عين على الاحداث !-ناجى كامل
القراءة الكتابية مرتبطة بالأحداث السياسية… ففي يناير 2011 تركزت انظارالعالم على
مصر، وقراءة اليوم تنقلنا إلى الماضى للاف السنين … ولكن رغم مرور هذا الوقت الطويل
تبقى أشياء مشتركة كثيرة بين ما حدث آنذاك وما يحدث اليوم .
لنقرا معاً في قصة الخروج (ثورة شعب ) من خلال تأمل فى سفر الخروج 3: 1-10
إن قصة الخروج ليست فقط قصة حدثت في العهد القديم، بل إنما هي نموذج لمسيرات
الحرية.. إنها نظرة كتابية لما يحدث في الثورات الشعبية… ولنتأمل فيها بقراءة بعين
عصرية.
– اولا : في كلتا الحالتين هناك ” شعب يذل ”
الكتاب المقدس يتحدث عن الذل… في لغة هذا العصر هناك شعب تنتهك حقوقه… هناك أجيال
ولدت في المذلة… تعاملت بدون كرامة وكأنها نفاية… شعب العبرانيين في العهد القديم
كان يسخر في الأعمال الشاقة، في بناء الأهرامات العملاقة لفرعون… من يتأمل في هذه
الحجارة الضخمة وكيف كانت تقتلع من المحاجر ومن ثمٌ تنقل لترفع على الأهرامات في عصر لم
يكن فيه أية روافع كهربائية لا بد وأن يدرك صعوبة هذا العمل… كم من العمال قضوا نحبهم
تحت الحجارة وهرسوا دون تعويض أو حماية وكأنهم لا شيء… وفي مصر الحديثة فى النظام
السابق كم من الأشخاص كانوا يفتقدون إلى أبسط الحقوق… هناك ملايين تعيش في المقابر ،
فى مناطق عشوائية … بلا خدمات … شعب مسكين .
* اول مايظهر من ملامح ثورة مصر الشباب فى 2011, انها تخطت الثورات التقليدية التي
حدثت فى الماضى هذا الجيل الثائر تعددت ثقافته, وتنوع فكره وبقدر ماهو فردي او
شخصاني بقدر ماهو جماعي مترابط, هدفه التغيير والتقدم, انه جيل له اخلاق وأدوات
حضارته وعصره, يتميز عن الاجيال التي سبقته بغزاره المعلومات ، ومنذ بداية حركتهم
نادوا بأعلي صوت: سلمية, سلمية, وفصلوا بين ماهو سياسي وماهو ديني, ممااكسبها
موافقة غالبية الشعب المصري, انها ثورة مصرية, جاءت من عمق التاريخ والحضارة
المصرية حتي صرح الرئيس الامريكى باراك اوباما بأن العالم كافة يتعلم من مصر، وهو الذى
جاء إلى السلطة بشعار ” التغيير “
– ثانيا : الله في الكتاب المقدس يقف مع المظلومين… مع الشعب الذي تنتهك حقوقه لذلك
يقول لموسى:”إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر… وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم،
” إني علمت أوجاعهم ” لا يوجد شك في أية جهة يقف الله. الله يهمه امر الثائر الفقير
والمظلوم
– ثالثا : في كلتا الحالتين القديمة والجديدة الله يقيم أشخاصاً ينادون بالحرية…
أطلق شعبي ليعبدونني… وفي كلتا الحالتين تقابل مطالب الشعب بالرفض… فى ثورة
العبرانيين فرعون مصر حينئذ رفض أن يطلق شعبه من العبرانيين إلى الخروج من مصر بحثا
عن الحرية…
و فرعون اليوم يرفض ايضا مطالب شعبه بأن “يرحل “…
الكتاب المقدس يقول أن الله قسٌى قلب فرعون… في لغة اليوم نقول: لم يفهم التاريخ
لم يستطع أن يشعر بنبض الشارع… في العهد القديم عشر مرات يحاول فرعون أن يتملص… أن
يرفض… واخيرا يوافق !
