stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

أبواب مختارة من موسوعة المؤتمن (13)الباب 56- تقديم الأخ وديع الفرنسيسكاني

822views

imagescawqaeckأبواب مختارة من موسوعة المؤتمن (13)الباب 56- تقديم الأخ وديع الفرنسيسكاني

القول في القضاء والقدر والجبر والتفويض والتخيّر والإرادة

تقديم النص:

يتكوّن هذا الباب من أربعة أقسام، يُعتبر الأول منها كمدخل وهو في الغالب للمؤتمن نفسه؛ والقسم الثاني مأخوذ من مقالة للرشيد أبي الخير بن الطيب؛ والثالث، وهو للرشيد كذلك، يعتمد على الكتاب المقدس؛ والرابع فلسفي مأخوذ من نص قديم. ونرى الآن بتفصيل مصادر هذا الباب.

في رقم 20 الآية من رومية 9/15، 21. وفي رقم 26 الآية من رومية 9/22-23. وفي رقم 28 الآية 2 كورينتوس 3/6؛ ونقرأ في مختلف الترجمات الحديثة كلمة “الحرف” بدلاً من كلمة “الكتاب” التي يوردها المؤتمن.

وفي رقم 29 الآية من رومية 2/6. وفي رقم 33 الآية من 1كورينتوس 2/9؛ ومتى 13/43؛ ولوقا 20/36.

والنصّ الوارد في أرقام 34-72 مأخوذ، كما يقول المؤلف، من مقالة للرشيد أبي الخير بن الطيب. والدراسات حول الرشيد ليست كثيرة ودقيقة. وكانت هذه الدراسات تضع ميلاده في النصف الثاني من القرن الثاني  عشر  ونشاطه الأدبي في النص الأوّل من القرن الثالث عشر. وقد قرأت هذه الدراسات السابقة كلمة “المعاصر” التي يوردها المؤتمن في رقم 34، هكذا: “المعاضد”، استناداً على بعض المخطوطات المتأخرة. وحول الرشيد لي دراستان: الأولى باللغة العربية بعنوان “الرشيد أبو الخير بن الطيب وكتاباته” (لم تنشر بعد)، والثانية باللغة الفرنسية وترجمة العنوان هو “الرشيد بن الطيب وترياقه”. وقد أظهرت في الدراستين أن الرشيد لم يزدهر أدبياً في النصف الأوّل من القرن الثالث عشر، بل في النصف الثاني منه . والمقالة التي يوردها المؤتمن تحمل ، في المخطوطتين المعروفتين لها ، عنوان “رسالة البيان الأظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر”. وقد نشر المقالة الأب مخائيل خظام تحت عنوان “أبو الخير بن الطيب، رده على القائلين بالقضاء والقدر”، في مجلة “الصلاح” 9 (1938)، ص 76-78، 131-137، 323-330. وننوي بعون الله تعالى نشر باقي كتابات الرشيد، بعد أن تجمعت لدينا صور عدة مخطوطات لها. وقد أسقط المؤتمن في نصه بعض الفقرات من نص الرشيد، بدون أن يخلّ بالمعنى أو يتتابع حديث الرشيد.

في رقم 61 لم أوفق إلى معرفة مصدر الآية “وعملوا أعمالاً لم آمرهم بها”؛ أمّا الآية الأخرى فلعلها إرميا 44/3.

في رقم 63 الآية من تكوين 1/26.

وفي رقم 64 الآية من تكوين 2/16-17.

وفي رقم 66 الآية من إرميا 9/11-13.

وفي رقم 67 الآية من حزقيال 18/30-32.

وفي رقم 68 الآية من إشعيا 54/8 أو 57/17-18.

وفي رقم 69 إشارات إلى متى 25/14-30 (الوزنات)؛ ومتى 13/45-46 (تاجر الجوهر)؛ ومتى 13/3-9 (المزارعون)؛ والآية من متى 7/7-8 في رقم 70 الآية من يعقوب 1/13-15.

في أرقام 73-167، أي إلى آخر الباب، يورد المؤتمن نصاً من “كتاب الطبيعة” ويشير المؤتمن إلى أنه استخدم “نسخة سقيمة” أي غير واضحة. بها أخطاء، وهذا يعني أنه لم يجد نسخة أفضل من تلك التي استخدمها. و “كتاب الطبيعة” الذي  ينسبه المؤتمن إلى غريغوريوس هو في الواقع لشخص يُدعى نيميزيوس الحمصي؛ انظر: وديع الفرنسيسكاني، في مجلة “صديق الكاهن” 35 (1995)، ص10.

