stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

أيليا النبى .4

1kviews

الثقة

للأب هاني باخوم ‏

رأينا في المرة السابقة ان الأرملة التي قابلت ايليا لا تملك شيئا كي تطعمه. فلديها ما يكفي ‏فقط لوجبة واحدة لها ولابنها وبعدها يموتان. وامام هذا الواقع لا يتردد ايليا، فجوابها اكد له ‏انها الأرملة المقصودة. هذا يبدو غريباً، لكنه الواقع. نعم ايليا نبي نشأ على منطق الله. فالله لا ‏يدبر له ارملة غنية لكي تعيله، بل ارملة فقيرة، لا تملك إلا القليل من الخيرات، لكي تَظهرَ ‏قدرة الله ليس فقط في تدبير الطعام، بل في تدبير انسان مُستَعد ان يُعطي ما له، حتى القليل، ‏لأنه يثق بالإله الحي. هذا هو الحدث الأكبر. الله يجعل الإنسان شريكاً له في إطعام الآخرين ‏من القليل الذي لديه. بل بالأحرى الله يريد ان يُطعم هذه الأرملة. القليل سيكون على الدوام ‏كافياً لها ولإبنها وللنبي. نعم، لذلك تأكد ايليا انها الأرملة المقصودة. فهو لا يتعثر من حالة ‏الأرملة الفقيرة، ولا يشك في حب الله لها. ايليا نبي الله، ويعلم ان الله يريد الحياة لها، فقد ارسله ‏اليها لكي تعيله فتتلقى الحياة. ايليا صورة للمسيح الذي سيطلب الماء من السامرية، لكي ‏يعطيها هو ماءً، من يشرب منه لا يعطش ابداً. لذا يقول لها ايليا: “لا تخافي! أُدخلي فأعدّي ‏كما قلتِ، ولكن اعدّي لي من ذلك أولاً قرصاً صغيراً واتِني به، ثم أعدي لكِ ولابنكِ بعدئذ. فإنه ‏هكذا قال الرب اله اسرائيل: إن جرة الدقيق لا تفرغ وقارورة الزيت لا تنقص، إلى يوم يرسل ‏الرب مطراً على وجه الأرض” (امل 17: 13ـ14).‏
لكن، كم هو قاسٍ طلبك يا ايليا! تطلب من الأرملة ان تخاطر بما لديها لتطعمك انت اولاً، ثم ‏تأكل هي وابنها، وتَعدها بعد ذلك ان لا شيء سينقص!! لماذا لا تكثّر ما لديها من دقيق وزيت ‏اولاً فترى المعجزة وتؤمن بك وبإله اسرائيل؟ لماذا يجب ان تخاطر اولاً؟ هل هذا تطرف في ‏امتحانها ام انك تجبرها على صنع ما تريده انت؟ ام هذه هي قمة الاحترام لها؟ نعم قمة ‏الاحترام لحرية هذه الأرملة. فالله لا يفرض عليها معجزة كي تثق به، بل يجعلها حرة. يدعوها ‏بكلمة ان تثق به، بدون ان يقوم بما هو فائق للطبيعة لإخضاع حريتها. فقط يدعوها لتثق بكلام ‏النبي لأنه مرسل من قبله تاركاً لها القرار. الأرملة حرة في ان تقرر: تأكل ما لديها مع ابنها ‏وتموت، ام تخاطر بما تبقى لديها من حياة من اجل حياة اكبر موعودة بها. الأرملة تُحب الحياة ‏وتحياها حتى آخر لحظة كحياة، تقرر وبدون كلمة ان تمضي وتعد كما قال لها النبي. وبالفعل ‏جرة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص (امل 17: 15ـ 16). ‏
‏”جرة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص” لا يقول الكتاب ان جرة الدقيق “امتلأت” بل ‏‏”لم تفرغ”، او ان قارورة الزيت “ازدادت” لكن يقول لم “تنقص”. اي ان القليل بقي قليلاً. ‏الأرملة في كل مرة تذهب لتحضِّر الخبز،عليها ان ترى ان ما لديها يكفي فقط لها ولابنها كي ‏يأكلا وبعدها يموتان. اي كل مرة يجب ان ترجع وتثق من جديد بإله اسرائيل وبكلام النبي. ‏قرار ثقتها يجب ان يؤكَد كل مرة، بل بالأحرى عليها كل يوم ان تقرر من جديد وكأنها المرة ‏الاولى. كالشعب في الصحراء، عليه ان يجمع المن يوماً بيوم، وان جمع ليومين يفسد الطعام. ‏دائماً لديه ما يكفي يومه. وفي اليوم التالي سيجد ما يكفيه ايضاً. اي ان الأرملة كشعب اسرائيل ‏مدعوة ان تحيا اليوم دون ان تحمل همّ الغد، ان تحيا اليوم من اجل اليوم، وهكذا تحياه بالملء، ‏لان ما لديها يكفيها اليوم. الله يعتني بالأرملة الفقيرة تاركاً اياها فقيرة لا يغير حالتها وفي نفس ‏الوقت لا يَنقصها شيء ولا ينقص مما لديها شيء. ‏
بهذا التمرين القاسي على الثقة التي يجب ان تتجدد يومياً بالله، تتعلم ان حياتها لا تأتي من ‏الجرة او القارورة، بل من كلمة النبي ووعده باسم اله اسرائيل. هكذا لا يتعلق قلبها الا بتلك ‏الكلمة ولا تثبت عيناها الا على ذلك الوعد. وهكذا تحيا هي وابنها. اي انها تختبر ان مصدر ‏حياتها هي كلمة الله ووعده. فتختبر كشعب اسرائيل في الصحراء “انه ليس بالخبز وحده يحيا ‏الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (تث 8: 3).‏
نعم تختبر الأرملة الحياة الحقيقية من خلال ثقتها باله اسرائيل ويختبر النبي ايليا كذلك تحقيق ‏وعد الله. فالله صادق وقد تمم وعده له ولها، فحضَّرها كي تعيله وارسله اليها كي يمنحها وابنها ‏الحياة. لكن يا ليت الأحداث تمر هكذا بسلام!! يحدث شيء غريب، بل شيء يناقض كل ما قيل ‏حتى الآن. حدث يجعل الأرملة تشك في سبب مجيء ايليا اليها. فماذا حدث؟
الى المرة القادمة….‏
ايام مباركة.‏