نقلتها إلى العربية حلا بصّال
إنّه سؤالٌ مهمٌ، هل يمكن أن يكون الله أُنثى؟ لقد اعتدنا أن نفكّر بأنّ الله أبٌ، وأن نسمع صيغة المذكر تُستخدم عند ذِكر الله، وكأنّنا نفترض بأنّ الله ذكر. عندما نسمع الناس يتكلّمون عن الله بصيغة المؤنث نشعر بعدم الارتياح. ولكن أليس هذا الأمر بصحيح؟
النقطة المهمة الّتي نفشل في إدراكها هي أنّ “الآب” هو تعبيرٌ مجازيّ نستخدمه لنَصف الله. إنّه ليس، ولا يمكننا، أن نُحدّد ماهية الله. الآب هو تعبيرٌ مجازيّ رائع عن صورة الأبّ البشريّ من ناحية الحبّ والاهتمام والتضحية بالذات. وفي صراعنا لمحاولة فهم ماهيّة الله، يشكّل هذا التساؤل نقطة انطلاق عقلانيّة للتعرّف على الله. ولكن هذا ليس ما هو الله عليه. الله سرّ… الله أكبر من أي تصوّر نملكه. عندما نقول يجب أن يكون الله ذكرًا لأنّ يسوع دعاه “أبانا” عندها نكون قد خلقنا إلهًا زائفًا من المجاز. الله أكبر من أي معرفة نملكها.
يرد، في كِلا العهدين القديم والجديد، صورٌ أنثوية وذكورية لله. ففي هوشع، عندما يُعلّم الله شعبه كيف يمشي: “أَنا دَرَّجتُ أفْرائيمَ وحَمَلتُهم على ذِراعي لكِنَّهم لم يَعلَموا أَنِّي آهتَمَمتُ بِهم. بِحِبالِ البَشرِ، بِرَوابِطِ الحُبِّ آجتَذَبتُهم وكُنتُ لَهم كمَن يَرفَعُ الرَّضيعَ إِلى وَجنَتَيه وآنحَنَيتُ علَيه وأَطعَمتُه.” (هوشع ١١: ٣ – ٤).وفي المزامير، يُشبِّه صاحب المزمور الراحة في الله كما يرتاح الطفل الرضيع على ثدي أمّه: “بل أُسَكِّنُ نَفْسي وأُسكِتُها. مِثْلَ مَفْطوم عِندَ أُمِّه مِثْلَ مَفْطوم هكذا نَفْسي علَيَّ.” (مزمور ١٣١: ٢). وفي العهد الجديد، يقول المسيح وهو يندب أورشليم: “أُورَشَليم أُورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياء وراجِمَةَ المُرسَلينَ إِليَها، كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءكِ، كما تَجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تحتَ جنَاحَيها! فلَم تُريدوا.” (متى ٢٣: ٣٧).
كما استخدم البابا يوحنا بولس الأوّل والبابا فرنسيس تصويراتٍ أنثويّة لله. أمّا القديس أغسطينس فقد كتب عن الله كأبٍّ وأمٍّ معًا. تحاول كلّ هذه التصورات أن تصف جزءًا من طبيعة الله. فلا يوجد أيّ تصوّر واحد وكامل عن الله. وعلى أنّ المسيح كان رجلاً عندما اتّخذ طبيعتنا البشريّة. لكن اللغة العبريّة تستخدم صيغة المؤنّث للرّوح القدس. نحن نؤمن بأننّا خُلقنا على الصورة الله كمثاله (ذكرًا وأنثى…) (راجع تكوين ١: ٢٧).
لذا، ثمّة سؤالان يستحقان أن نطرحهما على أنفسنا:
١. كيف أصبحت فكرة أنّ الله ذكرًا واسعة الانتشار؟ ٢. لماذا يقوم بعض الناس بردّ فعل عنيف تُجاه فكرة مُعاكسة للأولى؟ للحقيقة، نحن لا نستطيع التفكير بالله كشخصٍ دون أن نُسقط عليه صفة جنس. لكنّ المحدوديّة تأتي من عندنا من عند الله غير المحدود. كما قال أحدهم: “الله صنعنا على صورته. لأنّنا كائنات ذات جنس، فيصعب علينا في أغلب الأحيان أن نتخيّل علاقة شخصيّة مع الله في غياب هذا البُعد الجنسيّ.”
بالإضافة إلى ذلك، نحن نأتي من خلفيّة مجتمعيّة ذكوريّة، إذ يتسلّط الرجال بشكلٍ واضحٍ أكثر من النساء، في مجتمعٍ لا تتساوى فيه المرأة مع الرجل، فيصعُب جدًا أن نتخيل الله يمتلك صفات أنثويّة. ولكنّنا نحيا الآن في عصرٍ بدأ يتغير فيه هذا المفهوم. تصدم فكرة أنّ الله قد لا يكون ذكرًا تصوّرنا عن الله. فهي تجعلنا نُعيد التفكير عن ماهيّة الله. وإنّ أي نهجٍ يخلّ بتصوّرنا عن الله قد يُشعِرنا بأنّنا نفقد إيماننا. لذلك نتشبّث بتصوّرنا عن الله كأبٍ، لأنّنا نشعر بأنّنا إذا لم نتمسّك بهذه الحقيقة فإنّ الأمر سيقودنا إلى مكانٍ نفقد فيه إيماننا بشكلٍ تام.
ولكن إذا رغبنا بأن ننضج في إيماننا، علينا أن نُدرك أنّ تصوراتنا عن الله هي دائمًا مشوّهة وغير مكتملة. مع مرور الوقت وخلال مسيرة نمو علاقتنا مع الله، سيتوجب علينا أن نتخلّى عن طرائق فهمنا القديمة. وأن تتكرّر هذه العملية مرّةً تلو الأُخرى خلال مسيرتنا الإيمانيّة.
هل يمكن لله أن يكون أنثى، بالمقدار نفسه الذي يمكن لله أن يكون ذكرًا؟ بتعبيرٍ آخر، إذا أثبتت فكرة التصوّر الأنثويّ أنّها تساعد في تطوير علاقتنا مع الله، فعلينا أن نستخدمها بشتّى الوسائل. ولكن إذا كنّا نفعل هذا لنثبت أنّ الله مؤنث، فهنا نحن نقع في الفخ نفسه الذي سبق ووقع فيه أولئك الذين يدافعون عن كون الله ذكرًا.
الحقيقة هي أنّ الله ليس ذكرًا ولا أُنثى بل هو الاثنان معًا. حاول أن تجد الاستعارة أو التصوّر الذي يُساعدك على النمو بمسيرتك الروحيّة بشكلٍ أفضل، ولكن لا تخطئ في الاعتقاد بأنّ هذه الاستعارة أو هذا التصوّر يمكنهما أن يصفا الماهيّة الكاملة لله.
يسوعيون