النص:

3. الذي يدل عليه العرف اللغوي، من لفظ القضاء، هو الحكم القاطع، والأمر الذي لا يُراجع؛ فيقال: قضى له بكذا، أو عليه، أو فيه. ولفظة القدر مأخوذة من التقدير. والمتداول من لفظتي القضاء والقدر هو أنهما يقالان على ما كان، ويكون، من الحوادث، في عالم الكون، لما سبق في علم الله (تعالى).

4. والقضاء هو الأمر الكلي الواحد السابق، في العلم، من الخير والشر والغنى والفقر وأمثالها. والتقدير هو تقدير الموجود منها لشخص شخص في نوعه وحده، ومقداره وكيفيته، وزمانه ومكانه، وأسبابه القريبة والبعيدة.

5. وهاتان اللفظتان ليس هما مترادفتين ، على ما يظنه كثير من الناس. والقضاء هو سابق العلم والأمر من الخالق الحكيم. والقدر هو تفضيله وتقديره، في المخلوقات، بحسب الأحوال والأوقات.

6. والنصارى، ومَن وافقهم في اعتقادهم في هذه المسألة من أرباب المذاهب، يقسمون القضاء والقدر قمسين: أحدهما كلياً، والآخر جزئياً.

7. والجزئي منه ما قالوا: إنه بقضاء الله (تعالى)، كسخطه على امرأة لوط، وكضرب مريم بالبرص، على حديثها في أخيها، وكأشياء أُخر واقعة وتقع في الوجود. ومنه ما قالوا: الاعتقاد في مشيئتي إليّ ، والحوالة في إرادتي عليّ، وذاك إنني آخذ بيدي درهماً، وأُعطيه لمن أريد، وأنا محكم في ذلك، وإلا فأيهما قيل فيه إنه للقضاء المحتوم أعطيته للآخر. وقالوا: إننا لا نكره قدراً منشأه الاختيار.

8. وأيضاً فنحن نقول: لا خلاف في ثبوت عدل الله (تعالى) واتصافه بالجود والحكمة، فإذا ان هو الذي قضى على الكافر بكفره، وعلى القاتل بقتله، وعلى الزاني بزناه ، وعلى جميع أرباب المعاصي بعصيانهم ، ثم يعاقبهم عليها؛ فهذا جور محض، وظلم فاحش، ونقص فاضح، وجهل زائد. لو صدر عن واحد من الخلق، لما وافقه أحد عليه، ولعاقبه ولي الأمر بسببه، سيما الخالق، تعالى الله عن ذلك.

9. وإنما البارئ (سبحانه) خلق عباده مختارين، وفوّض إليهم أفعالهم، بعد الرؤية، ولم يخرج بها عنهم. ولم جبرهم على ما لا يؤثرون. ولم يقسرهم على ما لا يريدون. إلا أنه أمرهم بفعل الخير، وطهارة العقل والنفس والجسد، من الأدناس العامية، والشهوات الرديئة، والأفعال الآثامية، والأقوال الكاذبة والسفيهة.

10. ونهاهم عن هذه جميعها وأمثالها ، وحذرهم من ارتكابها والميل إلى أسبابها. ووعدهم على الأولى النعيم، وتوعدهم على الأخرى بالجحيم. فأيهما فعله الإنسان، جازاه عنه ، كنحو عمله . فهذا هو العد الذي يحكم به صريح العقل.

11. ولو لم يكن مرجع ما يصدر عنهم إليه، وتفويضه لهم، لما كان معنى لتكليفهم الصوم والصلاة والصدقة، وجميع العبادات الشاقة المنهكة للقوى البدنية، المصادمة للقوى الشهوية والغضبية ، عما نُهبوا عنه، العلمية والعملية الضابطة حواسهم عن التمتع المحسوسات، التي نهاهم عنها، وحظرها عليهم ، في شريعتي عقولهم وأديانهم ، ليعاندوا بها القوانين الشهوية  والغضبية ، إذا  قصد مَن يقصد منهم التهور بهما ، والميل عن محجة الحجى والشرع . ولولا التخيّر والتفويض إلى المأمور ، لما استحق ثواباً ولا عقاباً، بل كان ثوابه عبثاً أو تفضلاً، وعقابه ظلماً صراحاً.

12.  وقول آخرين وهو: إنه لما كانت عطية الاستحقاق أتم وأفضل من عطية التفضّل، عرض الله (تعالى) عبادة لها، حيث أمرهم بأوامر فاعتمدوها، وكلفهم تكاليف فقبلها الطائعون وفعلوها، وأتعبوا نفوسهم فيها؛ فاستحقوا بذلك نعيماً يُثابون به عليها. وخالفه العصاة منهم فيها؛ واستحقوا العذاب.

