stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

أيــن جمـــال النـفــس / رضا نادى شمعون

812views

gamalأيــن جمـــال النـفــس / رضا نادى شمعون

أيــن جمـــال النـفــس  

ذات يوم جلست تحت شجرة الصفصاف على ضفة النهر .. وتذكرت كلمات يسوع التي قالها منذ ألفي سنة وكأنها اليوم ترن في آذاني رناً قوياً :” في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ” ( يو 16 ).. فعندما يعتريني الحزن ويخنقني كرب الحياة وتحاصرني الهموم وينتابني اليأس ، أبحث جاداً  في داخلي فأجدك يا الله في قلبي جالساً وأبصر في نفسي ضوءاً يشبه ضوء الشمعة ، كي أخرج خارجاً عن همومي .. فأرى ما حولي في الحياة من أشياء طبيعية جميلة عذبة .. وعندما لا أراها يرجع السبب الرئيسي إلى إنغلاقي على ذاتي وتعودي البحث عن الشئ غير المفيد وغير النافع ..

وفي بحثي الحثيث وجدت أن حياتنا أضحت سدى بسبب بحثنا عن أخطاء وعيوب وسلبيات غيرنا ، دون أن نفحص أعماقنا .. فأدركت أيضاً أن جمال نفوسنا يكمن في نظرتنا الإيجابية القادرة على التغير والشفاء والعاملة بفاعلية .. فالنفس الجميلة ترفض أن تكون مخدوعة غبية ، بل تكون نفس جميلة ذكية واعية صادقة … فأنفسنا تحتاج إلى توعية عميقة وتدريب متمكن وتثقيف واسع المجالات ، كي تخرج من بؤرة فسادها وتفاهة فكرها .. 

ومن هنا ضرورة أن نتغذى بالفكر الطيب الإيجابي النابع من الإنجيل وحياة يسوع صورة الله المحبة ، أين الله المخلص ؟ عربون دخولنا إلى العرس السماوي وبعد ذلك ندنو من الآخرين حاملين ذلك الكنز الذي أخذناه من مصدر الخير والغنى والجمال … وجميل النفس سيرفض رفضاً قاطعاً أن يكون عبئاً وقسوة على غيره ، بل يُعطي دفعة التسامح القوية والرحمة الرأفة والقدرة على فعل الخير دون تمرد أو ثورة أو أنسياق أعمى وراء فكر يُهلك القيم الغالية ويفقد رونق كل ما هو جميل في حياتنا .. ومن يرفض الإنسان هو شخص ناقم على الحياة ، بعيد عن ذاته ، لأن الحياة بدون الإنسان لا تسمى حياة بل جحيماً ، موتاً أبدياً هلاكاً مفرطاً .. لأن كلمة حياة تساوي كلمة إنسان :” أتيت لتكون لهم الحياة وتكون وافرة ” إنها كلمات هدفها البنيان والخير .. هدفها أن يسير المرء نحو السماء بحب وتوق ورضا .. ومن لا يدنو من الآخر ومن ذاته لا يسير نحوها .. بل يشبه أوراق الخريف الصفراء اليابسة الساقطة ، التي لا إرادة لها لأنها ضعيفة أمام الرياح العاتية ، فأوراق الشجر يذكرنا بمعنى اليأس والهم والحزن الكامنة في أعماقنا … ولكن عندما أعزم أن أرى الوجود بجمال النفس وبنظرة التفاؤل تتغير الأفكار الراسخة في قاع عقلي وأشاهد كل شيء جميلاً وتتحول حياتي إلى أنشودة فرح ، لأن الفرح شرط ضروري  من شروط النشاط والنجاح والقدرة على تحقيق كل ما هو جميل ومفيد .. 

قدرة إبداعية خلاقة والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الحياة شيئاً جميلاً ، ” كن جميلاً فترى الوجود جميلاً ” ( إيليا أبو ماضي ) … لأن الجمال من صنع الله الخالق الذي يضعه في عمق الإنسان كي يكون بريقاً لامعاً ، يُضفي على حياته نظرة ساحرة فاتنة تخلب العقول  وتغوص إلى الداخل وتعينه في دربه .. وتشعره بالرضا والأمان ، وتنير طريقه الذي كان مظلماً من قبل ” فالشئ الجميل يحدث في النفس فرحاً دائماً لإبطاله العدم ” ( جون كيتس ) .. وجمال النفس لا يوقعنا في النظرة المتشائمة الكارهة المتمردة على الحياة وكل ما فيها … وعلى الأشخاص الذين يحيطون بنا من كل مكان بل تُرينا ما هو أبعد من الظاهر ومن نظرتنا الضيقة المخنوقة في الوهم والكذب والخداع … تقودنا إلى الجواهر وما أعظمه وأجمله في رحلة البحث السعيدة نحو الجمال الخالص .. فلا نملك السعادة المطلقة ولا نمسك العصفور الذي على غصن الشجرة عندما نطارده في أيدينا كي لا يموت بل نشعره ونشعر أنفسنا بالحب والود والإطمئنان . 

