأشجار وخيّل للجميع أن الـمريضة كانت
تهذي بسبب مرضها.
إلاّ أن قريـبتها حين عادت إلى “روكّا بورينا” أصرّت على الوفاء بالوعد
فتوجهت إلى الـمسكن فوجدت شجرة ورد بالفعل وقد اسودت من فعل الجليد
ومن طول الزمن وكانت مغطاة بالثلج وبالرغم من ذلك فإنها كانت تحمل
وردة بهية يلمع لونها الزاهي فقامت بقطفها وأسرعت راجعة للدير حاملة
تلك الوردة العجيبة فأخذتها منها القديسة بلا دهشة، بخلاف أخواتها الراهبات
اللواتي اعتراهن الذهول وبدأن يرتلن لله بـآيات الشكر، ويوجد الآن في مكان
تلك الوردة العجيبة تـمثال من البرونز تذكاراً لتلك الأعجوبـة.
أما الزائرة فكانت تتأهب للعودة حين طلبت منها القديسة ريتا أن تعود إلى
الحديقة وتحضر هذه الـمرّة ثـمرتين من التين سوف تجدهما هناك، وفعلت
الزائرة وعادت إلى نفس الـمكان وأمكنها أن تجني كذلك من تينة جرداء
ثـمرتين, ولهذا نرى الأديرة الأغسطينية.
وتـُحيي فى 22 مايو من كل عام ذكرى أعجوبة الوردة وذلك بتبريك الورد
وتوزيعه على الـمؤمنين وفي ظروف عدة كانت تلك الورود الـمباركة
توضع على الـمرضى فيتم شفاؤهم, ولقد انتشرت هذه العادة في جميع
الكنائس في أنحاء العالـم.
ولـمّا كانت القديسة ريتا في السادسة والسبعين من عمرها تراءى لها يسوع الـمسيح مصحوبا بأمه مريم العذراء الكلّية القداسة وقال لها:” بعد ثلاثة أيام يا حبيبتي سوف تأتيني فتتمتعي بـمجدي”. فأخذت قديستنا هذا الوعد العجيب وراحت تبث البشرى في فرح يفوق الوصف بين أخواتها الراهبات فلم يتمالكن أنفسهن عن إظهار انفعالهن فكانت تقول لهن: “لـماذا تبكين؟، الأحرى بكن أن تفرحن معي لأني عما قريب سأحظى بعد طول انتظار برؤيـة يسوع الحبيب”. وفي الثاني والعشرين من شهر مايو سنة 1457 رقدت القديسة بسلام بين ذراعي عريسها السماوي بعد أن قبلت الأسرار الأخيرة وعلى وجهها مسحة من الهدوء حتى إن كل من رآها كان يشك في أنها قد ماتت وبدأت أجراس الدير تدق من تلقاء ذاتها وقد انتشر بعد موتها في حجرتهـا رائحة ذكيّة للغايـة من جرح جبينها الذي شفـى تمامـا وأصبح كأنـه قطعة من الحجر الثـمين الأحـمر اللامع كشهادة لقول الـمرّنم: “إنك تجعل على رأسه إكليلاً من ذهب “(مزمور3:20). ولقد شهدت إحدى الراهبات جوقة من الـملائكة تحمل إلى السماء نفس القديسة. ولقد حاولت إحدى الراهبات واسمهـا الأخت كاترين مانسينـي والتي كانت تعانـى من شلل فـى إحدى يديهـا أن تضع يديهـا حول رأس القديسة ريتـا بعد ممـاتهـا فحدثت أن شفيت بطريقة عجائبيـة وكانت هذه هـي أولـى معجزاتهـا بعد موتهـا.
وأثنـاء غسيل الجسمان وإعداده للدفـن وقف أهالـي بلدة “كاشيا” خارج الديـر
منتظريـن أن يروا جثـمان من كانوا يطلقون عليهـا اسم “القديسة” , وبالفعل
وضع التابوت وبداخله الجثـمان في كنيسة الديـر وتُرك مفتوحـاً لكي يتمكن
الـمؤمنين من رؤيتهـا، وظل هذا التابوت مفتوحـاً لـمدة تزيـد على 138
عامـا.
وبعد أعوام قليلة تعرّض الدير لحريق ممـا أتلف التابوت ولكن لـم يُمس
الجثـمان من النار, ظلّ جسمان القديسة ريتا ثلثمائة سنة محفوظا في كنيسة
الدير بكاشيا داخل نعش من خشب الحور يكسوه تابوت آخر من خشب
الجوز.
وفي سنة 1745 بحضور الـمطران بونانيزا اسقف “سبوليت” في ذلك
الوقت نقل الجثمان الطاهر إلى تابوت آخر… واليوم وقد مرت خمسة قرون
على نياحتها لكن جسمها ظلّ باقيا في حالة تستدعى العجب وفي وجهها
تعلوه بعض الشحوب، تلمع من خلال الشفتين أسنان ناصعة البياض ومن
داخل جفنيها الـمفتوحين قليلا تشع عيناها ببريق طبيعي ولقد قيل إن هاتين
العينين قد شوهدتا وهما تنفتحان بضع لحظات،أما كفنها وثيابها فهـما لا
يزالان كليهما سليمين تماما وينبعث أحيانـا من تابوتها روائح زكيّة لطيفة
تعطر الدير كله وبخاصة فى 22 مايو.
إعلان قداستها
ولقد أُعلنت طوباويتهـا في سنة 1737 ثم أُعلنت قداستها في 24 مايو من سنة1900 يوم عيد الصعود في عهد قداسة البابا لاون الثالث عشر, ولقد تم وضع الجثـمان والتابوت داخل دولاب زجاجـي في الكنيسة الجديدة التي تم بناؤهـا في عام 1925 , وأصبح تكريم القديسة ريتا منتشرا في كل مكان من العالم