13. فكان ثواب أولئك نعمة يزداد موقعها عندهم بعلمهم أنهم استحقوها، وعقاب هؤلاء، وإن كان بلاءً عليهم، فهو نعمة على المثابين أيضاً ؛ إذا رأوا عقاب العصاة، إزدادت لذتهم بما نالوه من نعيم الثواب، وبما تخلصوا منه من شقاء العقاب. فهذه وأمثالها من الحجج على رفع القضاء والقدر، في هذا المقام.

14.  وقد كثر، في هذا الخلاف:

15. فقائل يقول: إن وعد الله بالثواب حق لازم، وتوعده بلعقاب غير لازم، وإنما قصد به صلاح المكلفين، مع رحمته الشاملة لهم؛ كوالد يهد ولده، بتقريعه له، وصده عما يؤذيه، ورده إلى ما ينفعه، بالعقاب والضرب. وإن قبل وفعل، فقد انتفع، وإن لم يفعل، ردته شفقته عليه من قتله وعقوبته.

16. وقال آخرون: بل كالطبيب المشير بما ينفع، والمانع عما يضر، وإعلام المشار عليه أن هذا يتبعه الصلاح والخير، وذاك يلزمه الفساد والشر. فإذا جاءه الخير بما اعتمده ، فالطبيب سببه بهدايته إليه ، ودلالته عليه . وإذا جاءه الشر بما خالف فيه ، فالمريض سببه على نفسه بمخالفته ، وليس الطبيب الذي فعله به؛ قصداً للانتقام منه على المخالفة؛ لأنه لا يؤاخذه، ولو تيسر دفعه عنه، لدفعه.

17. فكذلك الثواب لزم عن الطاعة، لزوم المسبب للسبب، والعقوبة عن المعصية . فينتفع الطائع بطاعته ، كانتفاع المريض بحميته ، ويستضر  العاصي بمعصيته، كاستضرار المريض بتخليطه. والطبيب عَلِم تلك المنفعة والمضرة، وهدى إلى سبيل هذه، وجنّب عن سبيل تلك، وإن لم يكن فاعلاً للمنفعة، لرضائه عن المحتمين، فكذلك ولا لعقوبة، بسخطه على المخلط، لكنه الدال المحذر.

18. وقال آخرون: لا، بل الشرائع كلها هي أوامر اله، التي تطاع ويتعبد بها، ويثبت ويعاقب عليها. وإن كان فيها ما فيه نفسه صلاح ومضرة المأمور به والمنهي عنه: مثل الصوم والصحة في الدين والبدن ، وإضعاف قوى الغضب والشهوة، وترك الزنا لصلاح الأولاد، والانتفاع بهم، والثواب الموعود به لمعتمده، والعقاب المتوعد به لمخالفه موجودان، أيضاً، حاصلان، توهماً عن المنفعة والمضرة الموجودين فيهما.

19. ومنها ما لا منفعة فيه نفسه، ولا مضرة، وإنما هو تكليف محض، فائدته إنما هي الثواب الذي يجزيه الله به على طاعته، والمضرة الموجودة منه هي العقاب، يعاقب به على معصيته؛ والغرض المقصود من المكلفين، في تكليفهم، هو الطاعة في ما ساءهم وسرّهم، ونفعهم وضرهم.

20. وإياك أن يغلطك، في هذا المقام، قول بولس الرسول، عن النبي، في رسالته إلى أهل رومية : “إني أرحم مَن أردت أرحم ، وأتحن على مَن أردت أن أتحنن عليه. وإن الأمر ليس إلى مَن يشاء، ولا بيد مَن يسعى”. “وإن الفاخوري مسلط على طينه، يصنع منه آنية للكرامة، وآنية للهوان”.

21.  فأقول: إن معنى قول الكتاب، الذي استشهد به الرسول: “إنني أرحم مَن أردت أن أرحم، وأتحنن عليه”، أي أنه يرحم المستعدين لقبول الرحمة بأعمالهم، ويتحنن على الموافق إرادتهم لإرادته (سبحانه) ، في أفعالهم ، الذين لم يخرجوا عما أمرهم به شرعه ، ولم يدخلوا في ما نهاهم عن الدخول فيه.

22. فخرجت الرحمة عن أن تكون بيد مَن يسعى سعياً لا يطابق إرادته (سبحانه) ، بل يباين مشيئته ؛ وهذا هو طريق العدل . وبقيت الرحمة متعلقة بهذا الشرط الآخر، وهذه القضية مقيدة به.

23. وقوله: “إن الفاخوري مسلط على طينه، يصنع منه آنية للكرامة، وآنية للهوان”، أما الفاخوري فبلا شك أنه متسلط على طينه ، في صنع الآنية، إلا أنه ليس هو العلة في أن بعضها للكرامة، وبعضها للهوان، ولا كان قصده، لما عملها متوجهاً إلى ذلك.