” فالجسد الجميل يجعل النفس جميلة وتلك هو المثل الأعلى”( ليو تولستوى) ، والجمال هو وليد الحب ونتيجة لتجسيده وتعميمه على الجميع والنفس الجميلة ترفض أن تكون باردة فاترة بل شعلة من الحماس نحو ما هو أحسن في وضع المحاولة المستمرة لتتجاوز صغائر الأمور الموجودة في الحياة والتي تعيق الفرح والسعادة والقبول لها … والذي يملك نفس جميلة لا يرصد عيوب الآخرين ولا يكن لهم الشر والعداء بل يرفض أن يكون ألد الأعداء للإنسانية وللحياة … وكل من يزاول الشفافية في حياته ثوبه الأبيض دائماً يكون نظيف لأنه حريص على نظافته والإعتناء به … ووجدت أيضاً وأنا غائص في كياني متأملاً فاحصاً له ، بعدما تبدلت نظراتي وأصبحت فرحاً بالحياة ، متفائلاً ..

أن الإنسان عندما يهتم بالأمور الجوهرية ويثنى عنه الأمور الثانوية التافهة التي تُثير حروب لا جدوى منها ومعارك دامية نحن بغنى عنها … هو إنسان عرف قيمة نفسه ووقته وحياته .. لا يسمح بإضاعة جهده وفكره في هدم وتدمير الآخرين والحط من قيمتهم ورفعتهم وشأنهم … والكارهون في الأرض لا يُحصى لهم عدداً وهم لا ينامون إلا إذا أكلوا لحم أخوتهم في الإنسانية … مشاعرهم مائتة ونفوسهم مريضة ونقاط ضعفهم معكوسة على غيرهم بحراب حادة مسنونة … فنفوسهم خاوية فارغة … إرادتهم مشلولة لا يعرفون الأفراح الحقيقية ، لأن أفراحهم مزيفة وتكمن في أحزان الناس .. فالكارهون يفرحون عندما يشاهدون دموع الآخرين تتساقط من عيونهم .. أما أصحاب النفوس الجميلة يسعون إلى الغفران ويتمتعون بروح الشفافية والبساطة في الحياة والقبول لغيرهم … هم قلوب تواقة مُحبة دائماً.. أيديهم تربت على أكتاف الضعفاء ، يمسكون بأيديهم ويشعرونهم بالفرح والقبول والإيمان وحب الحياة …

فيا من تساوره أفكار السوء .. ويتفنن في إبراز الشر .. أقول لك وأستحلفك بالله أن تقف وقفة صادقة مع نفسك وأعرف جيداً أنه إن لم تكن ذي نفس جميلة لا ترى جمال الحياة ولا جمال ذاتك ولا ترى البحر بصفائه ولا الأسماك السابحة في أعماقه بجمالها وألوانها … لا تشاهد ضوء القمر الخارق ظلامك في ليلك الداجي ولا الأشعة الذهبية التي تخترق قلبك الشرير .. ولا تسمع حفيف الأشجار أمام منزلك ولا زقزقة العصافير على أغصانك ولا رقصة النجوم السيارة في سمائك .. وذلك لأنك ترفض المن السماوي … تتمرد على عصا موسى وتشك أنها فلقت البحر وصنعت طريقاً لكن النفس الجميلة هي التي تسير بثقة وحب في ذلك الطريق ولا تسير وراء أشخاص تافهين هدفهم رغبات ونزوات فارغة عابرة .. بل يرفضون إمرأة فوطيفار العصرية، البارزة اليوم بطرق مختلفة، يكونون يوسفاً صديقاً آخر .. صادقين مع نفوسهم ، صارخين ضد الشر ومتمردين عليه … ولا يفعلونه لأنه شر أمام الله ويجرح حبه ..

فنفوسهم الجميلة تصحبهم لغسل أرجل غيرهم .. وتقسيم الخبز مع الجائع وإعطاء كسوة للعاري وزيارة حب للمريض الذي يُعاني من الألم والوحدة … إلهـــــــي ………أعطني أن أشعر بجمال نفسي ونفوس غيري … ساعدني كي لا أرفض أي إنسان بل أحب الجميع حباً فيك أيها الجمال والحب الأزلي .. أعطني فرح الروح الدائم .. فلا أرى صغائر الأمور التي تعوق إنطلاقي نحوك … قدني كما قدت التلاميذ وأوصلتهم إلى الشاطئ عندما هبت الرياح وكادت السفينة بكل من فيها أن تغرق وتنزل لقاع البحر .. أوصلني إلى مرسى النجاة واجلس في سفينتي وكلم الجميع عن حبك وخاطب نفسي المريضة لتُشفى من عليلها .. اجري عجائباً ومعجزاتاً لتتمجد في ضعفاتي وهفواتي وأحزاني .. أنر قلبي وعقلي كي أقتني حبك ويصحبني هذا الحب في مسيرة حياتي ، رغم حيادي عن دربك في بعض الأحيان  .. فلا أكون كارهاً ناقماً صانعاً الشر ، بل لك وحدك أتحرك وأوجد وأحيا .. فأنت المرآة التي أرى فيها ذاتي على طبيعتها وفطرتها .. فلا أسير مع أصحاب القلوب المظلمة ذوي الأفكار الهدامة والنظرات الناقمة الهالكة لكل ما هو جميل ولا أجلس مع المستهزئين ولا أعاشر من هم يحتضنون الشهوة والخطيئة ، بل أجلس على مائدتك ، أكون مدعواً لعرسك … لا بساً حُلة العرس … جالساً بجوارك … فأنت السعادة المرجوة والفرح المنشود .. والكلمة الخارجة من أعماق صادقة صافية … يغمرها الطهر والنقاء … طهر القلب ونقاء العقل … أنت الجمال المطلق وجمال نفسي يكمل بالإتصال بك … لأنك الحب اللامتناهي وقلبك يحتضن ويرحب بي … فجمال نفسي بك يكون لأنك أنت يا رب جمالي الوحيد وهدف حياتي .