أخلى ذاته – الأب وليم سيدهم
أخلى ذاته
في رسالة القديس بولس إلى أهل فيلبي فصل 2 عدد 11 يُقدم لنا بولس الرسول نشيدًا يبدو أنه كان متداولًا في الجماعة المسيحية الأولى يُلخص مسيرة يسوع المسيح منذ أخذ جسدًا من العذراء.
هذه الصورة تتمحور حول “إخلاء المسيح لذاته” أى تجرده عن مكانته الألهية ليصبح إنسانًا بمعنى الكلمة إن وهو الذي لم يُعد مساواته لله غنيمة بل “لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.” (فيلبي 2 : 7- 11)
إن قضية إخلاء الذات أو التجرد عن مجد الإبن الموجود مع الآب من قبل الدهور تفسر لنا هذه التضحية الجذرية التي يصفها القديس بولس قائلًا: “لم يعد مساواته لله غنيمة” بمعنى أن المسيح الذي كان يتمتع بكل صفات الآب “مساوٍ للآب في الجوهر” لم يرد أن يحتفظ بهذه المكانة كما نفعل نحن حينما نتدرج في الحياة المدنية أو العسكرية ونصل إلى أعلى الدرجات في المكانة الإجتماعية يصعُب علينا التخلي عن هذه المكانة.
أما يسوع النخلص فقد قبل أن تحجب الألوهية والقدرة والقوة عن منفعته الإنسانية حتى يستطيع أن يخلص الإنسان ويفتح أمامه أبواب النجاة من سجن الجسد الذي نعيش فيه ونتسلط عليه، مبينًا لنا “طريق الخلاص” المصبوغ بملايين التفاصيل اليومية التي يتعرض لها الإنسان طوال الأربع وعشرين ساعة في كل مدة حياته بدأ من الأكل والشرب واللبس والصداقة والخيانة وعدم الغفران والبراكين والزلازل وضربات الشمس ودوار القمر وخطر الأعداء وخيانة الأحباء والحب والكُره والجنس والفرح والحزن …..إلخ.
التجرد لا يعني أن لاهوته فارق ناسوته بل يعني أن ناسوته لم يفارق لاهوته وإن كان اللاهوت حُجب عن أعيننا من خلال إتحاده السري بالآب يُظهر صورة الآب في كمال محبته للبشر ويكشف جسده قدرة الجسد الطاهر النقي على تجاوز ضعفه وهشاشته حينما يُصبح مسكنًا للآب وبالتالي فإن الحبل به من الروح القدس جعله جسدًا مقدمًا غير قابل للخطية.
ولصعوبة إدراك الإنسان الخاطئ للحضور الدائم للآب في الإبن فإن القديس بولس يعبر عن هذه الصعوبة حينما يقول: “الذي لم يعرف الخطية، صار خطية لأجلنا وتحمل الألم والصلب”.
نحن ابناء الله بالتبني لا نستطيع أن ندخل في شركة القديسين إلا إذا توفرت لدينا الرغبة القوية والإرادة الحقيقية للدخول في هذه الشركة التي مهد لها واكتسبها لنا يسوع.
وللتأكيد على أن صورة المسيح لم تفارق الآب السماوي رد على فيبلس حينما سأله “أرنا الآب وحسبنا” قائلًا: “أنا معكم كل هذا الزمان ولا تعرف أن من رآني فقد رأى الآب؟.