” إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي ؟ ” القدّيس هيلاريوس
القدّيس هيلاريوس (315 – 367)، أسقف بواتييه وملفان الكنيسة
تعليق على إنجيل القديس متّى
” إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي ؟ “
ومِنَ الظُّهْرِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّالِثَة، خَيَّمَ ظَلامٌ عَلى الأَرْضِ كُلِّهَا. ونَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَة، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: “إِيْلِي، إِيْلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي”؟ أَي: “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟”.
إنّ الليل الذي يلي النهار يشكّل علامة فاصلة: فبذلك يتحقّق ثالوث الأيّام والليالي، في حين تشعر الخليقة المخدّرة بعمل الله السري الغامض. إنّ صرخة يسوع إلى الآب هي صوت الجسد الذي يشهد على انفصال كلمة الله عنه. وهو صرخ في الواقع متسائلاً لماذا يجري التخلي عنه وهتف: “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟”. لكنّ التخلّي عنه قد تمّ لأنّ إنسانيّته يجب أن تتحقّق كليًّا من خلال الموت نفسه. وأكثر من ذلك، يجب علينا أن ندقّق النظر في أنّه أسلم الروح بهذه الصرخة بعد أن ذاق الخلّ من إسفنجة مبلّلة على طرف قصبة. إنّ الخمر يرمز إلى شرف الخلود وقوّته، غير أّنّه يصبح خلاً بسبب خطأ ناتج عن الإهمال أو الآنية. وكما أمسى هذا الخمر خلاًّ في آدم، فإنّ الربّ يسوع حصل عليه من الوثنيّين ليشربه بنفسه. لقد أعطي له ليشربه على إسفنجة موضوعة على قصبة، أي أنّه أخذ من أجساد الوثنيّين الرذائل التي أفسدت الخلود، وحمل بنفسه الرذائل التي كانت فينا وأذابها في الاتّحاد مع خلوده.
في الواقع، نقرأ في إنجيل يوحنّا أنّه بعد أن شرب الخلّ قال: “قد تمّ كل شيء” وذلك لأنّه امتصّ كلّ ما كان رذيلاً فاسدًا في البشريّة. وإذ تمّ كلّ شيء، لفظ الروح خارجًا في صرخةٍ شديدةٍ لأنّه تألّم من عدم حمل خطايا جميع البشر.