كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال (23) مهارة التوبيخ
كتاب كيف تنجح فى تربية الأطفال
تأليف
الأب / جوستاف كورتوا
ترجمة
القمص / لويس نصرى
مراجعة
الأنبا / أنطونيوس نجيب
الأب / مجدى زكى إسطفانوس
القسم الثالث
(23) مهارة التوبيخ
فى معاقبة الأطفال، يلزم مراعاة الحدود المناسبة. فالمغالاة، بحجّة التأثير القوى على الطفل، حتّى لا يعود إلى الخطأ، خطيرة للغاية.
فهى قد تشوّه ضميره، فيرى شرّاً كبيراً حيث لا توجد. أمّا إذا كان الطفل متّزن الفكر، فسوف يشكّ فى ذكاء القائد وحُسن تقديره للأمور، فتهتزّ صورته عنده، فلا يولى اهتماماً لتوبيخه.
إذا أخطأ الطفل إجعله ينظر إلى هذا الخطأ على أنه زلّة عابرة، لن تتكرّر، وليس شرّاً كامناً فيه. عندئذ سيقول الطفل لنفسه: “بما أنهم يعتقدون أننى صادق، شجاع… إلخ، فلا أُريد أن أجعلهم يشكّون فى صدقى، شجاعتى…إلخ”. وهكذا سيُحاول ألاَّ يعود للخطأ، ليُحقّق أمل مَن وثق فيه.
يلزم اختيار الوقت المناسب لإعطاء الملاحظة اللاّزمة للطفل. فلا توبّخه وأعصابه مُرهقة، أو وهو غير مستعدّ لقبول النصيحة، ولا تُحاول حتّى أن تُناقشه منطقيّاً فى هذه اللّحظة، لأنه، فى هذا الوقت بالذات، لا يعمل بحُكم العقل والمنطق. أنتظر أن تهدأ أعصابه.
إذا استطعت حنيئذ أن تمسّ قلبه، ستعمل فيه ما تشاء. كلّنة مثلاً على انفراد، عند تحيّة المساء، وحاول أن تجعله يعترف من تلقاء نفسه بالخطأ. واهتمّ دائماً بأن له كلمة مشجّعة. قُل له مثلاً: “أنا أحاول أن أقرأ ما فى عينيك. أعرف أنك تأسف للمثل السئ الذى أعطيته. وأقرأ أيضاً شيئاً آخر: سوف تُصلح سلوكك. هذا ليس غريباً منك، فأنا أعرفك جيّداً. وأعرف أنك ستكون أحسن”.
لا تعطِ توبيخاً بحكمٍ سلبىّ على المجموعة كلّها. سوف تجعلها كلّها تتكتّل ضدّك، فتفقدك سُلطتك عليها. اقتصر التوبيخ على أقلّ عدد ممُكن من المجموعة. فالإجراءات الصارمة تُقرّب بين مَن تقع عليهم، فيتساندون، وقد يتّفقون على المقاومة وإفسادها الجوّ كلّه.
وإن كان لا بدّ من توبيخٍ جماعى، فعليك أن تقول صريحاً إن هذا التوبيخ ليس موجّهاً للجميع، وإنما يمسّ البعض فقط. واختم كلامك بعبارة تشجيع، تؤكّد فيها أنك تعرف تماماً ما يبذله البعض من مجهود، وترجو أن يعمل الجميع مثلهم.
إليك أسلوب آخر للتوبيخ الجماعى، إذا أخطأت المجموعة كلّها، فلا تواججا بالتوبيخ المُباشر، وإلاَّ ستظهر وكأنك خِصمٌ لها. إجعل نفسك واحداً من المجموعة. وعلى سبيل فحص الضمير، قُل مثلاً: “إننا لم نكن اليوم على المستوى المطلوب، لأننا قصّرنا فى كذا وكذا…. ولكن لا نيأس”. واختم دائماً بكلمة تشجيع: “سنعمل كلّ ما فى وسعنا لنكون أحسن، منذ الآن، ونعوّض ما صدر منّا من أخطاء”.
لا تُعطِ توبيخاً فى الكنيسة، وخصوصاً بصوتٍ عالٍ. غالباً ما تكفى نظرة إلى الطفل المُخالف ليُصلح خطأه. وبعد الخروج من الكنيسة، استدعِ الطفل المُخطئ على انفراد، وأرشده بكلّ طيبة ومحبّة.
إذا أردت أن توجّه أو توبّخ طفلاً يجرى، فلا تقع فى مهزلة الجرى وراءه، فإن هذا يشوّه نفوذك. إجعل أحد الأطفال يستدعيه بصوتٍ منخفض، ثُمَّ وجّه إليه النُصح اللاّزم.
لا فائدة من توبيخٍ لا يقتنع به الطفل، ولا يجده مُطابقاً لما يلوم هو به نفسه فى باطنه.
ضع لنفسك هذا المبدأ: أن يشعر الطفل أنه متى أعترف بالخطأ، يستحق السماح والعفو، أو تخفيف التوبيخ والعقاب. فمن الناحية التربويّة، هذا أفضل بكثير من مقابلة الخطأ بالعقاب بلا استثناء.
إحرص على الاتّزان والتمييز فى المَدح أو التوبيخ، وضَع فى الاعتبار نيّة الطفل، أكثر من ماديّة أعماله.
عند التوبيخ، يلزم أن يشعر الطفل أنك تضع نفسك مكانه، وتتألّم حقّاً لما يُسببّه لنفسه من ضررٍ بسبب خطئه. وبهذا تخلق بينك وبين الطفل صِلة ودّ ومحبّة، تجعله يوبّخ نفسه بنفسه، ويعمل على إصلاح أخطائه.