في العهد القديم الحرية لا تأتي إلا بعد 10 ضربات … الجميل في ثورة 25 يناير أن ثورة
الشباب كانت سلمية…بينما ازهق النظام السابق الأرواح وسفك فيها دماء الشهداء الشباب
… في العهد القديم فرعون يقتل ويطمر تحت الأمواج … وفى العهد الجديد فى النهاية
يتنازل الرئيس السابق للمؤسسة العسكرية عن الحكم .. و يغادر الحكم … في كلتا الحالتين
الشعب يفرح يغني ويهلل… كان الشعب يقول : “الشعب يريد إسقاط النظام ” من هول الفساد
المالى والادارى والسياسى ، ويوثق لنا الكتاب المقدس ترنيمة مريم أخت موسى والتي تقول
فيها: أرنم للرب فإنه قد تعظم… الفرس وراكبه طرحا في البحر… وكأن لسان حالهم يقول:
الشعب أسقط النظام
هنا أيضاً نرى فرق ثاني: في العهد القديم الله هو الفاعل… هو الذي أطاح بفرعون… في
العصر الحديث حل الشعب مكان الله… الشعب هو الفاعل… هو الذي يسقط الأنظمة…
أحياناً بصناديق الإقتراع… وأحياناً بالمظاهرات وأحياناً بالثورات…
– رابعا : الشعب ليس بقديس… الكتاب المقدس لا يقدس الشعب فالله وحده هو القدوس…
لذلك لا تنتهي قصة الخروج بخروج العبرانيين في أرض مصر إلا ويتوهوا في البرية… القضاء
على فرعون الطاغية كان فقط الجزء الأول وربما الأسهل… التحدي الأكبر للعبرانيين كان
كيف يصلوا إلى أرض الميعاد… فالأرض الموعودة جميلة… أرض تفيض لبناً وعسلاً… أرض
الميعاد كالديمقراطية… جميلة… الكل يحلم بها… والكل يتوق إليها… ولكن السبيل
إلى هناك صعب… لذلك ما ان تخمد أصوات الترانيم إلا ويدخل الشعب في البرية… يتوه…
لقد تخلص من فرعون… ولكن في البرية يجوع… من أين يأكل؟ فحتى موسى بعظمته لم يستطيع
أن يطعمهم… فيثور الشعب في البرية… لماذا أخرجتنا يا موسى… ألنموت في البرية
؟!… هناك على الأقل كنا نأكل… ونشرب… والشعب يبدأ بالتذمر على موسى وعلى الله…
ويتوقوا إلى أيام فرعون…وكان الخلاص من الله فهو الذى انزل لهم المن والسلوى حسب
احتياجهم اليومى ، هذا هو التحدي الذي ينتظر المصريين اليوم: هل سيستطيع النظام الجديد
أن يؤمن للشعب لقمة عيش كريمة؟…الشعب اطاح بالنظام كاملا ولكن هل ستستطيع القيادة
الجديدة عسكرية كانت ام مدنية أن تغير النظام من أساسه… وان تقيم نظاماً جديداً ،
– في الكتاب المقدس جيل كامل مات في البرية… لم يرى أرض الميعاد… تخلص من فرعون…
ولكنه لم يذق ثمار الحرية… حتى موسى لم يدخل أرض الميعاد… في هذه أيضاً حكمة…
التغيير الحقيقي لا يحدث بين ليلة وضحاها… بل هو مسيره… فتغير فرعون كان صعب ولكنه
هين في النهاية… ولكن تغيير الشعب هو الأصعب… وتغيير الشعب بحاجة إلى جيل كامل…
احيانا الشعب يحتاج ان يكون لديه طول نفس… إنه بحاجة إلى التغيير وبحاجة أن يغير من
نفسه وسلوكه وتصرفاته واختيارته وطريقة تعبيره عن رأيه !
