stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسةمؤسسات رهبانية

أخطار تواجه حياة الشركة اليوم

1.4kviews

كتبه: الأب مراد مجلع

الحياة الرهبانية هي حياة مشتركة بين أعضائها في المحبة. فهي جماعة مُلتفة حول شخص يسوع، يرتبط أعضائها بعضهم ببعض من مُنطلق ارتباطهم الشخصي بيسوع المسيح الذي يدعو كل عضو دعوة شخصية لمرافقته وللشهادة له وسط الجماعة: “ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَدَعَا الَّذِينَ أَرَادَهُمْ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلْيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا” (مرقس 3: 13-14). أساس الحياة الجماعية هي الدعوة الشخصية التي يوجهها يسوع للمُكرس، ولكنها دعوة للشخص ليتقاسم الحياة مع جماعة مدعوة، كلٍ على حدة، ليعيشوا حياة مشتركة فيما بينهم. يدعو يسوع أشخاص مختلفين جدًا بسبب ثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعية وأوطانهم ليؤسسوا جماعة واحدة بالرغم من اختلافاتهم. وأجمل الجماعات في الواقع، هي التي تضم هذه التنوعات في الأفراد وفي الطبائع. فذلك يضطر كل واحد أن يتخطي مشاعر الانجذاب والنفور لكي يحب الآخر المختلف. فلو أعطي لهؤلاء الأشخاص أن يختاروا لما اختاروا العيش معًا. من الناحية البشرية يبدو ذلك تحديًا مستحيلًا. ولكن بما أن ذلك يبدو مستحيلًا، تراهم يؤمنون بأن الله هو الذي اختارهم لكي يعيشوا في هذه الجماعة. وعندئذ يصبح المستحيل ممكنًا. فلا يعتمدون على كفاءاتهم الإنسانية، أو على تعاطفهم، وإنما على أبيهم الذي دعاهم لا، يعيشوا معا، وهو يعطيهم نعمة التغير ، يعطيهم قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا، لكي يصبحوا شهودًا للمحبة. الأمر الذي كان مستحيلًا من المنظور البشري، يصبح ممكنًا ليصبح علامة على أن حبهم ينبع من الله، وأن يسوع المسيح حي: “ويعرف الناس جميعًا أنكم تلاميذي إذا أحب بعضكم بعضًا” (يوم 13: 35). صعوبات الحياة المشتركة الجماعة هي مكانٌ صعب يكشف محدودية الإنسان وأنانيته وعجزه عن التفاهم وإنغلاقه على ذاته واضطراب حياته العاطفية والجنسية، وحسده ورغبته في التمييز على حساب أخوته. في الجماعة يكتشف الإنسان عجزه عن الحب، ورفضه للحياة مع آخرين، يكتشف ضعفه فيلجأ إلى تطرفين لا ثالث لهما: الأول: الهروب من الحياة الجماعية وإقامة أسوار داخلية، غير مرئية بينه وبين الأخرين. الثاني: هو إتهام الآخرين بما فيهم من ضعفات ونقائص لستر ضعفي وعدم مقدرتي على الحب. فيتأخذ الإنسان من الثرثرة، والكلام ضد الآخرين منهج للحياة. الهروب للعزلة أتاحت وسائل الاتصال فرصةً ذهبية لاختيار المسلك الأول، وهو العزلة النفسية عن الآخرين. فلنتأمل أوقات الحياة الجماعية في أديرة المكرسين اليوم، والكثير منهم يجلس مع جماعته الرهبانية وهو غارق كليًا في تصفح تليفونه أو عمل شات مع آخرين، دون أن ينتبه لمَن حوله، أو يتحاور معهم، أو يصغي للآخرين أو يساند أخوته في مشكلاتهم. ومن نتيجة العزلة مجموعة من الأخطار مثل:- خلق بعض المكرسين عالمًا افتراضيًا يعيشون فيه بعقولهم وكيانهم. فتحولت منظومة العلاقات مع الجماعة الرهبانية من “علاقة مع آخرين” نعيش معهم ونتقاسم معهم مسيرة الحياة نحو هدف الكمال الروحي والإنساني، إلى حالة “اتصال مع آخرين” على نحو إفتراضي وانسحاب الجرئي والتام من الحياة الطبيعية وتكوين علاقات حميمة إفتراضية. فالمكرس مثلا قد ينعم بصداقات كثيرة على صفحته على تلك المواقع في حين لا يدخل في علاقة حقيقية مع أخوته الذي يعيش معهم تحت سقف ديرٍ واحد. فالخظر هو “تسطح” العلاقات، وأن يصبح الاتصال الافتراض بالآخرين هو القاعدة الأساسية للعلاقات، في حين إن العلاقات القريبة مع الأخرين تُصبح استثناءً. ساهم وسائل التواصل في “خلق جماعات بديلة”، لا حاجة فيها لبذل الجهد