stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات – الأب وليم سيدهم

1.4kviews

لقد آثارت هذه الكلمات ومازالت تثير الصراع بين المسيحيين منذ حوالي الف وخمسمائة عام، إنه الصراع على الزعامة والسلطة، الكاثوليك يفسرونها على أنها وجهّت لبطرس فإذن تخص بابا روما خليفة القديس بطرس، والأقباط الأورثوذكس يفسرونها على أنها تخص كل الرسل وليست حكرا على بطرس.

جاءت هذه الكلمات على لسان المسيح بعد أن جاوب بطرس على سؤال المسيح: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟” (مت 16: 15) فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!».” (مت 16: 16( ثم أضاف يسوع: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (مت 16: 17( ثم أضاف يسوع: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ».” (مت 16: 18- 19)

وحينما نتأمل  في تطور الكنيسة منذ نشأتها يوم حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين. فإننا نجد أن كنائس أنطاكية وفلسطين ومصر وفيما بعد روما والقسطنطينية كانت تربطهم علاقة قوية بعضهم مع بعض وهم يؤسسون الجماعات المسيحية ويثبتونها في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط على يد بطرس ومرقس وبولس وفيلبس وتوما.

لم يظهر الصراع على الزعامة إلا في القرن الرابع الميلادي حيث أرتبطت السلطة السياسية بالسلطة الدينية، فبعد أكثر من ثلاثمائة عام من ظهور المسيحية في مختلف أنحاء الأمبراطورية الرومانية كانت السلطات الرومانية تحاربها وتقتل المؤمنين بها، وتثبتت أركان المسيحيين في غياب أدنى سلطة سياسية وبالتالي كانت السلطة السياسية هي المحتاجة لمعونة المسيحيين، فلما رأى أن المسيحية دخلت وبعمق أروقة البلاط الملكي، وكان من الصعب عليه أن يحارب ديانة إعتنقها تقريبًا كل أعضاء أمبراطوريته.

ونحن نذكر أنفسنا بأن كل الصراعات والنزاعات على الكراسي الرسولية ودورها في تنظيم وتطوير والقيام برسالتها ما هي إلا فقاعات سرطانية ألمت بتلابيب رؤساء الكنائس لتلهيهم عن همهم الأول ورسالتهم الأولى وهي رعاية شعب الله بالقدوة الحسنة والتواضع في الخدمة.

وإن كان أحيانًا حاول رؤساء الكنائس الإستقلال عن السلطة السياسية في القسطنطينية وروما والإسكندرية، فإن السلطة السياسية كانت تتدخل عنوة في سياسة وحياة الكنيسة بإعتبار أن رعاياها هم رعايا السلطة السياسية. وقال المسيح حين طلبت منه السلطات السياسية في فلسطين دفع الجزية:  أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ”. (مر 12: 17)

إن مفاتيح ملكوت السموات تختلف عن مفاتيح ملكوت الأرض، فالأولى الغرض منها الحرص على حياة المؤمنين الذين يتجهون إلى الملكوت عبر خضوعهم للملكوت الأرضي والسلطة الزمنية.

ولرفض المسيح أن يعامل بصفته ملك أرضي مثل داوود وسليمان وشاول، بل طلب أن يعامل كملك على قلوب الناس المؤمنين به الذين مطالبون بأفعال المصالحة والعدالة والوداعة والغفران وهي صفات ليست بالضرورة ذات طابع سياسي بل لها طابع روحي.

وإن خضع يسوع نفسه للإستجواب من السلطات السياسية فأنه رد على السلطة السياسية بما كان يعيشه ورد على الذين ضربوه في المحكمة: لمَاذَا تَضْرِبُنِي؟” (يو 18: 23) ولم يكن أمام المسيح إلا الخضوع للحكام ورؤساء الدين الظالمين وهو البرئ من كل التهم ولكن هذا مآل كل الودعاء وكل الأبرياء حينما تغيب شمس العدالة عن ضمير الإنسان وهل هناك أكثر من رؤساء الدين يمكنهم أن يدافعوا عن المظلوم.

ولأن مصالح رجال الدين نفسهم كانت مهددة”إلغاء كل الذبائح – إلغاء كل الألقاب – إلغاء دور الهيكل الأورشليمي الذي كان يُدر عليهم ملايين العملات – إلغاء وراثة الألقاب – تحرير المؤمن اليهودي من أعباء الضرائب وكل المعزولين إجتماعيًا وصحيًا من بُرص وعميان وعرجان ودمجهم في المجتمع.

جاء المسيح مُحملًا بقيم ملكوت الله الحقيقية لتحل محل ملكوت تجار الدين من الفريسيين والكتبة، إن موت المسيح هو عنوان فشل الإنسان في القدرة على العيش بشفافية وبلا أنانية وبلا إستغلال للآخرين. إن موت المسيح يعني فشل صورة إلى العهد القديم في إقامة العدل بين الناس، بنية العهد القديم وهيكله ورموزه الدينية حكمت على ملك المجد، حكمت على الله نفسه من خلال ابنه بالموت، وبالتالي برهنت على عجزها الشديد في التمييز بين صورة الإله الحقيقي المُحبة وبين الصورة التي رسموها هم بإيديهم القذرة والنجسة لإله العهد القديم الجبار القاسي الدكتاتور المسيطر البعيد الأناني الذي يرضى عن النفاق، وعن الكذب وعن السرقة.

إن جريمة قتل البار – ابن الله – هي تتويج لكل مجهودات البشر الفاشلة في العجز الكلي عن إقامة العدل بين الناس وبين الناس والله، منذ هابيل الصديق حتى داود ومن داود حتى سبي بابل ومن بعدها حتى تجسد المسيح وموته وقيامته، إنه تاريخ النكبات المستمرة للبشرية المأزومة في سر وجودها وسر عنادها في ارتكاب الشر والعنف.

لذا فإن قيامة يسوع المسيح هي الرد الإلهي الفعال في انتصاره على هذا الظلم الصارخ من قبل الإنسان وتحجيم دور الإنسان في السلطة وتزويد المؤمنين بالمسيح في كل الأجيال بالقدرة على إفشال كل حكم سلطوي ظالم فالله في قيامة المسيح برهن على أنه يدفع الوجه الذي يدافع عن الإنسان المظلوم.

هكذا فعل اسطفانوس أول شهيد للمسيحية، وهكذا فعل يعقوب في أورشليم وبطرس وبولس في روما ومرقس في مصر.

وما حدث مع بطرس والـ11 رسولًا بعد حلول الروح القدس هو أن لبستهم روح الشجاعة وهرب منهم الخوف في الإعلان عن قيامة وموت يسوع المسيح، ولم يخافوا من أحد “هل نخاف الناس أم نخاف من الله” هكذا قال بطرس الرسول لذا استحق بطرس أن يمسك بمفاتيح ملكوت السموات وملكوت الأرض لأنه تعلم أن يتجرد من كل مجد باطل وكيف يرجع المجد لمن له الدوام والمجد لله.