stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

أيوب 1 ” أوجاع البار “

1.3kviews

للأب هاني باخوم‎ ‎

العقل او الحكمة البشرية، تستطيع ان تفسر سبب الم الشّرير، الخاطىء اوالمذنب. فنقول ان هذا الألم او تلك المصائب ‏التي تصيبه قد تكون عقاباً من الله، لكي يكفر عن ذنبه. بمعنى انه يستحق هذا الالم؛‎ ‎لقد اذنب وهذا هو الجزاء، فهو ‏يدفع ثمن ما فعل.‏
اذا إفترضنا ان هذا التفسير صحيح، فكيف‎ ‎يمكننا ان نفسر الم البار، الم الغير مذنب، الم من يولد بإعاقة، الم الاطفال ‏من‎ ‎جراء الحروب، الم المرضى النفسيين و العقليين، الم من تقع عليه خيانة ؟
سؤالنا اذاً: لماذا يتألّم البار، الذي لم يذنب؟ وهذا السّؤال يدفعنا لطرح سؤال آخر: لماذا يسمح الله بهذا الألم ؟ من هو ‏هذا الاله الذي يسمح بألم كهذا ؟ اي منفعة له او للإنسان من خلال هذا الالم ؟ السّؤال يبدأ اذا بلماذا الم البار ؟ لكن ‏يجعلنا نسأل بعد ذلك من هو الله وما علاقته بالإنسان؟‎ ‎
اسئلة عديدة، لا ادّعي انني سوف اجيب عنها في هذه الصّفحات، ولكن كلّ ما اطمح اليه هو ان ندخل سويّاً في هذا ‏السّر الكبير، ونحاول ان نترك انفسنا لكلمات الكتاب، كلمات سفر ايوب، لتروي ولو جزءً من عطشنا‎ ‎للحقيقة‎.‎
حياة ايوب، او بالاحرى خبرة ايوب مع الله هي مدخل لهذا السّر الكبير. فالكتاب المقدس لا يعطينا اجابات مصنوعة ‏او افكاراً‎ ‎ليرد بها على هذا السّر ولكن يعرض لنا خبرة شخص، خبرة ايوب‎. ‎
ايوب رجل من ارض عوص، والّتي من المحتمل‎ ‎ان تكون في جنوب أدوم، اي انه من ارضٍ الى حدٍ ما مجهولة. ‏يقول المفسرون ان الكتاب يقصد بهذا ان ايوب انسان غير معروف مجهول الجذور والأصل. هو رمز لكلّ انسان. هو ‏انسان‎ ‎كلّ مكان وكلّ زمان. اي ان خبرة ايوب هي خبرة عامّة وهامّة لكلّ انسان على‎ ‎الأرض‎.‎
ايوب شخص كامل ومستقيم، يتقي الله‎ ‎و يجانب الشر. لم يكن فقط باراً بل كان يبرر الآخرين ايضاً. كان يقدّم ‏المحرقات‎ ‎عن اولاده ليكفّر عن اخطائهم الّتي ارتكبوها. كان مباركاً من الرّب، له سبعة‎ ‎بنين وثلاث بنات، اي عشرة ‏اولاد، وهذا الرّقم يرمز للتمام. كان غنيّاً بالأرض والخدم‎ ‎وايضاً بالصّحة. كان رجلاً سعيداً، عائلته مرتبطة بالحبّ ‏والسّلام. لقد كان كلّ من ابنائه يقيم مأدبة في يوم ما ويدعو اخوته للاحتفال معه‎.‎‏ ‏
فحياة ايوب تمثل واقعياً حلم السّعادة‎ ‎والطّمأنينة‎.‎
وفي لحظة، يحملنا سفر ايوب من الارض‎ ‎الى السماء، الى ذلك المشهد الغريب؛ كل الملائكة يتقدمون امام الله ومعهم ‏ابليس‎ ‎‏ يقول الله للشيطان: أرأيت كيف ان ايوب رجل كامل ومستقيم؟ فيرد الشيطان على الله‎ ‎قائلاً: ان ايوب بار ليس ‏حباً بك وليس مجاناً، بل لأنّك باركته واعطيته كل شيء. فهو‎ ‎يستفيد من بركتك لذا يعبدك.‏
