stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

مرض الإنسان وشفاء المسيح-الأب انطونيوس مقار

4kviews

conversمرض الإنسان وشفاء المسيح- شفاء الأبرص (مرقس 1: 40-45)- الأب انطونيوس مقار ابراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

نص الإنجيل

 

وأَتاه أَبرَصُ يَتَوَسَّلُ إِليه، فجَثا وقالَ له: “إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني”. فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: “قد شِئتُ فَابرَأ” فزالَ عَنهُ البَرَصُ لِوَقِتهِ وبَرِئَ  فصَرَفَه يسوعُ بَعدَ ما أَنذَرَه بِلَهْجَةٍ شَديدَة  فقالَ له: “إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَداً بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إِلى الكاهن فَأرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم”.  أَمَّا هو، فَانصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر، فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيةً، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان.

 

عديدة هي المواقف والمعجزات الواردة في الانجيل المقدس التي تظهر بوضوح قدرة الرب يسوع المسيح على شفاء الانسان من الامراض كافة فمعجزاته لم تتوقف فقط على شفاء الجسد من أمراضه لكنها مسّت النفس من الداخل وقادتها الى الاهتداء والعودة اليه وهذه هي الغاية الاساسية ليسوع المسيح: أن يقود الإنسان إلى الله ويؤمن به ويثق فيه.

 

الأحداث البارزة

 

المرض 

البرص هو مرض جلدي تنتشر عدواه بسرعة فائقة في الجسم وهو من الأمراض الاكثر عدوى . يظهر في بادئ الامر على الجسم بشكل اورام ويكون لونه أبيض فيشعر المصاب بألم وتنميل في أعضاء جسمه ثمّ تصير أماكن تواجدهذه الأورام تدريجياً سميكة الملمس وذات قشور وبزيادة هذه السماكة يبدأ الجسم بالتقرح والتهاب الاعصاب وانقطاع جريان الدم وعندما يتقدم المرض يبدأ جسم المصاب يتآكل فتتساقط الأطراف مثل اصابع اليد أو الأنف والرموش وجفون العين وتخرج رائحة كريهة إلى درجة النتانة من المصاب.[1]

 

إذًا البرص مرض خطير ومخيف من الصعب ايجاد طريقة لعلاجه.

 

حالة المصاب

 

1- يُنفى المصاب من بيته ومن مدينته ليعيش في مكان بعيد مع غيرهُ من البرص إلى أن يشفى أو يموت.

 

2- ينظر إليه على أنّه نجس فلا يقترب منه أحد ولا يمسّه خوفاً من العدوى لذا كان يصرخ في مسيره “نجس نجس”. يحس بالرفض لا يشعر بحب أحد له كما أنه يشعر باليأس والخوف والقلق فمرضه الجسدي تحول إلى مرضٍ نفسي أيضاً.

 

3- معاملته كشخصٍ ميّت وهو حيّ. كان يُلبس أكفان الموتى، وتتلى عليه صلاة الموتى قبل أن يُبعد أو يُحجر عليه بعيداً ليعيش في عزلته. المرض والشريعة اليهودية

 

اعتبر اليهود البرص لعنة من الله وعقابًا منه على خطيئة ارتُكبت كما نقرأ في سفر العدد الفصل 12 عما حدث مع مريم اخت هارون[2]

 

وقد وضع الناموس تشريعًا خاصًّا لكيفيّة التعامل مع حالات الإصابة بهذا المرض على ما يُعلمنا به سفر اللاويين الفصل 13 ترى الشريعة ايضاً أن من يلمس نجساً يتنجس ولذا كان اليهود يلقون الحجارة على الأبرص ليبعدوه عنهم مسافة معينة. لذلك لم يسمح له بالاشتراك في الأنشطة الدينية أو الاجتماعية أو دخول الهيكل بسبب مفهوم الشريعة القائم على أن البرص نتيجة خطيئة تعيق الانسان في مسيرته نحو الله التى يسلكها بالصلاة لا سيّما وأنّ الخطية تكون حاجزاً أو جداراً بين الله والإنسان.”آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع”. وهذه الحقيقة يؤكدها مشهد عرفناه عندما أخطأ آدم وخالف وصية الله فطُرد من الجنة وهناك حصلت العزلة بين الله والإنسان. لهذا جاء المسيح ليصالح الاثنين معاً – الله والإنسان .

