مرذولٌ من الناس لأنه أبرص… محضونٌ من المسيح لأنه إنسان …
– أحدٌ ثانٍ يُطل علينا في زمن الصوم ، مع صرخة رجُلٍ لا ذنب له ولا لوم عليه ، سوى أنّه أبرص .
وهل البرص مجرّد كلمة تتلفظها الشفاه؟
“ربي وإلهي نجِّنا من هذا المرض الفتاك …”
هذه هي صرخة كل إنسان عندما يسمع بمرض البرص أو بأي نوعٍ آخر من أنواع الأمراض العُضالة التي تنهش الإنسان جوفاً وقَالَباً.
نعم إنها قوة المرض الغازية المجرمة التي تجتاح المريض ومن حوله ، خاصةً إذا كان المَرض مُعدٍ ونتائجه وخيمة تُشَوّه جسد الإنسان وتُبعد عنه أعز الناس أو حتى بالقوة ،كل الناس ، كما وتمنع عنه كل حقٍّ بممارسة حياةٍ طبيعية كسائر البشر…
أمام هذا الواقع الأليم ، يسقط الشك على فكر البشر كالقذائف القاتلة ويعلو الأنين ويشتد العتب والصراخ عند أصحاب الإيمان المُتأرجح . شكٌّ مُهلك وأسئلة صاخبة يتردد صداها : أين عدالة الله ؟ أين هو حب الله ؟ أين اختفت قُدرة الله؟
وهل المريض يُعاقب جرّاء أخطاءٍ ارتكبها ؟ …
كَمٌّ هائل من الإستنتاجات والأسئلة لا تُحصيها الحروف ولا تكفيها السطور!!!
وماذا نفهم من طلب الأبرص ليسوع :
” يا ربي إن شئت فأنت قادرٌ أن تطٓهّرني”
ولماذا لا يُجيب اليوم المسيح على استغاثة كل مريض ويحصل منه على ذات الجواب :
” لقد شئتُ فاطهُر “؟؟؟؟؟؟لماذا؟؟؟؟؟؟
لماذا التفرقة والتمييز ولماذا يقل عدد المَشفيين عن عدد ضحايا الأمراض ومنهم الأطفال الأبرياء والأمهات القديسات والشبان والشابات ، والآباء مُعيلو البيوت والعِيٓل …؟؟؟؟؟؟لماذا؟؟؟؟؟؟
وبعد زحمة الأسئلة تأتينا من الناس الإجابات ذاتُ المِحورين :
٠المحور الأول ، من يقولون أنه القضاء والقدر
٠المحور الثاني، من يعتبرون أن هذه هي إرادة الله.
في الواقع يا إخوتي الأحباء ، لا المحور الأول ولا حتى الثاني هما واقع حال ما يجري معنا في يومياتنا من أمراضٍ وموتٍ مفاجىء وقتل أبرياء في الحروب ، وخسران شبان في ربيع العمر جرّاء الحوادث وموت الأطفال والأجنة …
نحن لسنا بقَدَريين ولا نعترف بالقدَر انما بقدرة الله التي لا تسبب للإنسان إلا الخير والمحبة. وعناية الله ليست مُوَلّداً لطاقة الشر التي ولّدها الإنسان بالمعصية والخطيئة والرفض وتشويه الطبيعة المسبب للأمراض الخطيرة وإستعمال المخدرات والمُسكرات القاتلة والقيادة بسرعة تفوق الريح وعدم انتظام طريقة عيش المرأة الحامل مع جسدها الحساس الذي لا يحتمل في وقت الحمل ، الإرهاق والدخان والمُسكر والأراجيل …وأسباب كثيرة تعرفونها…
قدرة الله لا تُجبر الإنسان على اقتناء الأسلحة للشر، وليست مسؤولة عن الفوضى والقذارة ولا عن التلوّث والخطيئة ولا عن أعمال الضغينة والإنتقام …
وإذا ما سألنا نفوسنا لماذا سمح الله بالعِلم والطب والعلاج ، فواقع الجواب يُجيبنا عن حقيقة الواقع المجبول بطبيعة الإنسان البشرية وبالبيئة الطبيعية.
هاتان الطبيعتان (الطبيعة وما تحويها من مخلوقات ونباتات وحياة والطبيعة البشرية بما لها على صورة الله من جمال وفهم وعقل وإدراك).
إن هاتين الطبيعتين هما هدية الله للإنسان، وهذا الأخير مُنح من الله حُرية الخيار والإختيار بطريقة العيش وتحديد المسار .
وعلينا باليقين أن الله لا يُعاقب الإنسان بالمٓرض، انما يمنحه قوة الصبر والإرادة ويُسخّر لأجله العلوم والعقول ليؤكد للمريض والصحيح، أنّه يثق بنا ويحملنا بحبه في كل حالات العيش وخلال هذه الفترة الزمنية المحدودة التي نعيشها على الأرض، مهما طالت أو قصُرَت.
معونة الله تأتينا في وما بعد امتحان التجارب. أما المكافأة فتأتينا فقط بعد اجتياز المحنة بإيمان وصبر ورجاء. ورغم الآلام والصدمات التي نُقاصي عذاباتها جراء المرض والموت وفي كل أشكالهما المختلفة، أسمح لذاتي باختصار جوابٍ واحد يأتيني في قلبي وايماني ومن شدّة اليقين؛ وفي هذا الأحد المبارك أتركه لكم كي تتأملوا وتصلوا وتقتنعوا . وهذا هو الجواب :
أرجوكم باسم المسيح : لا تسمحوا للمقارنات في إيمانكم بين خاطىءٍ حصل على الشفاء وإنسان بريء مات ضحية حادث أو مرض.
لا تُحجّموا عناية الله ومحبته وعجائبه بعدد السنين التي نعيشها على هذه الأرض ، استعملوا عقولكم للتفكير والتمييز بين ضحايا الشر الملازم لنا في هذه الحياة واستعملوا إيمانكم لتُدركوا أن من تغلب على تجارب الشر والبشر خلال سنين معدودة فله إكليل الظفر والفرح والراحة في حياةٍ لا تحُدُّها السنين ولا يغزوها الأشرار ولا مكان للأمراض والأوبئة فيها…
فطوبى وكل الطوبى لكل من تيقنوا عِظم محبة وعدالة الله…
والصلاة كل الصلاة لكل الباحثين عن هذه الحقيقة السامية …
والويل كل الويل لمن يشككون بعدالة الله ويرفضون حياة الأبد لأن ايمانهم مرتبط بهذه الدنيا معتبرين أن السماء أسطورة لم يُخبرنا عن حقيقتها أحد …
فيا ربي أنت شئت أن تطهرنا من مرض الشك بعنايتك وعدلك ، فامنحنا بقدرتك نعمة التغلب على تجارب الحياة التي تُضلّـلنا عن حقيقة رحمتك وحبك…
صيام مبارك للجميع
الخوري فريد صعب