ابراهيم ولوط – الأب وليم سيدهم
ابراهيم ولوط
بدأت بوادر الشر تطل برأسها على ابراهيم، أخوه الذي رافقه في رحلته إلى بلاد الموعد بدأ يتحرش بأبقاره وأغنامه لا بل وبدأ يبسط نفوذه على الأراضي التي كانت بحوزته.
فما كان من ابراهيم إلا أن كظم غيظه وعزم على نصح أخيه حتى لا تتفاقم الأمور بين الأخين، أخذ ابراهبم لوط وأراه الأرض طولًا وعرضًا وخيره قائلًا ”لَا تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لِأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. أَلَيْسَتْ كُلُّ الْأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً” (تكوين 13: 8-9)
هكذا تكون الأخوة فأرض الله واسعة وعطاياه لا نهائية ولا داعي من التشبث والعند بين الأخوة للحصول على شيء له بدائل وله حلول، ولكن هذه الأراضي التى إختارها لوط لم تكن بعيدة عن سكان سدوم وعمورة كانت هذه الحضارة مليئة بالشذوذ وبعيدة عن وصايا الله وكم حاول الله إصلاح الأمور ولكن هيهات أن تنضبط أحوالهم وتستقيم، وابراهيم نفسه حاول أن يتشفع لهم عند الله أو يجد عندهم عاقلًا واحدًا ولكن عبثًا.
نجد بعض الأسر أو المجتمعات تمادت في البعد عن الله فإختلط فيها الحابل بالنابل وغرقت في وحل المادية وركبها الصدأ ولم تعُد صالحة لأى شيء مثلها مثل من بنى بيته على الرمل فلما اشتدت الرياح وانهمر المطر فقد هذا البيت أركانه وتقوض بنيانه، هكذا من يرفض الله رفضًا بينًا وقاطعًا معتمدًا على ذكائه أو على فراسته فلا يتعجب إذا تحولت حياته إلى جحيم وفشلت كل مساعيه وأحلامه.
إننا نرى عالمنا اليوم بعد أن طرد الله من كل أركانه حلّت فيه الحروب وزادت فيه نسبة أسلحة الدمار الشامل وأصبح ضحاياه بالملايين، هؤلاء الملايين الضحايا هم أبناء وبنات الله، وإذا لفظهم هذا العالم فإن رحمة الله واسعة، يستقبلهم في أحضان القديسين، ولكن صبر الله لا ينتهي فهو ينتظر من أبناءه في هذا العالم الفاسد أن يضحوا بأنفسهم لإنقاذ أخوتهم وهناك فرق بين ضحايا الدمار والجبروت وضحايا أنفسهم فإن الذين رفضوا يد الله الممدودة لهم فقد اختاروا بأنفسهم أن يتحملوا عاقبة العصيان.
وعلى مثال الغنى ولعازر فإن ابراهيم يقول للغني الذي يريد أن ينزل شخص من السماء لإقناع أهله بالإهتداء إلى الملكوت أن الشريعة والأنبياء موجودون على الأرض فإن لم يقتنعوا بهما فلن يقتنعوا حتى لو جاءهم أحد من السماء.
إذا نظرنا إلى الأسر المفككة والعائلات المتباغضة فإننا سنفهم أن الله مفارق لهذه الأسر حتى لو بإسمه تم قرانهم، يقول يسوع : “بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا.” (يو 15: 5) فأى علاقة بين شخصين يغيب عنها الله مهما كانت قوة هذه العلاقة سوف تنقسم، لأنها ستدور في دائرة مغلقة طرافاها وإن كملوا بعضًا فإن تكاملهما لن يستمر لأنه منفصلعن مصدر وينبوع كل حُب وهو الله.
”وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.” (مر 10: 8) هكذا أراد الله وفي حضوره شخصيًا ورغم سهر ابراهيم وحبه لأخيه وصبره عليه فإن أخاه اختار أن يسكن قريبًا من أهل سدوم وعمورة ولذلك تحولت إمرأته إلى عمود ملح لأنها هى أيضًا لم تصغ إلى وصية الله، أن يبتعدوا عن الشرير.
ولأن خشية الله كانت في قلب ابراهيم، استطاع ابراهيم أن يتعامل مع الحياة وهو يشعر برعاية الله له ويبادله الحب بالحب ولم يضنّ بابنه الوحيد اسحق فإكتسب ثقة وحبًا بلا حدود من الله.