stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الأقباط الكاثوليك

عِظَةُ غبطةِ البَطريركِ الأنبا إبراهيم إسحق فِي قُدَّاسِ عيد الميلاد المجيد

420views

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

من البطريرك إبراهيم إسحق

بنعمةِ الله، بطريركِ الإسكندريَّةِ وسائِرِ الكِرازَةِ المُرقسيَّةِ للأقباطِ الكاثوليك، إلى إخوتِنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائِنا الأعزاء القمامصةِ والقسوس والرهبانِ والراهبات والشمامسة، وإلى أبناءِ كنيستنا القبطيَّة الكاثوليكيَّة في مصر والمهجر

النعمةُ والسلامُ مِن لَدُنِ ربِّنا يسوعَ المسيح، مَولودِ بيتَ لحم

“إنَّ نعمةَ اللهِ المخلِّصة قد تجلّت لجميعِ الناس” (تيط 2: 11)

نحتفلُ هذا المساء بعيدِ ميلادِ السّيّدِ المسيح لهُ المجد، كلمةُ اللهِ الأزلي الذي صارَ بشرًا وعاشَ بيننا. يعودُ إلينا العيد ومازالَ القلقُ والخوفُ والارتباكُ يسودُ عالمنا وحياتنا، مما أثَّر على حياتِنا الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ على علاقاتنا الإنسانيَّةِ وخاصَّةً في عائلاتِنا ومجتمعنا.

فهل يكونُ احتفالُنا اليومَ بالميلادِ تحدٍّ كما كانَ يومَ ميلادِ المسيح، فنجدد فيهِ العهدَ والرجاء، ونولَدُ مَعَ المسيحِ مِن جديد؟ لنحاول أن نتأمَّل معًا ماذا يعني الميلاد؟

اولاً: مبادرةُ حُبِّ اللهِ لخلاصِ البشر

اللهُ محبّة” هذا هو جوهرُ إيمانِنا المسيحيّ وخُلاصَتُهُ. ومَنْ يحبّ يرغبُ في مُشاركةِ المحبوبِ حياتَهُ وطريقَهُ، ويتضامَنُ مَعَهُ في ظروفِهِ ومصيرِهِ. واللهُ يُهمُّهُ أمرُ الانسانِ لأنَّه يحبُّه. فصار اللهُ إنسانًا وجاءَ عالمنا وعاشَ بيننا. تعلَّمنا من الرِّبِّ يسوع أنَّ اللهَ ليسَ فِكرَةً فلسفيَّةً ولا نظريَّةً رياضيَّةً، ولا هو الخالق الَّذي يبقى بعيداً في سمائِهِ مُراقِبًا لأعمالِ البَشَرِ وتصرفاتِهم، حاسبًا لهم زلاتِهم متوعدًا إيَّاهم بأغلظ العقوبات أشدّها. علمنا أنَّ الله محبَّة، والمحبَّة لا تبقى وحيدة بل تعطي ذاتها لمَن تُحبّ، تبذل نفسها في سبيل أحبائها. لذلك لما أحبّ الله العالم رغم بعده عنه ورفضه له وهبَ لهم ابنه الوحيد (يو3: 16). فكان المسيح كمال إعلان عن الله ذاته «إِنَّ اللهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَديمًا بِالأَنبِياءَ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين» (عب1: 1-2). فعندما نحتفلُ بعيدِ الميلاد، نتذكَّر أنَّ الله “عمانوئيل” أيّ الله يرافِقُنا ويبارِكُنا ويقدِّسُنا.

إنَّ أحداثَ الميلادِ والطفولةِ هي حدثٌ حقيقيٌّ وليست قِصصًا للتسلية، فالمغارة والزينة تشير إلى الحدث العظيم، وهي دعوة إلى التجديد والميلاد من جديد. أليس هذا أيضًا شوق الانسان ورغبته الدفينة كما عبَّر عنها القدَّيس أوغسطينوس “خلقتنا يا الله وقلوبنا قلقة إلى أن ترتاح فيك” والمسيحيّ مدعو لأن يزور المغارة ليتأمَّل وجه المولود ويُقدِّم له حبّه وفقره، ولا يغادرها إلاَّ وقد حمل الطَّفل يسوع في قلبه وعقله إلى العالم.