 

واجبات الابرص تجاه الشريعة

 

المريض الذي يحمل البرص في حال أنه نال الشفاء وتعافى منه يأتي الى الكاهن حتى ينال شهادة موثقة منه بحصول الشفاء كي يتمكن من العودة الى المجتمع  بعد تقديم القرابين والذبائح ودخوله الى بيت الله من جديد ليمارس حقه في العبادة ودوره في الحياة.

 

المسيح والابرص

 

من المؤكد والواضح هنا شعور الانسان الابرص المريض واحساسه بحضور يسوع وقدرته على الشفاء الذي عجز عن أن يناله أو ينعم به لكنه وثق أنّ  يسوع قادر أن يشفيه ويغير حياته ” تقدم إليه وسجد له ”  مسلماً له حياته متوسلاً اليه برغبة حقيقية صادقة وبإيمان راسخ قائلاً له ” إن أردتَ فانت قادرٌ أن تطهرني.

 

موقف يسوع هو دائماً موقف استجابة لكل من يسأله ففي هذه الحال استجاب سريعاً ومن دون تردد واعلن رغبته في شفاء الابرص فمدَّ يده ولمسه هو الآتي ليحمل الآمنا واوجاعنا واحزاننا ويشفي جراحنا ويصالحنا مع الله. لقد شفى الربّ هذا الإنسان المصاب بالبرص من وحدة قلبه وقلقه وخوفه واكثر من ذلك من خطيئته بلمسه، فأعاده إلى المُجتمع وربط العلاقة التي قد انقطعت منذ زمن. 

هكذا يفعل المسيح معنا فالله يريد شفاءنا ينتظر طلبنا ويحترم ارادتنا وحريتنا .

 

ماذا يقول لنا المثل اليوم؟

 

1-الرغبة والارادة في التغير

2- الثقة في حضور المسيح يسوع في مراحل حياتنا.

3- الاعتراف بضعفنا وعجزنا في السعي للحصول على الشفاء بمجهودنا الشخصي وطلب العون من الرب المخلص

4- تقبل مشيئة الله (اشفني يا رب فأن عظامي قد انسحقت)والإيمان بقدرته على العمل في حياة الإنسان

 

5-وضع أي مشكلة اعاني منها  تحت نظر الرب وانتظر بصبر تدبيره وخطته الخلاصية.

 

6-طلب معونة  الروح القدس الساكن فينا للتخلص من برص الخطيئة فهو القوة الدافعة للتغيير في داخلنا، هو العون الإلهي الذي يساعدنا على الشفاء.

 

7- نعرف جيداً ما نريد ونسأل المسيح عنه إن طلبتم شيئاً باسمي فإني أفعله أي أن يكون طلبنا وفق إرادته

 

8- ننظر الى الإنسان  الآخر بمقياس نظرة الله له فهو يحب الخاطئ لكنه يكره الخطيئة.

9-نوجهّ الآخر إلى الله حتى يعرفه ويحبه ويشعر وبرحمته وخلاصه له.

 

10- مدّ يد العون والمصافحة لكل من اشعر تجاهه بالاساءة او النفور الكلمات وحدها غير كافية للتعبير بل الملامسة ضرورية لأنها تعنى الاهتمام بالاخر، وتكريمه، وحبه، وتقديره.

 

صلاة الأبرص:

 

أقف امامك أيها الرب يسوع المسيح القادر على كل شيء وقد سمعت عنك الكثير وعن كل ما فعلته وصنعته من أجل الانسان الذي عاش طويلاً عبداً للشريعة وكأنه صار خاضعاً لها فمعك يا يسوع صارت الشريعة للانسان وصار الانسان يتنفس الحرية فدعوتنا احراراً .انا اضع حالتي امامك وانت تعرفها جيداً أنا انسان عانيت الكثير من الناس ومن الشريعة بشكلٍ خاص وقد افتُرض بها تكون العلاج لكل اعوجاج ولكنها وقفت عائقًا عاليًا أمام التقدم نحو الكمال . عندما ظهر عليّ المرض اخذني المحيطون بي الى الكاهن خوفاً من أن يصابوا هم فذهبوا بي اكثر من مرة وفي كل مرة كان المرض يتفاقم معي فتساقطت اصابعي وأنتنت رائحتي وتغيّر صوتي وتبدّلت ملامح وجهى حتى كدت أن لا أعرف ذاتي ولا أنكر أن المرض افقدنى هويتي وكياني فامتدّ إلى نفسي وأصابني بالكثير من الخوف والوحدة والقلق، الى أن حكم الكاهن عليّ بالعزلة وعدم التعامل مع من يحيط بي لدرجة انه حرمني حقي في العبادة والتوسل الى الله بمنعي من الدخول الى الهيكل والاكثر من ذلك أُرغمت كالمجنون على الصراخ في الطرقات مناديًا بنجاستي كي أحميَ الناس من الاقتراب منّي. بقيت طويلاً على هذه الحال الى أن اتيت اليوم لأسجد امامك وكلّي ثقة بأنك رب المستحيل أسالك الشفاء بطريقتك  ومشيئتك أنت القادر على  منحي نعمة الشفاء الكاملة من كل ما أعاني منه من امراض جسدية ونفسية وروحية. أنا خاضع لك بارادة حرة وانتظر تحقيق مشيئتك .

 

المسيح يسوع: يا بني ثق تماماً أني احبك واتيت من اجلك حتى اعطيك الحرية والنعمة والحياة أنا أقدر تماماً ما تعاني منه من عبودية وتعاسة وشقاء فأريدك أن تطهر، أمدّ لك يدي حتى ألمسك لمسة القوة والحنان والعطف والمحبة فتعود الى قيمتك الانسانية الحقّة تعال فأطهر عُد الى ذاتك واذهب الى الكاهن عُد إلى كيانك الحقيقيّ يا بنيّ وارجع إلى دفء بيتك والى حقك في العبادة والعمل والحياة الاجتماعية.

 

ربي يسوع المسيح كم هو حلو وجميلٌ اللقاء بك عندما لمستني بيدك وقد حرمت هذه اللمسة من الناس. انت تخطيت حدود الحكم في عدم الاقتراب مني كحامل لمرض اعتبرته الشريعة عقابًا ولعنة لحامله ونجاسة لكل من يتعامل معه ويلمسه ، لمستك يا سيدي حولت حالتي من النجاسة الى الطهر القداسة وازالت من نفسي الخوف والقلق ودفعتني إلى ان أكون شجاعاً ثابتاً مبشراً بعملك فيّ سامحنى ربي صحيحٌ قلت لى قم بواجبك تجاه الشريعة وهذا ما سأفعله . واذهب يا بني ولا تعلم أحدًا إقبل إعتذاري لأني سأصرخ أكثر مما كنت اصرخ سابقاً في الطرقات مُعلنًا برصي، سأصرخ اليوم معنزًُّا بهذا الشفاء وهذا التحول من التفكك في اعضاء جسمي الى التماسك والتلاحم بين جسدي ونفسي وروحي القوية اليوم بحضورك فيها.

 

 —————————————————

 

[1] راجع المجلة العلمية الطبية الصادرة من اكاديمية العلوم سنة 1952 العدد رقم 54 صفحة 130.

[2] راجع كتاب معجزات المسيح للقس منيس عبد النور- ص31كنيسة قصر الدوبارة لسنة 1992.