كلمة صاحب النيافة الأنبا توما حبيب خلال احتفال يوم الكاهن
٧ أغسطس ٢٠٢١
صاحب النيافة الأنبا يوسف أبو الخير الأب الروحي للإيبارشية
الأباتي ماكسيمليان رئيس دير رهبان القديس بندكتوس للأقباط الكاثوليك بمصر
الأخوة والأبناء الكهنة والرهبان والرهبات والحضور الكريم …
يسعدني أن نجتمع اليوم في هذه الأمسية الروحية لنصلي معاً ومن أجل الأبناء والآباء الروحيين أي كهنة كنائسنا. الغاية من هذا اللقاء هو تأكيد محبتي لكم، ولكل واحد منكم، وشد روابط الشركة بين الجسم الأسقفي والجسم الكهنوتي، وبين شعبنا ورعاته، على أساس الشركة العميقة التي نعيشها اتحادًا كاملاً مع الله الواحد والثالوث.
كما قلت في مقدمة كتاب الصلاة الذي بين أيديكم نبعت فكرة “يوم الكاهن” حتى نظهر الوجه الحقيقي للكاهن ومدى تضحياته من أجل أبناء رعيته ومن أجل الكنيسة. فنحن كلنّا، كهنة وعلمانيّين، مدعوين أن نتّحد بالرحمة الإلهيّة ونشهد لها بمحبّتنا وخدمتنا.
فالقديس بولس يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (4/1) “فليحسبنا الانسان كخدام المسيح ووكلاء أسرار الله”. إن في هذه العبارة وصفاً موجزاً لوظيفة الكاهن: إنه وكيل اسرار الله. أجل، لقد أقامه الله وكيلاً على أثمن ما لديه، أي على أنشاء أو ابداع الاسرار وتوزيعها، على إقامة الذبيحة الالهية، أي على تحويل الخبز إلى جسده والخمر إلى دمه، وعلى توزيع التناول على المؤمنين، وعلى سلطان حلّ الخطايا، وعلى إعطاء النعمة في المعمودية، وتقويتها في الميرون، وعلى نعمة شفاء المرضى، وعلى تقديس سر الزواج.
بل انها تفوق مقاماً منزلة الملائكة أنفسهم. فِلمَن من الملائكة أعطي الشرف بإن يحول الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه؟ فقد أعطى السيد المسيح الرسل سلطة تفوق كل سلطة بقوله لهم “خذوا، كلوا، هذا هو جسدي، اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي، اصنعوا هذا لذكري” وبهذا القول اعطى الرسل وخلفاءهم ان يحولوا الخبز الي جسده والخمر الي دمه وبذلك يصنعون ما صنع المسيح.
في وقت الاحتفال يصير عالم الله عالم الكاهن وملكوته ملكوته فالروح يحفر فيه جسد المسيح فيصير شريكًا له في كلّ شيء “ولتكن نِعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيح ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعكُم جميعا”. إن الاحتفال بالقداس الإلهي هو “منبع الحياة المسيحية كلّها وقمّتها”، وقداس الكاهن اليومي هو أكثر من خدمة روحية يقدمها للناس عندما يعطيهم جسد المسيح ودمه، إنه غذاؤه الروحي والوقت المميز الذي يشعر فيه بأنه كاهن المسيح، وعندما يردد كلمات الرب التي قالها في العشاء الأخير الذي تناوله بصحبة تلاميذه” هذا هو جسدي” و “هذا هو دمي” يدخل في سرّ الإيمان وفي سرّ موت وقيامة يسوع المسيح. إنه يدعو الناس للإيمان لكنه أيضا يرسّخ إيمانه ويقوّي روحانيته ويأخذ من الذبيحة قوته اليومي فيستنير ويتحرر ويرمّم من جديد صورة الله في حياته لأن “كل شيء لكم، وأنتم للمسيح، والمسيح لله.
ويشبه القديس يوحنا ذهبي الفم الكاهن بالفلاح الذي يزرع باستمرار وينتظر طويلاً حتى يجني حصاده، ويشبهه بالنهر الذي يُنعش النفوس ويجعلها تُثمر باستمرار، وبالطبيب والذي بأدوية كلمته المناسبة يشفي مؤمنين كثيرين، وأخيرًا يُشبهه بالنحلة التي تستقي من الكتاب رحيق الحقائق الإلهية وتعطي عسل لنفوس المؤمنين.
