ليس خادم أفضل من سيده – الأب وليم سيدهم
ليس خادم أفضل من سيده
قَلَبَ يسوع المسيح القيم التقليدية التي تربت عليها مجتمعاتنا ومازالت تتربع على عرش التقاليد المرعبة رأسًا على عقب، فالخادم أو “الخدَّام” هو إنسان عبد المأمور، وظيفته تنفيذ أوامر “سيده” ويا ويله لو حاد قيد أُنملة عن هذه الأوامر التي غالبًا ما تكون مهينة ومُذلة. ولأن الإنسان منذ قال قايين لله “لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟” (تكوين 4 : 9) .
ونحن جميعًا نميل لا إلى تجاهُل أخوتنا فقط ولكن إستغلالهم وإن لم يصل إلى درجة قتلهم كما فعل قايين بأخيه هابيل غيرة منه على تفضيل الله لذبيحة هابيل، ورغم أن المسيح رفض “العبودية” إلا لله فقط فإن العصور الوسطى في الشرق والغرب تشهد على إنتشار تجارة العبيد على يد المسيحيين والمسلمين بطريقة همجية.
وحاول القديس بولس أن يحل التناقض بين الإيمان بالمسيح وبين تحرير العبيد فأوصى بمعاملة العبيد كأخوة في الإيمان مع أسيادهم إن كانوا إعتنقوا الإيمان بالمسيح، ومعروف في التاريخ أن الدولة اليونانية التى برزت فيها الفلسفة والفكر المنظم كانت تحتوى على طبقة العبيد وطبقة الأسياد.
وفي القرن السادس عشر بعد إفتتاح أمريكا اللاتينية على يد كريسوفر كولمبس استقدم المستعمرون الغربيون ملايين العبيد من قارة أفريقيا ليستغلوهم في بناء حضارتهم التى استأصلت السكان الأصليين لقارة أمريكا الجنوبية.
ولماذا نذهب بعيدًا ففي دول الخليج وحدها أكثر من مليون فيلبينى وفيلبنية يعملون عبيدًا عند سادة البترول وفي مصر ولبنان وسوريا آلاف الخادمات الفيلبينيات وأغلبهن مسيحيات يعملن عبيدًا في منازل الأثرياء.
إن مجيء المسيح إلى وطننا الأرضي كان إيذانًا بتحرير هؤلاء العبيد واعتبر نفسه واحدًا منهم لابل طلب من تلاميذه أن يقتدوا به ويجعلون مفهوم “الخدمة” و “الخادم” كلمة جذَّابة وتحمل قدرًا من الحُب الذي يحمله الخادم لإخوته البشر مقرونًا بالحرية الذاتية وإن كان ما يميز العبد تقليديًا هو استلاب حريته الشخصية في سبيل خدمة أسياده فإن المسيح الخادم يحثنا على إستخدام حريتنا الشخصية في قبول “خدمة الآخرين” بكل حرية ودرجة كافية من الوعي بمفاعيل هذه الحرية.
فالإنسان المحرر من المسيح يخدم الآخر ليس بصفته سيدًا ولكن بصفته خليقة الله ومجبول على صورته ومثاله فإكرامه من إكرام خالقه، لذا لا يستحى المسيح من أن يُعلن أنه جاء “ليخدُم” لا “ليُخْدَم”.
إن حقارة الإنسان السيد تكمن في كونه يتعامل من منطق أن العبيد ما إلا نفاية البشر، إكرامهم في إستغلالهم في تنفيذ الأعمال الذي يراها السيد وضيعة وينفي عنهم صفة الإنسانية.