كلمة البابا فرنسيس خلال لقاء مسكوني في ساحة الجمهورية في يريفان
عند الساعة السابعة من مساء السبت بالتوقيت المحلّي جرى لقاء مسكونيّ وصلاة من أجل السلام في ساحة الجمهوريّة بالعاصمة الأرمنيّة، وبعد كلمة الكاثوليكوس كاريكين الثاني ألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة قال فيها لقد رغبت كثيرًا بزيارة هذه الأرض الحبيبة، بلدكم البلد الأول الذي اعتنق المسيحية أنها نعمة لي أن أكون على هذه الجبال حيث، وتحت نظر جبل أرارات، يبدو أن الصمت يحدثنا أيضا؛ وحيث تخبرنا الصلبان الحجرية عن تاريخ فريد مُشبَّع بإيمان صخري وألم كبير، تاريخ غني بشهود كبار للإنجيل وأنتم ورثة لهم.
تابع الأب الأقدس يقول خلال السنوات الماضية، تزايدت الزيارات واللقاءات بين كنيستينا، وقد شاءت العناية الإلهيّة أن نكون معًا مجدّدًا في اليوم الذي نذكر فيه رسل المسيح القديسين لنعزز الشركة الرسوليّة بيننا. أشكركم على أمانتكم البطوليّة للإنجيل والتي تشكّل عطية لا تُقدَّرُ بثمن بالنسبة لجميع المسيحيين. إن لقاءنا ليس مجرد تبادل أفكار وإنما هو تبادل مواهب: لنحصد ما زرعه الروح فينا، كعطيّة لكل فرد منا. نتقاسم بفرح كبير خطوات عديدة من مسيرة مشتركة وننظر بثقة إلى اليوم الذي، وبنعمة الله، سنتّحد فيه في ملء الشركة الافخارستيّة. في هذه المسيرة يسبقنا ويرافقنا العديد من الشهود، وبشكل خاص العديد من الشهداء الذين ختموا بالدم الإيمان المشترك بالمسيح: إنهم نجومنا في السماء ويشعون علينا ويدلوننا على المسيرة التي لا يزال علينا القيام بها على الأرض نحو الشركة الكاملة. ومن بين الآباء الكبار أريد أن أشير إلى القديس الكاثوليكوس نيرسيس شنورحالي. لقد تميّز بمحبة عظيمة تجاه شعبه وتقاليده، وكان في الوقت عينه منفتحًا على الكنائس الأخرى ولا يتعب من السعي إلى الوحدة، تحرّكه الرغبة بتحقيق مشيئة المسيح: أن يكون المؤمنون “بِأَجمَعِهم واحِدًا”.
أضاف الحبر الأعظم يقول ولكي نحقق الوحدة الضروريّة لا تكفي، بحسب القديس نرسيس، الإرادة الصالحة لشخص ما في الكنيسة وإنما نحن بحاجة ماسة لصلاة الجميع. لقد كان القديس نرسيس يشعر أيضًا بضرورة تنمية المحبّة المتبادلة لأن المحبة وحدها بإمكانها أن تشفي الذكرى وتداوي جراح الماضي. بالنسبة لذلك الكاثوليكوس القديس، من الجوهري في مسيرة الوحدة أن نتشبّه بأسلوب محبّة المسيح “هو الغنيّ” (٢ كور ٨، ٩) الذي “وضع نفسه” (فيل ٢، ٨). وعلى مثاله، نحن مدعوون لنتحلى بالشجاعة لنترك القناعات القاسية والمصالح الشخصيّة، باسم المحبة التي تتنازل وتبذل ذاتها، باسم المحبة المتواضعة: إنه زيت الحياة المسيحيّة المبارك، المسحة الروحيّة الثمينة التي تشفي وتقوّي وتقدّس.
تابع البابا فرنسيس يقول “السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم” (يو ١٤، ٢٧). لقد سمعنا كلمات الإنجيل هذه التي تحثنا على أن نطلب من الله ذاك السلام الذي يتعب العالم لإيجاده. كم هي كبيرة اليوم العوائق على درب السلام، وكم هي مأساويّة تبعات الحروب! أفكّر بالشعوب المُجبرة على ترك كل شيء، لاسيما في الشرق الأوسط، حيث يعاني العديد من إخوتنا وأخواتنا من العنف والاضطهاد بسبب الحقد والنزاعات.
أضاف الحبر الأعظم يقول لا يمكنني ألا أفكّر بالمحن الرهيبة التي عاشها شعبكم: مضى قرن تقريبًا على “الشر الأعظم” الذي حلَّ بكم. هذه “الإبادة الضخمة والمجنونة” وسرّ القلق المأساوي هذا الذي اختبره شعبكم يبقى مطبوعًا في الذاكرة ويحرق القلب. أرغب بالتذكير بأن آلامكم هي آلامنا، إنها آلام أعضاء جسد المسيح السرّي. أرغب أيضًا أن أذكُر بإعجاب كيف شكّل الإيمان المسيحي خلال الأوقات الأكثر مأساويّة في التاريخ الأرمني المحرّك والدافع الذي طبع بداية ولادة جديدة للشعب المُمتحن. إنّه القوّة الحقيقيّة التي تسمح بالانفتاح على درب الفصح السريّة والخلاصيّة. وهكذا وإذ تحوّله قوّة الصليب الخلاصيّة، يصبح الألم الأكبر الذي كان له الأرمن حملة وشهود، بذرة سلام للمستقبل.
تابع البابا فرنسيس يقول إن الذكرى، وإذ تجتازها المحبّة، تصبح في الواقع قادرة على السير في دروب جديدة ومدهشة، حيث تتحوّل مكائد الحقد إلى مشاريع مصالحة، وحيث يمكننا أن نرجو بمستقبل أفضل للجميع وحيث تكون الـ “طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام” (متى ٥، ۹).
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الشباب الأعزاء، هذا المستقبل هو لكم: وإذ تغتنون من حكمة مُسنّيكم، أطمحوا لتصبحوا بناة سلام ومعززين نشيطين لثقافة اللقاء والمصالحة. ليبارك الرب مستقبلكم ويسمح بأن تتم استعادة مسيرة المصالحة بين الشعب الأرمني والشعب التركي وينبعث السلام أيضًا في ناغورنو كاراباخ.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول في هذا المنظار أريد أن أذكر ختامًا شاهدًا عظيمًا آخرًا وصانع سلام المسيح القديس غريغوريوس الناريكي الذي أعلنته ملفانًا للكنيسة، والذي كتب في ذاك الكتاب الرائع الذي يعجبني ويطيب لي أن أعتبره كالـ “دستور الروحي للشعب الأرمني”: “أذكر يا رب أعداءنا من أجل خيرهم وحقق فيهم المغفرة والرحمة…” إن وحدته الشاملة مع البشريّة هي رسالة كبيرة مسيحية للسلام وصرخة نابعة من قلب يتوسّل الرحمة للجميع! ليكن الأرمن، المقيمون في بلدان عديدة والذين أرغب بمعانقتهم من هنا بشكل أخوي، رسل توق الشركة هذا؛ إن العالم بأسره يحتاج لإعلانكم هذا وحضوركم وشهادتكم الطاهرة.
الفاتيكان