الخوف
للأب هاني باخوم
فُضح بعل وظهر انه ليس بإله، فهو لا يستجيب وقت الحاجة. هو ليس الله. ويعلن الشعب ان الرب هو الإله، نعم الرب هو الإله. ينتهي بعل من ايمان الشعب الذي لم يعد يرى فيه مصدراً للضمان والثقة.
لكن أحآب زوج، او بالأحرى عبد ايزابيل، يمضي ويخبرها بكل شيء. فتعلن ان ايليا هو السبب ولذا يجب ان يموت، فتقرر قتله. امام هذا التهديد، ماذا سيفعل النبي الذي رأى الغراب يطعمه بأمر من الرب، رأى ارملة فقيرة تعطيه ما تبقى لها لتحيا، رأى الميت يقوم، ورأى النار تنزل من السماء ملتهمةً الثور، ماذا سيفعل من رأى قدرة الرب ومجده؟
يقول الكتاب: “خاف ايليا وقام ومضى لإنقاذ نفسه” (1مل 19: 3). خوف ايليا طبيعي، فمن لا يخاف امام تهديد الملكة له بالموت؟ من الطبيعي ان يخاف ، لكن ان يقرر ان ينقذ نفسه بنفسه؟! فحياته هي نموذج للشعب ولنا، فيها تجسيد لتجاربنا ومخاوفنا؛ حياة من خلالها يوضح الرب حياتنا ويعطينا مفتاحاً لفتح اسرارها.
الشعب ترك بعل كضمان. ما يشعر به الإنسان اولاً عندما يترك ضمانه هو انه في خطر. اكتشف ان من كان يؤمّن له الحياة غير قادرعلى فعل ذلك، لذا تركه. يشعر بالخطر، فمن سيؤمّن حياته، من سيعطيه ما يحتاجه من حب وعواطف ومال وامان وصحة ومتعة و و و…، من؟ بعل غير موجود، واكتشفنا انه غير قادر، لذلك يظهر الخطر. اذاً المشكلة ليست في عبادة بعل. فلا يكفي ان نتركه، لا يكفي ان نترك عبودية معينة، فكما سيقول المسيح اذا خرج شيطان من البيت يرجع اليه ومعه سبعة اعظم منه كي يسكنوه. المشكلة اذا ليست في بعل. المشكلة هي ان الإنسان وقت الخطر، الموت، الوحدة، التجربة…، يحاول ان يخلص نفسه بنفسه. من هنا اتَى بعل. فحتى وإن زال يبقى مصدره وأصله موجودان. استقلالية الإنسان في خلاص نفسه. هذا يخص كل انسان؛ انا وانت. فأمام زواج متعثر، امام تجربة في الدعوة اوصعوبة، امام خطر، امام شعور بالوحدة او اي الم…، الإنسان يحاول ان يخلص نفسه ويقرر لنفسه: يطلّق كي يتحرر من صعوبة الزواج والمه، يترك الدعوة كي لا يسقط من جديد او يتخلص من صعوباتها ومتطلباتها، يبحث عمن يملأ وحدته…. يخلص نفسه. من هنا نخلق بعل. مات بعل لكننا بعملنا هذا ومع ايليا نصنع بعلاً آخر. انتهى بعل، لكن الشعب لم ينته من ان يخلص نفسه بنفسه. ايليا يخاف، وماذا يفعل؟ يقوم لينقذ نفسه. حتى ايليا يجب ان يتحرر من بعله الحقيقي. من وهم الخلاص الذاتي ومن الخوف من الموت.
يهرب ايليا الى الصحراء، الى حيث يصعب على ايزابيل ايجاده. يهرب كي يخلص نفسه، لكنه يهرب الى الصحراء حيث لا توجد حياة. فيجد نفسه في مكان موت. غريب الإنسان! من خوفه من الموت يهرب الى الموت. يعتقد انه سيخلص ذاته بذاته فيجد نفسه في هوة اكبر.
خوفاً من الموت، يهرب ايليا قائلاً للرب دعني اموت فأنا لست افضل من ابائي. هم ايضاً ماتوا وحياتهم انتهت. امتني انا ايضاً. لماذا يجب ان احيا، كي اموت على يدي ايزابيل؟ اموت الآن افضل من وقت الضيق قبل ان تقتلني. خوف الإنسان العميق من الموت يجعله يحيا باحثاً عن الموت. يجعله يموت في كل لحظة.
فينام ايليا، والنوم علامة على الموت المسبق. لأن الإنسان لا يستطيع خلاله القيام بأي شيء، ولكنه ايضاً، الوقت المناسب لتدخل الله. فيرسل الرب اليه ملاكاً فيقول له: “قم وكل”. الرب يأمر النبي بأن يقوم ويأكل، اي ان يعود الى الحياة التي تركها من خوفه ان يفقدها. وهنا يرجع النبي ويطيع، فيقوم ويأكل. لا كلام، لا عتاب، لا لوم على عدم الإيمان. ايليا كان ميتاً والآن هو حي. قام ويجب ان يأكل، هذا هو المهم. فالإيمان عطية وطريق.
فيستعيد قواه ويبدأ بالسير من جديد لا لكي يهرب من ايزابيل بل باتجاه جبل حوريب حيث تنتظره مقابلة اصعب من مواجهة ايزابيل، حيث ينتظره من كان يبحث عنه طوال الوقت. من؟…………الى المرة القادمة.
ايام مباركة.