24. وأما ثانياً فإن الفاخوري يعمل من طينة الآنية المستعملة في خدمة الإنسان، وطين الإنسان هو المجبول منه على صورة اله (تعالى)، المخلوق لتسبيحه وتقديسه، فبينهما فرق عظيم، وبون بعيد، وتباين ظاهر. فهذا المثل ليس هو مطابقاً، من سائر وجوهه ، في هذا المعنى، بل من بعضها؛ لأنه لو كان مطابقاً منها جميعاً، لكن المثل هو الممثَّل.

25.  وأما ثالثاً فالمؤمنون بالله (تعالى) العاملون بشريعته، هم الذين استعدوا لأن يكونوا آنية للكرامة، بوفاق إرادتهم إرادة باريهم، وهم الذين رحمته سابغة عليهم، متعلقة بهم، سارية فيهم . وهو عالم، في الأزل ، باستعداد هذه الآنية للكرامة، واستحقاقهم لها ، وإرادته (سبحانه) متعلقة بجعلهم منها ونيلها لهم؛ إذا كانت أعمالهم بحسب إرادته، واختيارهم مطابقاً لاختياره.

26. والطائفة الأخرى، لما كانت أعمالهم مباينة لإرادته، مغايرة لها، استحقوا أن يكونوا آنية للهوان. فهم العلة في أنهم من هذا القبيل، لا من ذاك. والدليل على قوله، في تتمة هذا الكلام: “إنه مع كثرة إمهاله، يأتي بالغضب على آنية الغضب المستحقين الهلاك، ويفيض رحمته على آنية الرحمة، الذين في سابق علمه “أعدهم للمجد”.

27. وقوله: “أعدهم”، أي باستعدادهم أعدهم، كما قال بعد قليل: “إن منا مَن قُسمت له النبوة بإيمانه”؛ وتتمته . فلما جعل الإيمان شرطاً في العطية، كذلك جعل الاستعداد بالأعمال شرطاً في الكرامة. وهذا القول الأخير دليل كافٍ في حل الشك الموهم من قول الرسول والنبي.

28. وكلام كتب الشريعة انقسم إلى معنيين: أحدهما ما لا يقبل التأويل ويُحمل على ظاهره، والآخر يقبله ويحتمله ، وبه يتضح ويطابق العقل وغيره من النقل. ودليله قوله في مكان آخر: “الكتاب يقتل ، والروح يحيي”، أي إن الكتاب فيه ما يقتل، إذا أُخذ على ظاهره، ولا يتأول ولا يتمعنى؛ وإن الروح، الذي هو التفسير والشرح، هو الذي يحييه ويظهر القصد به.

29. واسمع قوله: “إنه يجزي كل واحد كنحو عمله”، أي إنه إذا وافق عمله إرادته ( سبحانه ) جازاه بما ستحقه من الثواب ؛ وإذا  باين فعله مشيئته (عز وجل) كافأه بما يستحقه من العقاب.

30. والقسم الكلي ينسبونه إلى قضاء الله (تعالى) على عباده، على قدر استحقاقهم. أما الخطأة فبما قضى به على أهل الطوفان، في أيام نوح، بتغريقهم فيه وهلاكهم به، وبما قضي به على أهل سدوم وعامورة من الخسف والهلاك؛ وبما قضى به على فرعون وجنوده من التغريق والهلاك.

31. كل ذلك قضى به على جميعهم، لتماديهم على أعمالهم القبيحة، وتهورهم في سيرتهم ، واستغراقهم في  شهواتهم  البدنية  الدنيئة ، ومخالفتهم  له بأفعال قواهم الغضبية.

32. وأما المرضي عنهم، ففي الماضي فبما فعله ببني إسرائيل من إنقاذهم من فرعون وجنوده ومن المصريين، وبخلاصه لهم منهم، بتلك القوى والأعاجيب، وبنصرتهم على أعدائم، في حروبهم لهم . وتجد في كتب العتيقة والحديثة نظائر كثيرة لهذا المعنى.

33. وفي المستقبل : فبما  وعد  به  العالمين  العاملين بوصاياه ، التعبين في عباداتهم العملية، وتكليفاتهم الشرعية، من النعيم الذي قال لهم: إنه “لم تسمع به أذن، ولم خطر على قلب بشر”. وقال لهم أيضاً: “إنهم يكونون كالشمس في ملكوت أبيهم”، وإنهم يكونون كملائكة الله”. والإنجيل الطاهر مشحون بهذه الوعود الشريفة الدائمة الباقية.