لتحقيق التوازن والانسجام والبحث عن حلول لتدعيم أواصر المحبة بين أفراد الجماعة الرهبانية. هناك سهولة في العلاقات على مستوى الويب، فيمكن لي أن أنهي محادثتي وعلاقتي مع متابع بحدفه أو منعه مباشرة متى لم يتوافق معي، متى لم ظهرت صعوبات واختلافات فيما بيننا. هكذا يلزم فقط نقر على زر الكمبيوتر أو التليفون الجوال لأجل إنهاء علاقة ما، في حين إن هذا مستحيل على مستوى العلاقات في العالم الحقيقي. إجهاض مراحل النمو الطبيعي للجماعة الرهبانية. فكل جماعة رهبانية تمر بمراحل للنمو. تتطلب كل مرحلة تحضيرًا وتدريبًا، وعبورها لا يخلو من الآلام. الجماعة كالإنسان الطبيعي، تنتهي كل مرحلة من مراحل النمو بأزمة يؤدي حلها إلى نمو الجماعة وتطورها. لكن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة الهروب ورفض النمو والتغير، رفض قبول الألم. عند وجود أزمات في الحياة الجماعية فبدل من محاولة معالجة المشكلات بإعتبارها جزءً من مراحل النمو الطبيعية للجماعة، يهرب المُكرس إلى وسائل التواصل التي يجد فيها من يقاسمه أفكاره ويشاركه أهتماماته. مشكلة الثرثرة فعل ثرثر:  “أكثر الكلام في مبالغة من دون جدوى” هناك من يفني عمره في ثرثرة دون فائدة. في اللغة اليونانية تأتي كلمة “أرجون” والتي لجأ إليها الرب يسوع في نص متى 12: 34ب «فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. 35اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْبِ يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ. 36وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ. 37لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ». مارتي هايدجر، أعظم فلاسفة القرن العشرين، خصص فصلاً كاملاً في أهم كتبه “الكينونة والزمن” عن الثرثرة. وقصد بـ الثرثرة “الكلام الكسول” واعتبرها “علامة على السقوط والفشل في تحقيق الوجود الأصيل وسمة لتزييف الوجود والهرب من الحياة الواقعية. تسبب الثرثرة في جعل الشخص شخصية سلبية إتكالية وهامشية في وجودها وأقرب إلى العدم واللاشيء. وهؤلاء الثرثارون يقومون بهذا الصنيع خوفاً من مواجهة أعباء وجودهم ، وخوفاً من الإقدام على تحقيق ذواتهم ، ومعلوم أن تحقيق الذات – ضمن المعنى العميق لهذه الكلمة – هو أمر محفوف بالتحديات والمواجهات والتصعيدات الكثيرة التي لا يقوى على مواجهتها كل فرد . ولعلني لا أبالغ إن قلت بأن التحديات القوية تصنع الإنسان وتشكله وتصيّره وتصوغ مصيره ، فبقدر التحديات تكون الاستجابة ، كما قال مؤرخ الحضارة أرنولد توينبي”. الثرثرة إذا مشكلة كبيرة لأنها تعبر عن حالة نفسية غير مستقرة وعدم وجود معنى وهدف للحياة. “هي تواصل حول حقائق ومعلومات ولكن بطريقة غير مفحوصة وغير فاحصة وفشل في استعمال اللغة لوصف ما يريد الفرد أن يتواصل به”. البعض يظنها عفوية، ما في القلب يكون على اللسان، وهذه مصيبةٌ كبرى، لأن الله خلق العقل ليفحص ما في القلب، لأن بكلام تتبرر وبكلامك تدان، وليس بما في قلبك، وكل كلمة بطالة سيعطي الناس عنها حساب. ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع بطئ في التكلم، لان الرب وضع للإنسان إذنين ووضعها خارج الجسد، ولم يعطيه لسانين بل لسان واحدًا وجعله خلف بوابتين داخل الجسد لكي ما يسمع الإنسان أضعاف ما يتكلم.  