”فأخذته الشفقة” – الأب وليم سيدهم
كانت أحوال الرعية في فلسطين لا تسر عدو ولا حبيب. فقد نجح الفريسيون والصدقيون وعلماء الكتاب المقدس في قهر وإستغلال الفقراء والأرامل والأيتام لدرجة أن هؤلاء لم يبق عندهم إلا يسوع الذي يزور مرضاهم ويشفي أسقامهم ويبشرهم بعصر جديد تختفي فيه أوامر الشريعة التي كانت تجبرهم على تقديم الذبائح ودفع الضرائب والخوف ثم الخوف من الاله المنتقم والجبار الذى لارحمة عنده. هذه صورة الاله التي صدرها دكاترة الكتاب المقدس وفقهاء الدين اليهودى في ذلك الوقت.
وكان لظهور يسوع بصفته إنسان وديع وشفوق ورحيم وفقير يشكل وعيًا جديدًا لإله جديد يتصف بالحنان والحب ومحبة الفقراء والسهر على حياتهم. وإستطاع الفقراء أن يميزوا بين إقتراب يسوع منهم وبين الهوة التى تفصلهم عن الرعاة اليهود الذين استخدموا الشريعة والدين لتجريدهم من آدميتهم واستقلالهم بكل الطرق. فالبُرص والمرضى والمسكونين بالشياطين والعميان والمخلعين بعد أن طردوا من المجامع وأجبروا على العزلة بحجة النجاسة والطهارة وجدوا في يسوع ضالتهم ومخلصهم.
إن كلمة الشفقة تثير مشاعر متناقضة لدى الأشخاص الذين يعتزون بكرامتهم واستقلاليتهم. إلا أن ظروف القهر والجبر والاستغلال جعلت الفقراء يتمنون أن يروا من يربت على ظهورهم ومن يلقي عليهم كلمة تعزيهم في واقعهم الأليم.
كيف لأ وهم يتجمهرون في كل مكان ليحلقوا حول يسوع الناصري ابن يوسف النجار ومريم العذراء. ويذكرنا خميس العهد بدخول يسوع إلى أورشليم على جحش ولم يدخلها على حصان واستقبله الفقراء وهم يهتفون : “هوشعنا لابن داود! تبارك الآتي باسم الرب!”(متى 21: 9).
لقد عشنا ومازلنا في بعض المناطق نعيش هذا الكابوس المسمى برجل الدين اعمى القلب واعمى البصيرة، إنه لا يزور إلا الأغنياء ويفرح بعمادات وزواجات ودفن المسيحيين الذين ينتمون إلى الطبقات الغنية فزياراته لا تنقطع لأصحاب المال والسلطان، وهو لا يجد وقتًا لزيارة الفقراء وإفتقاد مرضاهم والعناية بأطفالهم.
ولن تتقدم كنائسنا إلا إذا هب عليها نسيم الروح القدس من خلال المكرسين الجدد الذين يحملون هموم الناس وإحتياجاتهم ويتضامنون معهم ويروهم وجه الله الحقيقي وجه الرحمة والشفقة ولايزال الأمل يراودنا في ولادة إكليرس مستنيرًا واعيًا ومقتديًا بمعلمه يسوع حتى نجفف منابع الكهنة الأنانيين ، الطبقيين، المنافقين. ويوقف نزيف الشباب والشابات الذين يخاصمون الكنيسة ويعتنقون الالحاد.
تعال يا يسوع واشفق علينا واشفينا.