stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

إرحمنى يا الله كعظيم رحمتك – الأب وليم سيدهم

1.8kviews

هذا المزمور الخمسون هو قطعة شعرية من أروع نصوص الكتاب المقدس، وعُرف ‏هذا المزمور الذى يبدأ بطلب الرحمة من الله على أنه أروع ما تفوه به داود النبى بعد ‏خطيئته مع “بثشبع” إمرأة أوريا الحثى. ‏
وهى ترينا الوجه الآخر لداود النبى و الملك فبعد أن أرسل الله ناثان للنبى داوود كى ‏يخبره بفعلته الشنعاء استيقظ داود من غفلته التى جعلته ينسى إنه عبدالله و ليس إله و ‏يعترف بإنه مجرد رجل خاطئ و أن ما فعله من زنى و قتل هو انتقاص من حق الله ‏عليه و غرور ما بعده غرور جعله ينسي الخالق في سبيل تنفيذ نزواته و شهواته.‏
إنه يخاطب الله من منطلق حقارته ووضاعته كإنسان : “اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ ‏خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي‎. ‎لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا‎. ‎إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، ‏وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ‎. ‎هأَنَذَا بِالإِثْمِ ‏صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي‎. ‎هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ ‏تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً‎.‎طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ‎.‎‏”‏
لقد زرف داود الدموع و عبر عن ندمه و عن ضعفه بكلمات قوية لازالت تُتلى كل يوم ‏عدة مرات في الكنائس و فى كل أنحاء العالم ، لم تكن دموع داود مجرد تعبير شعورى ‏سطحى و إنما كانت تعبيراً صادقاً عن الأسى و الحزن اللذان سيطرا عليه و عن ‏التحول العميق و الباطنى الذى زلزل كيانه.‏
إن فحص الضمير و الوقوف وجهاً لوجه أمام النفس يجعل الإنسان يرى الفظائع التى ‏يرتكبها حينما يفعل شئ في غياب الله عن ذهنه و مخيلته. و نحن كم من المرات يغيب ‏وجه الله عن ضمائرنا و عقولنا و نقع فريسة لشهواتنا و لذاتنا الحسية و المعنوية.‏
إن رحمة الرب عظيمة ” كعظيم رحمتك” و هى قائمة و مستمرةو لكن كالسحابة التى ‏تحجب الشمس عن الأرض فإن خطايانا لا ترى النور إلا في عتمة القلب و العقل، هذه ‏الظلمة تزول إذا أشرق عليها نور الله برحمته اللامحدودة و حنانه الذى يلتحف كل ‏عطاياه المجانية الظاهرة و الباطنة.‏
‏”لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى‎.‎ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ ‏مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ‎.‎‏” ، إن المحرقة الحقيقية التى ‏يطلبها الله هى “القلب المنكسر و المتواضع” فالخطيئة هى “القلب المتعجرف و المستقل ‏عن الله” لذا فإن الإعتراف بأن الإنسان بعيداً عن الله و منفصلاً عنه يتحول إلى أقل من ‏حيوان يفقد صورة الله فيه و بالتالى كل النعم الخاصة التى ينفرد بها بين الكائنات و ‏حصوله على الوعى و الحرية اللذان يصبوان الى الإتحاد بالخالق كما يتحد الجسد ‏بالنفس و الروح في كل كيان إنسانى.‏
إن محدودية الإنسان هى أحد العوامل الهامة التى تجعله قابل للضعف و السقوط في بئر ‏الخطايا. فالغضب و العنف و الشهوة و التقوقع على الذات و ممارسة الحرية بعيداً عن ‏نظر الله هى ممارسات لصيقة بالجسد كما يقول القديس بولس “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: ‏مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ” لا يمكن اكتسابها إلا بالإنفتاح على ‏روح الله و ليس على روح الشيطان.‏
هذا الروح هو الذى ينتشل الإنسان من محدوديته و يفتحه على سموات الفضيلة و ‏السعادة مع الخالق بصفته ضامن لحريتنا الحقيقية و لإختياراتنا اليومية في صلب الواقع ‏و تحدياته المستمرة.‏
نعم إرحمنى يا الله فإننى أشتاق اليك كما يشتاق الايل الى مجارى المياه. ‏