في رِسالته الرَّعَوِيَّة “حُلولُ الأَلْفِية الثالثة ” (Tertio Millenio Adveniente) يُعلِّمنا قداسةُ البابا يوحَنَّا بولس الثاني أنَّ مِن بَين الخَطايا التي تتطلَّب التزامًا أكبرَ في التَّوْبة والنَّدامة يُمكنُنا بالتأكيد ذِكرُ تِلك التي تَسَبَّبَت في الإضرار بِالوَحدة التي يَرغَبها اللهُ لِشعبه. لَقد مَرَّت الوَحدةُ الكَنَسيَّة خِلالَ المِئَة عامٍ الْفائِتة – أَكثرَ بكثير مِمَّا حدث في الأَلْفِيَّة الأولى – بِجُروحات أليمة تُناقِض عَلانيةً إرادةَ المسيح وتمثِّل تَشكيكًا للعالم. تلك الجُروحات لم تكن في كثيرٍ من الأحيان بعيدةً عن أخطاءِ البَشر من الطَّرَفَين.
إن الكنيسة عليها في هذه المرحلةِ الأخيرة مِن الأَلفيَّة أن تَتَوجَّه بِتَضَرُّعٍ مَحسوسٍ إلى الروح الْقُدس راجِيةً منه نِعمةَ الوَحدة للمسيحيين [1].
يَجب عَلينا إذًا أَن نَلتزِم في كُلِّ أعمالِنا لِلعمل من أَجل الوَحدة التي يَرغب فيها المسيحُ لِشَعبِه حَتَّى يَصيرَ هذا الشَّعبُ هَكذا شاهِدًا أمام العالم، عالِمين دونَ شَكٍّ أَنَّ الوَحدة هي عَطيةٌ مِن الروح القدس.
يَجب عَلينا أن نساعدَ هذه العَطية بدون الوقوع في استخفافات أو تشدُّدات عند الشَّهادة للحَق.
لَقد ظَهَرت مُنذ البَدءِ انشقاقاتٌ في كنيسةِ الله الواحدة والوَحيدة هَذِهِ (كما نَرَى في العَهد الْجَديد نفسِه)، وَتَوَلَّدت في القُرون التالية انشقاقاتٌ أَوسَعُ وانفَصَلَت جَماعاتٌ لَيست بالقَليلة عن الشَّرِكة التَّامة مَع الكَنيسة الكاثوليكيَّة [2].
إنَّ أََبْرَزَ الجَماعات التي انْفَصَلَت عَن هَذِه الشَّرِكَةِ التَّامة هي الكنائسُ الشَّرقية القديمة (الأَرْمَن، الأَقباط، إلخ) والكنيسة الأُرثوذوكْسِيَّة والجَماعات البْروتِستانتية.
في القرن العِشرين تَوَلَّدتْ لَدَى كثيرٍ منها الرَّغبةُ في العَودَة إلى الوَحدة التي يَرغَبُها المَسيح، وَهَكذا ظَهَرَ ما يُسمَّى بِالاِلتِزام المَسْكوني أو المَسْكونِيَّة، أيْ العملُ الْمَبذول مِن قِبَل المسيحيين لِتَخَطِّي هَذِه الانقِسامات. وفي الواقِع فإنَّ الْعَمَل مِن أَجل الوَحدة قَد وُجِدَ دائِمًا في الكنيسة الكاثوليكية ولكِنه أَخَذَ دَفعَةً قويَّةً في القَرنِ الماضي.
وفي رسالة ” لِيَكونوا واحدًا ” يُجْري البابا يوحنا بولُس تَقييمًا لِما تَمَّ التَّوَصُّل إليه حَتَّى لَحظَة كِتابَة هَذِه الرِّسالة الرَّعوية. وَفي الواقع تُعتَبَر ” لِيكونوا واحدًا ” اللائحةَ العُظْمَى (Carta Magna) للمَسكونِيَّة، مِمَّا يُلزِمُ كلَّ مَنْ يَهتَمُّ بأَمْرِ المَسكونية أن يَعرفَها.
بِبساطَة، وكَمُساعَدة، وَلِتَجنُّب خطإٍ يَقع فِيه الكَثيرون، يَجِب الأَخذُ في الاِعتِبار أَنَّ المسكونِيَّة لا تَتَعارض مع الرِّسالةِ ولا مَع الروح الإرساليَّة. كَما أنها لا تَبحَث بِأيِّ حالٍ مِن الأحوال عَن تغيير وَديعَةِ الإعلان الإلَهي ولا حقائِقِ الإيمان. هذا يعني: أننا تَلَقَّينا أَمر المسيح بِإعلان الإنجيل لكلِّ النَّاس وهو بِمثابة فَرضٍ عَلَينا. والمَسكونِيَّة تَسعَى لأَن يَبحَث المَسيحيون مَعًا عَن الحَقيقَة في إِطار مَناخٍ مِنَ المحبة. فَالحَقيقَة تَفْرِضُ نَفسَها بِقُوَّتِها الذَّاتيَّة، وَلَكنَّ البشرَ أَحيانًا لا يُريدون رُؤيَتَها بسبب اتِّباعهم لِشَهَواتِهِم. وَلَقد حَدَثَ ذلك في التَّاريخ بِسَبب مشاكِلَ ثَقافِيَّةٍ وَلغَوِيَّة وسُوءِ تَفاهُم، ولَيسَ بدون خَطإٍ من قِبَل البَشر مِن الطَّرفين وُجِدَت الانشِقاقات في الكنيسة. فإذا أُعيد بِناءُ مَناخِ المَحبَّة فإن كُلَّ ذَلِك مَصيرُه إلى الزَّوال.
إنَّ الحِوارَ المَسكوني هو بَيْنَ المَسيحيين، أيْ بَين الَّذين يَقبَلون بِوجود ثَلاثَةِ أَقانيمَ في الله وبِتَجسُّدِ ابنِ الله. أمَّا الحِوارُ مَعَ الدِّيانات غَيرِ المَسيحية فيُسَمَّى بِالحِوار بَين الدِّيانات.
وهذا يَعني أنَّنا نحن المَسيحيين هُم مَن يُؤمِنون بِالله الواحِد والثَّالوث وَبِأَنَّ ابنَ الله قَد صارَ بَشَرًا مِن أجل خلاصِنا.
الشَّواهدُ الكِتابيَّة التي تَتَكلَّم بوُضوحٍ أكبرَ عَن هَذا المَوضوع هي صَلاةُ يَسوع في العَشاء الأخير: “لِيكونوا واحدًا كما أَنْتَ وأنا واحِدٌ، أَيُّها الآب“. وكذلك الوَعْدُ النُّبوئي لِلمسيح: “سَيكونُ هُناك رَعيَّةٌ واحدة وراعٍ واحِد“.
أمَّا الحِوار بَين الأديان فإِنَّهُ على العَكس يجب أن تكونَ غايَتُه هِي البَحثُ عَن التَّفاهُم مَعَ الدِّيانات غَيرِ المَسيحيَّة بحيث يَسودُ العَدلُ والسَّلام في العَالَم، إذْ أنَّ الاختِلافات مَعَ غَيرِ المَسيحيين أَعظمُ. هذا هوَ مَعنَى اجتماعات أَسيزي مَثلاً.