stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابية

أمثال إنجيل القديس متى- مثلا: العذارى (مت25: 1-13) والوزنات (مت 14:25-30)- الأب د./ كميل وليم

933views

download (3)

مثل: العذارى (مت25: 1-13)

تقوم بنية المثل على التناقض بين مجموعتي العذارى المدعوات إلى العرس: مجموعة من العذارى، العاقلات، أخذن زيتاً؛ في حين أغفلت الجاهلات عمل ذلك. العاقلات استطاعت أن يواجهن الموقف الطارئ الناتج عن تأخّر العريس. أمّا الجاهلات فوجدن ذاتهن في ورطة!

إذا تمّت قراءة المثل بهذه الطريقة فهو يبدو وكأنه يدعو التلاميذ ويحثهم على الاستعداد الدائم لمواجهة أي موقف طارئ: قد يأتي الرب سريعاً، وقد يتأخر.

يجب وضع هذا المثل بجوار مثل الوكيل الأمين، فالمثلان ثنائية هامة: يشير الإنجيلي إلى طريقتي حياة خاطئتين: موقف الذي يتكل على أن سيده يبطئ، كما كان الحال مع الوكيل، وموقف غير المؤهل للانتظار الطويل، مثل العذارى الجاهلات.

يجب أن يجمع انتظار الرب، حياة المسيحي الذي يعيش اليوم في العالم؛ بين الاستعداد والمثابرة: الاستعداد لأن السيد قد يأتي في أية لحظة، “لا تعلمون اليوم ولا الساعة”، والمثابرة لأن السيد قد يبطئ. ولكن المثل في حد ذاته لا يبيّن فيما يقوم الموقفان وما هي مقتضياتهما.

هناك عنصران في القصة يشيران إلى نصين إنجيليين. بمقارنة ذلك نصل إلى بعض الاستنتاجات الهامة. النقطة الأولى هي ردّ العريس على العذارى الجاهلات: “إني لا أعرفكن” (12:25). يذكر هذا الرد بكلام المعلم القاسي عن التلاميذ الكذبة: “ما عرفتكم قط. إليكم عني أيها الأثمة” (مت 23:7). التلاميذ الكذبة هم أشخاص تنبأوا باسمه، وطردوا شياطين، وصنعوا آيات، ولكنهم لم يتمموا إرادته. يقوم جهل العذارى، إذاً، في هذه الازدواجية وفي الفارق بين ما يقلن وما يعملن، بين الصلاة والعمل.

إن التناقض بين عاقلات وجاهلات يذكّرنا بمثل الحكيم الذي بنى على الصخر والجاهل الذي بنى على الرمل (مت 24:7-27). إن تعليم المثلين واحد: الحكمة هي أن يبني المرء وجوده على سماع كلمة الله والعمل بها، أمّا الجهل فهو الاكتفاء بالسماع دون العمل. ويرى العديد من المفسرين أن هذا التفسير مسطح وبسيط. إنهم يعتبرون أن المثل أكثر تعقيداً، وإعادة بنائه أمر صعب إذ أنه يحتوي على عناصر متناقضة وصعبة وغير معتادة. وقد يكون هذا أيضاً صحيحاً. إلاّ أن كل شيء مرتبط بزاوية النظر ووجهتها.

يقدم لنا الإنجيل مشهداً مكوناً من إشارات، بدون أن يعني بالمنطق الداخلي لهذا المشهد، إنه يهتم أكثر بمنطق المعنى والتعليم وليس بمنطق الرواية. إن مكونات وعناصر أفراح الزواج الفلسطيني تفقد كل أهمية لها، إذا اعتبرنا أن الإنجيل يريد، من خلال هذا المثل، أن يعطي تعليماً عن أفراح الزواج المسياني.

هل يعقل أن يصل العريس في منتصف الليل؟ وهل يعقل أن يرسل العذارى الجاهلات لشراء الزيت؟ من أين يمكنهن الحصول عليه؟ كيف يمكن أن يكون عريس، ليلة عرسِه، بهذه الصرامة والقسوة؟ إنها تساؤلات لا طائل منها. إن محاولة إعادة بناء المثل وإعطاء معاني لتفاصيل لا معاني لها، وجعل اللامعقول منها معقولاً، لا يساعد على فهم المثل، بل يبعد عنه. لا يجب أن نحاول تحديد التفاصيل التي أهملها الإنجيلي عن عمد وتصحيح ما كتب. إنه كتب المثل كما هو لكي يعطينا تعاليمه.

إن العريس والعرس هما رمزان يقودان إلى المسيا والزمن المسياني، ويشير منتصف الليل إلى التأخير والعودة فجأة، ويبرر إمكانية النوم أثناء الانتظار. كما تشير صرامة وقسوة العريس إلى أن اللقاء مع الله هو لقاء فرح ودينونة بآن واحد. وبالتالي تتحول تناقضات القصة إلى منطق قوي يخدم التعليم اللاهوتي للمثل. إذا كان الإنجيل يهدف إلى وصف مجرد عرس في فلسطين، فإنه أخفق في مسعاه تماماً. أمر يكتسب، في هذا الإطار، معنى عميقاً. هذا الأمر هو محاولة شراء الزيت في آخر لحظة. يجب الاستعداد للقاء الرب قبل موعد اللقاء. إنه لا يمكن إصلاح وتدبير الأمر في اللحظة الأخيرة. من يحاول أن يواجه هذا الأمر بحذاقته البشرية يفشل فشلاً ذريعاً.

مثل الوزنات (مت 14:25-30)

إن الوزنات، بعكس تفكيرنا واعتقادنا السائد، لا تمثل الإمكانيات التي أعطاها الله لكل إنسان، بل هي المسؤوليات أو الواجبات التي يوكلها لكل إنسان. دليل ذلك هو نص المثل ذاته: “أعطي أحدهم خمس وزنات والثاني وزنتين والآخر وزنة واحدة، كلاً منهم على حسب طاقته” (مت 15:25). يمثل العبدان الأول والثاني (وإن كان في الواقع العبد الثاني تكراراً للأول) المبادرة والشجاعة: إنهما يوظفان ما نالاه ويسلمان ضعفه للسيد. لذلك يصفهم السيد بـ”الخادم الصالح الأمين”. أما العبد الثالث فهو كسول، سلبي، لا يتاجر ولا يغامر ويكتفي بالمحافظة على ما ناله. لذلك يصفه سيده بـ”الخادم الشرير الكسلان” و “الذي لا خير فيه”. نلاحظ أن دور العبدين الأول والثاني في المثل يقوم أساساً، عن طريق التضاد، في إبراز تصرف العبد الثالث، الذي بخلافهما دفن وزنته في الأرض. كما أن مشهدي حساب العبدين الأول والثاني يهدفان لتركيز الأضواء على مشهد حساب العبد الثالث. على ذلك نقول إنه من الواضح أن التركيز يقع على تصرّف العبد الشرير الكسلان. إن مفتاح فهم المثل هو حوار السيد مع العبد الثالث الشرير والكسلان.

العلاقة مع الله

كوّن العبد الذي لا خير فيه فكرة عن سيده: إنه رجل قاسٍ، يحصد حيث لم يزرع ويجمع حيث لم يوزع. لا ينتج مثل هذا التصور عن الله إلا الخوف وتتميم حرفي لما يأمر به: لا شيء غير ذلك. إن هذا العبد لا يريد أن يخاطر أو يغامر بل أن يؤمّن الوزنة، معتقداً أنه يكون باراً وصديقاً إذا أعاد لسيده ما حصل عليه منه. إنه يعتقد بذلك أنه غير مدين لسيده: “خفت وذهبت فدفنت وزنتك في الأرض، فإليك مالك” (مت 25:25). قد يسقط القارئ في تجربة اعتبار أن تصرف العبد تصرف سليم وأن رد فعل السيد غير مبرر وظالم، ولكن هذا الحكم حكم خاطئ. إن قارئ المثل مدعو لتغيير موقفه وحكمه: التخلي عن مفهوم الطاعة المجردة الضيقة والخوف، سيراً نحو مفهوم الحب الذي لا يخضع للحسابات (أي الذي لا يكتفِ بتسليم وإعادة ما حصل عليه) والذي لا يخضع للخوف. يبدو أن العبد الثالث شلّه خوف إعادة وتسليم ما حصل عليه، لقد حوّله الخوف إلى شخص خامل ومستسلم غير قادر على المواجهة والمجازفة. لقد تحوّل إلى شخص بيروقراطي، مليء بالمخاوف والشكوك بدون أية مقدرة على المبادرة والمجازفة.

يهدف المثل، إذا فُهم بهذه الطريقة إلى إظهار طبيعة العلاقة الحقيقية بين الله والإنسان. إنها عكس الخوف والرهبة تماماً. يجب على تلميذ يسوع أن يتحرك في إطار علاقة حب ينتج عنه (الحب) الشجاعة والسخاء والحرية وروح المبادرة. 

السهر والمسؤولية

لقد استقى إنجيل القديس متى هذا المثل من التقليد، ووضعه في سياق الحديث الإسكاطولوجي، لكي يبرز الأمر بالسهر الذي هو الطابع الذي يميّز حياة المسيحي في عالمه الحاضر. إن العبد الأمين والصالح الساهر، الذي يتغلّب على الخوف والرعب، ويتجاوز مفهوم الواجب الديني الضيق، تتصف مبادراته بالواقعية والسخاء والشجاعة. إن انتظار السيد معناه تعريض المسؤوليات الخاصة للمجازفة. لا يطلب الله من الإنسان يوم الحساب ما أعطانا فقط، بل يطلب أكثر من ذلك بكثير. وبغض النظر عن الدينونة، من يبادر ويتخذ قرارات ينفتح على آفاق جديدة دائماً. أمّا من ينغلق على ذاته خوفاً ويرفض اغتنام الفرص التي تُتاح له فيصبح عبداً لا خير فيه. ربما يكون هذا معنى العبارة الغامضة: “من ليس له شيء، ينتزع منه حتى الذي له” (مت 29:25).

يتناول المثل التضاد بين العمل والنشاط والكسل والسلبية. ولكنه لا يهدف، مع ذلك، إلى مدح “الفاعلية”. إن هدفه ديني بحت. إنه يتوجه إلى الجماعة المسيحية المعاصرة له ويلومها على ضعف مبادراتها الإيمانية. لا مكان في المسيحية لجماعات مترددة، خائفة رافضة البشارة الإنجيلية. ربما يكون العبد الكسول هو من لا يعمل أعمالاً صالحاً؛ إنما الإنسان التقليدي المحافظ والرافض، عبد العادات، الذي يخشى كل تجديد تقتضيه ظروف البشارة بالإنجيل.

عن مجلة صديق الكاهن