فالمسيح يُشرك الرسل في رسالته “كما أرسلني الآب أرسلكم” (يو 20/21). هذا البعد الرساليً، نلاحظه ماثلاً في الرسامة المقدسة مثولاً كيانياً. فالكاهن مختار ومكرس ومرسل ليحقق اليوم رسالة المسيح الأبدية، ويصير له حقاً ممثلاً وداعية “من سمع إليكم سمع إلىً ومن أعرض عنكم أعرض عني” (لو 10/ 16). ومن ثمّ، فوظيفة الكاهن أن يقود النفوس إلى السماء. فنحن نعلم إن الإيمان يعلمنا أن نحترم مقام الكاهن، وان لا ندينه، بل نترك الدينونة لله، وأن نساعده في مشاريعه الروحية والخيرية. لأنه إذا كان يقدم لنا الروحيات أفليس من الواجب أن نساعده في الزمنيات بما هو لائق بمقامه؟
والواقع أن سر الكهنوت يجعل الكاهن شريكاً لا في سر المسيح الكاهن والمعلم والرأس والراعي وحسب، بل أيضا، وبطريقة ما، في سر المسيح “خادم الكنيسة وعريسها”. فالكنيسة هي “جسده” وقد أحبها ولا يزال يحبها إلى حد بذل ذاته في سبيلها (أف 5/25). إنه لا يني يجدها ويطهرها بكلمته وبالأسرار (أف 5/26)، ويضحي بذاته ليزيدها جمالاً (أف 5/27) ويغذيها أخيراً ويحيطها بعنايته (أف 5/29).
لتكن عقيدتكم طعاما لشعب الله، وليكن عطر حياتكم فَرَحًا وعونا للمؤمنين بالمسيح، لكي من خلال الكلمة والمِثال تشيدون بيت الله، الذي هو الكنيسة. فأنتم ستكملون عمل المسيح التقديسي. فمن خلال خدمتكم، ستصبح ذبيحة المؤمنين الروحية كاملة، لأنها ستندمج مع ذبيحة المسيح، الذي من خلال أياديكم، وباسم الكنيسة جمعاء، سيُقدَّم بطريقة غير دموية فوق المذبح أثناء الاحتفال بالأسرار المقدسة.
لهذا اعرفوا ما تفعلون، وتمثلوا بما تحتفلون، لكي بالاشتراك في سر موت وقيامة الرب، تحملون موت المسيح في أعضائكم وتسيرون معه على ضوء الحياة الجديدة.
فأنتم، عن طريق سر المعمودية، ستُدخِلون مؤمنين جدد إلى شعب الله؛ ومن خلال سر المصالحة ستغفرون الخطايا باسم المسيح والكنيسة: واليوم أطلب منكم باسم المسيح والكنيسة: من فضلكم، لا تملوا من أن تكونوا رحماء؛ ومن خلال الزيت المقدس ستمنحون غوثا للمرضى وللمسنين: لا تخجلوا من العطف على المسنين؛ وعن طريق الاحتفال بالطقوس المقدسة وبرفع صلاة التسبيح والتضرع أثناء ساعات اليوم المختلفة ستكونون صوت شعب الله والبشرية بأسرها.
كونوا مقدرين لكونكم قد اختِرتم من بين البشر، ومن أجل صالحهم لانتظار الأشياء الخاصة بالله، فمارسوا بفرح وبمحبة وبإخلاص عمل المسيح الكهنوتي، مهتمين فقط بأن ترضوا الله لا أنفسكم. كونوا رعاة، لا موظفين. كونوا وسطاء، لا سماسرة.
ختاما، بالمشاركة في رسالة المسيح، الرأس والراعي، وبالشركة البنويِّة مع أسقفكم، اهتموا بتوحيد المؤمنين في عائلة واحدة، لتقودهم نحو الله الآب بالمسيح في الروح القدس. ضعوا دائما أمام أعينكم مثال الراعي الصالح، الذي لم يأتي ليُخدم، ولكن ليَخدم، وليخلص من قد هلك.
أحب أشكر جميع الحضور وكل من تعب لكي تخرج الأمسية الروحية على أحسن وجه وأخص بالذكر المجموعة التي أعدت الكتاب الروحي و فريق كورال الايبارشية وكل من ساهم من قريب وبعيد الرب يبارك تعب محبتكم خيراً. كما أشكر وأرحب بحضور الأباء البندكتين بمصر لأول مرة معنا اليوم.
الأنبا توما حبيب
مطران سوهاج