ثانيا: دعوةٌ للتجددِ وبناءِ ملكوتِ المحبَّةِ والسَّلام

الميلاد فرحٌ ومسؤولية: فمَن يقبل المسيح ويتبعُهُ، مدعوٌ ليعيشَ في تناغُمٍ مَعَ الخليقةِ ومحبَّة الأخرين، لأنَّنا باتّحادنا به، نصرين قادرينَ على الحبِّ والمغفرةِ.

الميلاد يعني ولادةً جديدةً في المسيح. “إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ” (2 كور5: 17).

  • جديد في الفكر: “ليكن فيكم من الأخلاقِ والأفكارِ ما هو في المسيح يسوع.” (في 2: 5)
  • جديد في القلب: “قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ”. (مز 51: 12).
  • جديد في العمل والعلاقات: “تيقظوا، اثبتوا في الأيمان، كونوا أقوياء، اعملوا كل شيء بمحبَّة”. (1كو 16: 13).
  • جديد في الكلام: “ليكن كلامك مصلحًا بملح، فتعرفوا كيف تجيبوا كلّ إنسانٍ. (كو 4: 6).

الميلاد يعني المبادرة بالمصالحة وبناءِ السَّلام، “طوبي لصانعي السَّلام، فأنهم أبناء الله يدعون”. (مت 5: 9)

الأمر ليس هينًا، ولكن كثيرين من آبائنا في الإيمان، جاهدوا وزرعوا الحنطة، وتركوا للرّبِّ أن يُنميَ زرعَةُ وَسْطَ الزؤان.

اليوم من خلال كلماتنا يسمع العالم صوت يسوع، ومن خلال أعمالنا يفهم العالم عناية الله به، ومن خلال محبتنا بعضنا البعض يؤمن العالم بأن الله محبَّة. فإذا كنا أمنا بمحبَّة الله لنا، فلنخرج من ظلمتنا ولنقم في أعمال النور ونقوم بخطوات جادة وحقيقيَّة نحو بعضنا البعض. نصلّي لكي يصير الميلاد عطية حبّ وحوار وسلام أن يكون شفاء لبشر يتألمون وأمانًا لأناس يبحثون عن مستقبل آمن. ما فائدة الكلام عن الله المحبَّة لو لم تتجسَّد هذه المحبَّة فينا وبنا؟

فقط هي نعمة الله المخلِّصة الَّتي تجلَّت، تُنعش الرجاء في القلوب، وتساعدنا أن نعيد اكتشاف دورنا في المجتمع، لنساهم في بشارة السَّلام وسط جوٍّ يسوده الخوف وعدم الأمان. هي نعمة الله تعيننا لنحقق ما نردده في الصَّلاة “ليأت ملكوتك”.

خـتـامـًا

نرفعُ صلاتنا مُتَّحدين مع قداسة البابا فرنسيس، ومع أخوتنا بطاركة وأساقفة الكنائس في العالم.

من هذه الكنيسة باسمكم جميعًا نبعثُ بأطيب التهاني القلبيَّة إلى كل المحتفلين بالعيد وإلى شعبنا المصريّ كافة والشعوب جميعا، مصلين من أجل سلام وطمأنينة العالم، وأن يشمُلَنا اللهُ برحمَتِهِ ويغمُرَ قلوبَنا بمحبَّتهِ.

نُصلِّي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل سيادة رئيس الجمهوريَّة عبد الفتاح السيسي وكلّ المعاونين له في خدمة الوطن، طالبين لهم الصحةَ والعونَ لمواصلةِ العملِ مِن أجلِ كرامَةِ وسعادَةِ كُلّ المصريين.

نُصلِّي ايضاً ونهنئ كلّ الَّذين يحتفلون بعيدِ ميلاد الرّب يسوع اليوم وكلّ الأيام المقبلة، متمنين أن يغمرَ فرحُ المسيحِ قلبَ كلِّ إنسان، بشفاعة أمنا القديسة مريم العذراء.

المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” (لو 1: 14).

وكلّ عامّ وبلادنا وعائلاتنا وحضراتكم بخير وسلام ونعمة

كوبري القبة في 25ديسمبر 2020

البطريرك إبراهيم إسحق

بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك