نعمة الأسرار تأتي من الله لا من قداسة الكاهن
عظة واعظ الدار الرسولية الثانية بمناسبة زمن الصوم
بعد أن افتتح الأب كانتالامسا عظات الصوم بتأمل حول اتباع يسوع في الصحراء، توقف اليوم للحديث عن كبير الآباء اللاتين القديس أغسطينوس وبشكل خاص عن مفهومه للكنيسة.
يعبّر قديس هيبونا عن موفقه في جداله مع البيلاجية والدوناتية منطلقًا من الجدال بشأن قيمة الأسرار التي يوزعها كهنة خارج حالة النعمة. فبحسب تلك المذاهب، الأسرار التي يوزعها الكاهن الذي ليس في حالة النعمة لا نعمة فيها ولا قيمة لها ولا تأثير لها.
ينطلق أغسطينوس في رده من تمييز يقيمه بين سلطان (potestas) وخدمة (ministerium) أي بين سبب ومصدر النعمة من جهة، وبين خادم هذه النعمة من جهة أخرى. وهنا يشدد أغسطينوس على أن الله هو الذي يعطي نعمته من خلال الأسرار، أما الكاهن فهو فقط خادم ووسيلة هذه النعمة، وذلك بِغَض النظر إذا كان أهلا لذلك أم لا.
وشرح الأب كانتالامسا أن أغسطينوس يقيم تمييزًا آخر بين “شركة الأسرار” (communio sacramentorum) و “شركة القديسين”. فالأولى هي شركة تجمع من يشارك في أسرار الكنيسة ووسائطها الخارجية مثل الكتاب المقدس، السلطة الكنسية، إلخ. أما الثانية، فهي تشكل دائرة أعمق وأهم وهي تجمع أولئك الذين يشاركون بما هو أعمق من العلامات الخارجية. أولئك الذين يشاركون بـ “الروح القدس، النعمة والمحبة”.
الكنيسة المرئية والكنيسة الصوفية
هذا وإن جوهر الكنيسة النهائي، بحسب القديس أغسطينوس، هو “الكنيسة السماوية”، والروح القدس هو الرابط الأعمق لهذه الكنيسة. الروح القدس هو “النفس” التي تحيي هذا الجسد، جسد المسيح السري.
وأوضح كانتالامسا أن فكر القديس أغسطينوس له أهميته الكبرى والآنية لأنه يحمل بعدًا مسكونيًا هامًا جدًا. فعلى سبيل المثال، في تعليم أغسيطنوس هناك أولوية النعمة – كما يتحدث عنها البروتستانت – ولكن دون أن تكون على حساب الأعمال الصالحة. وحدة الكنيسة تتحقق في بعدين غير منفصلين: الأول هو بُعد “العلامات الخارجية” والثاني هو بُعد “النعمة الداخلية. وما من فصل بين هذين البعدين.
وتحدث أيضًا عن أنه رغم الانفصال القائم بين الإخوة هناك علامات وحدة هامة جدًا ومن بينها بُعد “الشهادة والاستشهاد”. ففي مناطق كثيرة من العالم يموت المسيحيون لأجل إيمانهم “لأنهم مسيحيون” بغض النظر عن طائفتهم، أكاثوليك كانوا، أم أرثوذكس أم بروتستانت.
وحدة المسيحيين، قبل أن تكون مرئية، هي “واقع صوفي”، والطريق الملوكي للرجوع إلى الوحدة المرئية لا يتم من خلال الطاولات المستديرة والبيانات المشتركة، بالرغم من أهمية هذه الأخيرة، بل من خلال “التبشير سوية، بوئام أخوي، بأن يسوع هو الرب”.