– خامسا: حتى يصل الشعب إلى أرض الميعاد فهو بحاجة إلى ثلاثة أشياء :
* أولا هو بحاجة إلى تشريع جديد… دستور حياة جديد… لذلك أول شيء يعمله الله أنه
ينزل التوراة ويعطي الشريعة لشعبه… لذلك تغيير الدستور المصري مهم جداً.
النظام السابق لم يقدم الاجابة عن اسئلة جوهرية في قيمة الحرية والعدل والمساواة كما لم
يسع لايجاد حلول جذرية لقضايا الحياة اليومية بل لعب علي وتر العاطفة الدينية, ولم
تهتم بالتعايش السلمي بين البشر . ولم يجد قضية قومية يلتف حولها الشعب مؤيدا أو رافضا
…
* ثانيا هو بحاجة إلى تغيير القيادة الفردية إلى قيادة جماعية هذه كانت نصيحة ثيرون
إلى موسى… لا تقض الشعب كفرعون لوحدك… بل عين 70 شيخ حكيم كي يساعدوك… هذا هو
التحدي الثاني للمصريين اليوم… الإنتقال من حكم الحزب الواحد… إلى حكم تكون للأحزاب
فيه مشاركة حقيقية أو بمعنى آخر حكومة إئتلافية تشارك فيها جميع الاطياف السياسية .
- ومن ملامح ثورة الشباب انها لم تقدم قائدا لها ,كانت الثورة جماعية لا فردية ، لم
يتطلع ولو حتى النشطاء السياسيون الذين سبق ودعوا الشباب من خلال مواقع التواصل
الاجتماعى – الى التجمع يوم 25 يناير – إلى مركز أو سلطة أو قيادة وكان الجميع فكر
واحد باساليب تطبيقية مختلفة ، الكل عبر عن رأيه بحرية سواء اختلفوا أو اتفقوا كما انها
لاتنتمي الي حزب سياسي ولايحركها تيار ديني او ايديولوجية د ينية. ومثل هذه الثورات
الشعبية العامة قد تنجح في ارساء قواعد ديمقراطية حقيقية اذا ظلت متضامنة, ملتحمة
بالقاعدة الشعبية, دون صراع علي سلطة اومال, ومن اروع معالمها انها تخطت وعبرت
بالوجدان المصري الي مجتمع لايسمع فيه وبخاصة ابان ذروتها ماكان يقال عن فتنة ! ومن ثم
تجنب الشباب الثائر خلط الدين بالسياسة وكأنه يعلن بداية عهد جديد, مصري خالص, بعيد
كل البعد عن فخاخ المذهبية, والقبلية, والطائفية.
ويبقي سؤآل : الي اين تمضي مصر بعد الثورة ؟ ان الثورة ليست نهاية التاريخ والتطور
الانساني له قوانينه, الترقي الي الافضل له تضحياته, ولن يتغير المجتمع بين يوم
وليلة, وماالثورات ا لا نورا علي الطريق, و ثورة الشباب المصري انارت طريقا
للمستقبل, واعادت مصر الي مكانتها الحقيقية .
* ثالثا هو بحاجة إلى مساءله… لذلك وضع الله موسى تحت التوراة وليس فوقها … بدون
قانون يسائل “الكبير” (من رئيس النظام السابق والنظام نفسه وبعض من ادواته من رجال
اعمال فاسدين ) قبل “الصغير” (اللصوص والمجرمين والارهابيين ) لا يوجد مستقبل في
مصر… الكل يجب أن يكونوا تحت طائلة القانون .
المصادر: 1- مقال ضوء على ثورة الشباب – لنيافة الانبا يوحنا قلته
2- قراءة عصرية فى سفر الخروج – لسيادة القس مترى الراهب رئيس مجمع
الكنيسة الانجيلية اللوثرية