إغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون – الأب وليم سيدهم
إغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون
إننا لا ندرى أن كل مرة نتصرف بأنانية نخون يسوع لأننا نسقط الله من حساباتنا، كل مرة نكذب على الآخرين نهدم جزءًا من ثقتهم فينا، كل مرة نكذب على الله يحدث معنا ما حدث لآدم، نجد أنفسنا عرايا خارجًا عن سترة الله لنا.
إن يسوع هو الوحيد الذي إن قال فعل، لقد سأله بطرس :”يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ.” ( متى 18 :21 – 22) بما معناه تغفر لأخيك دائمًا. إن الكمال المسيحي لا ننهاية له إذ يقول الإنجيل ”فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.” (متى 5: 48).
وإن تصفحنا الكتاب المقدس سنجده سلسلة من الحوارات بين الفريسيين وبين يسوع حول مئات المسائل العقائدية والحياتية مثل غسيل الايدي قبل الأكل والإمتناع عن عمل الخير يوم السبت وطرد الشياطين يوم السبت وبأى سلطة يُعمد يسوع ولماذا يتحدث عن البرص وبأى صفة يفتح عيون العميان … الخ.
في كل هذه المشادات والحوارات لم يخرج فيها المسيح عن ما يمكن أن نسميه آداب الحوار، وايضًا فإن يسوع المسيح ظل يمارس رسالته دون أن يتخذ موقفًا مقاطعًا أو رافضًا أو حاقدًا أو كارهًا لمحاوريه من رجال الدين من الكتبة والفريسيين ونحن لدينا خبرة عن إدارة الحوار مع مخالفينا في الرأى و العقيدة أو غيرهما وغالبًا ما نقاطع أو نكره أو نحتقر أو نتلفظ بألفاظ نابية تجاه من يخالفوننا الرأى.
ولكن يسوع كان دائمًا مايُصر على الحوار أو يستمر في موقفه رغم المحاربات التى كانت تحاصره والنقد الذي كان أحد أدوات رجال الدين نحوه، وحينما نتسائل كيف كان الموقف الباطن للمسيح من كل ذلك، فإننا نجد أن غالبًا ما يجد سببًا لمثل هذه المواقف السلبية نحوه، والسبب الأعظم هو “عدم معرفة الخصوم” لشخصية يسوع ابن الله. إلا أن خطة يسوع كانت واضحة لا مهادنة مع الفهم الخطأ للشريعة، ولا إنكسار أمام إلحاح الجاهلين بشخصيته في تغيير مواقفه، فمثلًا نجده يكسر السبت دائمًا وأبدًا من أجل شفاء إنسان أو طرد شيطان رغم أنه يعرف أن مخالفيه في هذه الممارسة عديدين.
ولقد تحدث كثيرًا عن التوبة، وضرب أمثالًا كثيرة لدعوة المخالفين إلى التوبة وطلب الغفران، وكان هناك من يستجيب مثل زكا العشار ، ومتى العشار، وقائد المئة، والمرأة الكنعانية، والبُرص، والعميان، والكسحان.
كانت حياة المسيح كلها غفران لمعاصريه ومحاولات لمساعدتهم على فهم الحقيقة مثل المرأة السامرية ونيقوديموس والشاب الغنى ومريم ومرثا أختىّ لعازر وغيرهم كثيرين.
إن الإيمان بشخص المسيح ليس أمرًا واضحًا أو سهلًا، إنه مسيرة إكتشاف لشخصيته ولهوية الله وابن الله، الإيمان مسيرة حيّة مبنية على معاشرة الإنسان لله والإصغاء لكلمته وتمحيص باطنى للشعور الناتج عن هذه العلاقة وهي في الأغلب الإصغاء إلى دعوة الله الشخصية لكل واحد منا ليتجاوب مع النعم التي أغدقها عليه الله.
فالمسيح على الصليب لأن القطاع الأهم في الشعب الممسكين بالحل والربط لم يستوعبوا سر تجسد الله وكانوا يرفضون أن يكون الله جل جلاله على شبه إنسان، ولم يستطيعوا أن يستوعبوا أن محبة الله تجلت في إبنه يسوع المتجسد بعد أن فشل الأنبياء والسابقون في حمل البشرية على التصديق به وقبول كلمة الله (العبرانيون).
فالكلمة صارت بشرًا وعاش بيننا وبلغنا حب الله، إن الحكم على يسوع بالموت هو الإعتراف بأن الشريعة الموسوية وصلت إلى طريق مسدود لأنها كانت تُشرع لإله مفارق للإنسان ولم يكن الإتصال به ممكنًا إلا بالرموز ولم تفعل غير تطبيق الوصية ”لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي” (خر 20: 3-4) .
ولما تجسد المسيح تلاشت الرموز وأخذ الابن مكانها فحدثت صدمة قوية للإنسان ووضعت الوصية الأولى على المحك ”أنا الرب إلهك… لا يكن لك آلهة سواي” ( تثنية 6:5-9) ، ونتذكر أغن البشارة بميلاد المسيح والحبل والولادة والحياة مع يوسف ومريم. كل هذه المسيرة لم يدري بها أو يعلمها إلا القليل من معاصرى يسوع من الفقراء مثل الرعاة والمجوس.
فسر التجسد تم في شبه طي الكتمان، فظل يسوع حوالى ثلاثين عامًا يتعلم وهو ابن الله كيف يكون ابن الانسان في الحياة اليومية في علاقته مع الآب وعلاقته مع أسرته الصغيرة وعلاقته مع جيرانه وأصدقائه… إلى أن استطاع أن يكتشف رسالته كان الله وهو على هيئة البشر متضامنًا معهم في كل شيء ماعدا الخطيئة: “أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟” (لوقا 2: 49) قالها حينما غاب ثلاث أيام في الهيكل.