هنا سفر ايوب يستخدم كلمات المجرب ليطرح السّؤال: لماذا نعبد الله؟ لماذا ايوب هو بار؟ هل الانسان، ايوب، يعبد ‏الله ويسبحه لأنّه هو‎ ‎الله، لانّه هو اله المحبة، لانّه مستحق هذا الحبّ، لانّه هو الجمال نفسه، لانّه هو الخير‎ ‎في حد ‏ذاته؟ او يعبد الله لانّه مصدر الخيرات، والبركة؟ أيعبد الله من اجل الله او‎ ‎من اجل خيراته؟ هذا ليس تلاعباً بالكلمات ‏او فلسفة عن الدّيانة. بل سؤالاً عن طبيعة علاقة‎ ‎الانسان بالله. هل الانسان يحبّ الله؟ ام يخاف الله (لا اقصد المخافة، ‏والتي هي شيء‎ ‎مقدس ورأس الحكمة). الله مصدر خيرات وان لم اكن اميناً له لن يباركني. سيتركني للفقر و المرض ‏لذا من مصلحتي عبادته. اذا ظهر من يعرض علي اكثر مما اعطاني الله من‎ ‎سأتبع؟
ايوب يفقد ابنائه وخدمه وممتلكاته‎.‎‏ يفقد العائلة المباركة، ويفقد كلّ ما جمعه بلا سبب. ايوب لا يعرف شيئاً عن ‏الحوار الذي‎ ‎دار بين الله والشّيطان. ايوب لا يدري بشيء. كان غنياً و محاطاً‎ ‎بالبنين، كان في عيد مستمر والآن كل ‏شيء انتهى ولا يعرف لماذا. وبالرغم من كل ذلك‎ ‎يستمر في بركة الله وعبادته ويقول: ” عُريانا خرجت من بطن ‏امّي وعرياناً اعود اليه،‎ ‎الرّب اعطى والرّب اخذ فليكن اسم الرّب مباركاً “. (ايوب 1: 21) ‏
كان من الممكن ان ينتهي هنا سفر ايوب.‏‎ ‎ونعلن انتصاره. فقد اثبت انه كان يعبد الله من اجل الله ليس من اجل خيراته. ‏ايوب فقد كلّ شيء‎ ‎ومازال باراً واميناً‎.‎
لكن سفر ايوب لا ينتهي، بل يصعدنا من‎ ‎جديد الى السّماء، لنسمع الحوار نفسه بين الله والمجرب. فيقول المجرب: لا،‎ ‎المحنة التي مرّ بها ايوب لم تمسّه هو. بالتأكيد قد تألم وحزن لموت ابنائه و فقدانه‎ ‎للخيرات ، لكنّك لم تلمس جسده ‏ولحمه . ان لمست ذلك في ايوب، يقول المجرّب لله ، سترى انه‎ ‎سيجدّف عليك في وجهك. فالتّجربة يجب ان تلمس ‏حياته نفسها، والّتي هي الخيرالاعظم لكل‎ ‎انسان، والّتي عندما تكون في خطر هناك تظهر اولويّات هذا الانسان‎. ‎
يصاب ايوب بقرح خبيث في كل جسده . فتقول‎ ‎له زوجته، الّتي هي لحم من لحمه، وكأنّ جسد ايوب يكلّمه: ” أإلى ‏الآن متمسك‎ ‎بكمالك ؟ جدّف على الله ومت. ‏
ايوب يردّ على تجربة زوجته، اي على جسده قائلاً: انّما‎ ‎كلامك ككلام إحدى الحمقاوات. أنقبل الخير من الله ولا نقبل ‏منه الشّر؟ ” (ايوب 2 : 10 )‏
وبهذا يعلن ايوب صدقه في عبادة الله،‎ ‎ايوب يحبّ الله لانّه الله. ويقول الكتاب ان في كلّ هذا ايوب لم يخطىء بشفتيه، ‏اي‎ ‎لم يجدّف بل استمر في كماله. وهنا بالفعل كان من الممكن ان ينتهي سفر ايوب. فالمجرّب‎ ‎قد اختفى، وايوب ‏استمر في بره. لكن الكتاب لا ينتهي بل يبدأ. كلّ هذا ما كان الا‎ ‎مقدّمة لسفر ايوب، لأن الكتاب يريد ان يأخذنا لشيء ‏اعمق من سبب الألم يريد ان يدخلنا‎ ‎في سر علاقة الانسان بالله و من هو هذا الاله‎. ‎
يأتي ثلاثة اصدقاء لكي يعزّوا ايوب في‎ ‎آلامه. يبقون معه لمدة اسبوع دون ان يقولوا كلمة. وبعد ذلك يحدث شيء ‏غريب؛ يفتح‎ ‎ايوب فمه ويلعن يوم ولادته، يرغب الموت، بل يرغب لو لم يكن قد ولد اصلاً،‎ ‎يخرج عن وعيه، عن ‏برّه، ماذا حدث؟ ماذا جدّ لكل هذا؟ كنا نتوقّع ان الامور ستتحسّن.‏‎ ‎فإبليس قد اختفى من القصّة، ولم يعد يتّهم ايوب، ‏والكتاب اعلن ان ايوب لم يخطىء حتّى‎ ‎الآن. آلام ايوب هي نفسها كالسّابق و الّتي امامها بارك الله. فماذا جدّ لكي يلعن‎ ‎يوم مولده ويخرج عن صوابه هكذا؟
‏ سنتناول هذا الشّيء في الجزء‎ ‎الثاني من ايوب ‏‎.‎‏ ‏