وجود الموبايلات في إيدينا جعلنا نتكلم ونكتب أضعاف ما نسمع. لم تعد فضيلة الصمت لها قيمتها، ولا أن تفكر بما تقول، أو مراجعة النفس قبل أن تنطق لها قيمتها. هي مشكلة نفسية: يثرثر الطفل مع أمه ويتحرك خلفها في كل مكان. لماذا يثرثر الطفل، لأنه لا يريد أن ينفصل عنها لقد وجد من حبل الكلام الخيط الذي يربطه بأمه أنه يريد أن يشعر بالأمان فلا ينفصل عنها، وبعد الفطام وانفصاله عنها لا يرغب في أن يتركها لكي يطمئن نفسه على أن أمه لا تزال معه. ويكبر الطفل بالجسم ولكنه لا يزال طفلا يريد خيطًا يربطه بالآخرين فيظل يثرثر لكي ينتبهوا إليه ويشعر إن الآخرين ما زالوا معه فيشعر بالأمان. ينظر الطفل إلى أبيه يراه البطل العظيم الذي يحمي الأسرة، ينتظر عودته خاصة عند كلام الأم عنه بأنه “بابا اللي هيجب، بابا هو اللي هيخرجنا” فينتظر الطفل الأب ويرسل به رسائل ويتحدث، لكن الآب لا يعيره اهتمام لأنه مشغول فيتعمق الألم في قلب الطفل ويظل يشتاق إلى اهتمام وقبول من أبيه، فيجود في كلامه ويحاول أن يتقن عبارات جديدة لعلها تلف انتباه أبيه المشغول عن أبنه، وبربما يموت الأب ولم ينجح الطفل في جذب انتباه فيظل الطفل يصيغ العبارات والكلمات ليثرثر بها لعل المجتمع الكبير لعله يُقبل منه. وتكون الثرثرة بحثًا عن الأم والشعور بالأمان وبحثًا عن الأب والشعور بالقبول. تولد الثرثرة مشكلات عدة أهمها: تكشف الثرثرة عن عدم التجذر في دعوة يسوع للمُكرس. وصف هايدجر الثرثرة بأنها حالة سقود من البحث عن الوجود الحقيقي إلى العالم (الآخرين) لنذوب فيهم وتكون مصحوبة بشغف البحث عن الجديد والإثارة المستمرة بدل من التجذر والمثابرة. هكذا يصف بولس حياته: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غلاطية 2: 20). فحياة التكريس، كما سبق أن نوهنا، هي علاقة مع شخص يسوع المسيح، ارتباط الحياة به طوال أحداث اليوم ومشكلاته، والشغف القوي بالتجذر في العلاقة مع والمثابرة في الارتباط به بالرغم من صعوبات الحياة. من يستمتعون بالعلاقة لا يكون لديهم وقت للثرثرة تقف الثرثرة حائلاً أمام أن تكون حياة المكرس مثمرة. يقول بطرس في رسالته الثانية: 1: 3كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ،4اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.5وَلِهَذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً،6وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفاً، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى،7وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً.8لأَنَّ هَذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فالذي يعتمد الثرثرة في حياته لن يكون مثمرًا، بل متكاسلاً، يهرب من التحديات التي تقف أمامه ويفضل الهرب من مواجهة التحديات للذوبان في المجموع، أي يتكلم كما يتكلمون، يعرف ما يعرفون، فالثرثرة هي تعبير عن ضياع الوجود الحقيقي والاندماج مع المجموع لتحقيق وجود زائف. تطبيقات عملية يوسف كان شابًا رائعًا لكنه كان يعاني من عيب خطير في بداية حياته وهو الثرثرة، كان عفويا فنقل إلى أبيه نميمة أخوته: “وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ”. ثم حلمَ حلمًا أخر: ” وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ فَازْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ. 6فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا هَذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ. 7فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَماً فِي الْحَقْلِ وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي». 8فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكاً أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطاً؟» وَازْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ” (تكوين 37). ليس كل صواب يقال علينا ان نخدم وتكون كل كلمة مصلحة بملح. الخاتمة: أصبحت الحياة المشتركة اليوم في تحدىٍ كبير. أولها الهروب من الحياة الجماعية إلى عزلة داخلية وإقامة أسوار غير مرئية بيننا وبين الأخرين. والثاني هو الثرثرة والتكلم بكلام بطال لا قيمة له يهدف إلى الكشف عن ضعفات الآخرين وستر ضعفاتنا وفشلنا في الحب. على المكرسين الانتباه إلى التغييرات الحادثة في الحياة الجماعية ومعالجة تلك التحديات.