خل الحب وخل الاحتكار – الأنبا باخوم
1. خل الحب وخل الاحتكار
احبائي،
في زمن الصيام المبارك، فترة تحضير لاستقبال قيامة الرب في حياتنا، بعض النقاط لمستني واثرت في بطريقة شخصية وكم ارغب ان اتشارك معكم بها.
كان يسوع يعلم أَن كل شيء قد تم، فقال: “انا عطشان” (يو 19: 28). احتياج بشري عادي؛ انسان يتألم، فيطلب الماء. هل هناك معنى اخر؟
كلمة “كل شيء” تجعلنا نفهم ان المقصود هي الاحداث التي تمت حتى الان. نفس الكلمة في: ”ورأى الله كل شيء صنعه، فاذا هو حسن جدا” (تك 1: 31). يقصد يوحنا “بكل شيء” هذا المشروع الاول الذي بدأه الله، هذه الخليقة التي خلقها، بسبب حبه للإنسان. دخلت فيه الخطيئة، ففقد جماله. الله لم يتركه، فدبر مشروع خلاصي. هذا هو ال”كل شىء”. هذا الخلاص.
وكلمة “تم” تُرجمت بكلمة “انتهى” ومرات “حدث”. المعنى الاصلي هو “وصل الى هدفه، غايته”. كان يسوع يعلم أن كل شىء قد وصل الى هدفه، اي ان كل الخليقة وصلت الى الهدف. مشروع الاب الخلاصي قد تحقق. الان يسوع ينظر من على الصليب، ويجد ان هناك خليقة جديدة.
فقال: “انا عطشان” كما قال للمرأة السامرية من قبل: “اسقيني” (يو 4: 7). لأنه كان يريد ان يعطيها ماء أخر. الماء الحي، اي الروح القدس الذي سيناله المؤمنون عند ساعة مجده (يو 7: 38- 39). وها هي الان ساعة مجده. المسيح يريد ان يعطي هذا الروح لكل البشرية. لذلك يطلب من جديد الماء من صالبيه من كل انسان، لكي يعطينا اياه.
”أنا عطشان” كلمة تعني الرغبة والاشتياق. يقول المسيح: “طوبى للجياع والعطاش الى البر فإنهم يُشبعون” (مت 5: 6). المزمور: “عطشت أليك نفسي” (مز 63: 2). عطش المسيح هو في العمق اشتياق لملاقاة الاب، هو رغبة للرجوع لحضن الآب حاملاً معه ناسوته، بشريتنا، انا وانت.
فأعطوه اسفنجة مبللة بالخل، “سقوني في عطشي خلاً ” (مز 69: 22). يتكلم المرنم عن الامه وعذابه. عن الظلم الذي يقع عليه واهانة اعداءه له، لدرجة انهم في عطشه اعطوه خلاً بدل الماء. ويستمر ويقول سيدفعون ثمن كل هذا، سخط الرب سينزل عليهم.
المسيح يأخذً خلاً. خطيئة الانسان وصلت الى تمامها، قتلت صانع الحياة. والان حسب المزمور وقت غضب الرب، النار تسقط كي تلتهم الاعداء. هذا لا يحدث. مكان النار يوجد المسيح الذي يسلم روحه. يسلم الروح القدس. فبدلاً من غضب الرب وحكمه بالانتقام، تظهر الرحمة والمغفرة. الرب لم ينتقم من البشر في شخص المسيح، ولكن وجود البار وثقته في الرب قادر بها ان ينقذ الخاطئين. كما كان يرغب الرب عند سدوم وعمورة وحديثه مع إبراهيم. وجود البار ينقذ، وليس عقاب الرب للبار هو الذي ينقذ.
ومن جديد الخل، علامة على الاحتكار والاهانة والتعذيب، يقدمه الجنود في الاناجيل حسب متى ومرقس ولوقا، فيزوقه ويتركه. في انجيل يوحنا، لا يذكر من يقدمه، ولا يقول انه تركه بل اخذه. المسيح اخذ الخل وشربه.
الخل أيضا حسب العهد القديم، شراب العطشان، شراب الجنود، العاملين بالحقل طوال النهار، هو النبيذ المعتق، والذي اذا خلط بالزيت لا يصبح مرا. نفس الكلمة: خل. هو شراب التفهم والمودة والعون لمن هو عطشان وبلا مأوى، مثلما فعل بوعز براعوس (راعوس ٢: ١٤). أعطاها الخل لأنها كانت عطشى. الخل علامة على السند والحب والمساعدة أيضا.
الكتاب يعرض لنا الاثنين، علامة التعذيب وعلامة والحب. يأخذ معناه وتفسيره حسب من الذي يقدمه ولماذا يقدمه. الكتاب يقدم لنا رد فعل البشرية امام صليب المسيح. ويقول امامه ماذا اعطي؟ خل الحب، ام خل الاحتكار. خل السند والعون، ام خل التعذيب.
امام زوجة او زوج مصلوب بسبب خطاياه او خطايا الاخرين، ماذا اقدم؟ امام متألم، مهمش، معاق، امام ذاتي في ضعفها. كلنا بصورة او بأخرى مسمرين، مقيدين على صليب، مستحقين له او لا. الواقع مسمر. هنا اصرخ: (انا عطشان)، عطشان ان أرى وجهك، عطشان ان اكتمل بك، عطشان ان اسكن فيك، عطشان ان ادخل في اعماقك، هوة قلبي وكياني لا تمتلئ، من حب، من سلطة، من مال، من تقدير، ما زلت عطشان لك، لروحك القدوس، هذا القادر ان يصرخ بداخلي ويقول لي: تشدد، تشجع، الرب يدبر.
صلوا لاجلي
+ باخوم