افتتاح أعمال سينودس أساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
نقلا عن موقع أبونا
نشر الإثنين، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
إعلام البطريركية :
افتتح البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، مساء الأحد، أعمال السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وذلك في قاعة السينودس بالمقرّ الصيفي للكرسي البطريركي، في دير سيّدة النجاة في حريصا.
وأعرب البطريرك يونان في كلمته الإفتتاحية عن “الفرح باللقاء معًا بعد غيابٍ قسري دام سنتين بسبب انتشار الوباء”، سائلاً “الله أن يزيله من البشرية ويشفي المصابين به، ويعين الأطبّاء والإختصاصيين لإيجاد العلاج الملائم له”، شاكراً “الآباء الأساقفة لتلبيتهم الدعوة والمشاركة في اجتماعات السينودس رغم محاذير السفر وصعوباته”، وداعياً إيّاهم لتجديد “أواصر المحبّة والأخوّة التي تجمعنا، ونتشارك شؤون أبناء كنيستنا وبناتها وشجونهم، ونتناول أوضاعنا والتحدّيات المحيطة بها”.
ولفت إلى أنّ “هذا المجمع هو الثالث عشر الذي نعقده معاً منذ تسلُّمنا بنعمة الرب الخدمة البطريركية، التي ناهزت الثلاث عشرة سنةً، وتزيد بركتُه تعالى ونعمته إذ منَّ على ضعفي بهذه السنة اليوبيلية. ففي مثل هذا اليوم 12 أيلول منذ خمسين عاماً، نلتُ سرّ الكهنوت المقدس في كاتدرائية سيّدة الانتقال في الحسكة، بوضع يد المثلّت الرحمات المطران مار يعقوب ميخائيل جروه، ومنذ خمسٍ وعشرين سنةً، قبلتُ موهبةَ مِلءِ الكهنوت، إذ رقّاني المثلّث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس أنطون الثاني حايك، إلى الدرجة الأسقفية، في 7/1/1996 في كنيسة مار بطرس وبولس في القامشلي، سوريا”، مجدِّداً “عهدي بالأمانة للرب ولكنيسته، وتعاليم آبائنا السريان ولغتنا السريانية وتقاليدنا، معرباً عن ارتياحي الكامل للتعاون معكم في خدمتي الكنسية، وشاكراً إيّاكم لتلطُّفكم بالمبادرة إلى الدعوة لإحياء الاحتفال بهذين اليوبيلين، يوم الجمعة القادم بإذنه تعالى”.
ونوّه إلى أنّنا “نعقد هذا السينودس في نهاية زمن العنصرة وبداية زمن الصليب، وهو دعوةٌ مميّزةٌ لنا كي نستلهمَ أنوار الروح القدس، ليقودَ اجتماعاتِنا ويوجّهنا في حواراتنا ومداولاتنا، لنتّخذ القرارات الصائبة التي تمجّد اسم الرب الذي دعانا لخدمة شعبه في هذه الظروف الحرجة والمصيرية. ولنا من صليبه الخلاصي خيرُ معينٍ ومقوٍّ ومشجّعٍ في مسيرة خدمتنا… نسير متجدّدين بصورة معلّمنا الإلهي، فنعيش شرف خدمتنا الأسقفية، بالتزامٍ صادقٍ، وبأمانةٍ كاملةٍ، وبمحبّةٍ متجرّدة، فلا نتردّد في البذل، ولا نميّز في العطاء”.
واعتب غبطته أنّنا “نجتمع في هذا السينودس، ورباط الشراكة الأسقفية يوحّدنا، بالمحبّة المتبادلة، والأخوّة والاحترام وحرّية إبداء الرأي والمناقشة، وِفقَ ما تقتضيه القوانين الكنسية. فنتعاضد في تحمُّل أعباء مسؤولياتنا في خدمة كنيستنا السريانية، التي أودعَنا الرب مسؤولية التكرّس لها، واضعين نصب أعيننا، بعد مرضاة الرب، خيرَ المؤمنين الذين يتطلّعون إلينا بشوقٍ، وينتظرون منّا، أن نعمل لما فيه تعزيز شهادتهم لإيمانهم بالرب، والتزامهم بكنيستهم، في خضمّ الصعوبات والتحدّيات الراهنة، مدركين ضعفنا البشري، لكن واثقين في الوقت ذاتِه، أننا متكلون على معلّمنا الإلهي الذي يقوّينا ويشدّدنا”.
وذكّر بأهمّية أن “نتفاعل مع دعوة الرب لنا، وأن نسعى كلّ جهدٍ لنا، كي نكون واحداً بأجمعنا، كما سألَ أباه السماوي من أجل تلاميذه: “ليكونوا بأجمعهم واحداً” (يوحنا 17: 22)، هذه الوحدة التي أرسى دعائمها بوضوحٍ رسول الأمم مار بولس إذ يقول: “جسدٌ واحدٌ وروحٌ واحدٌ، كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد” (أفسس 4: 4)، هذه الوحدة تجمع بيننا وتهدينا كي نرعى شعب الله، إكليروساً ومؤمنين، عاملين في كرمِه المقدّس بالسهر الدائم والعطاء المجاني، فننال منه الطوبى”، مشيراً إلى أنّ أعمال السينودس ستُستهَلّ “برياضةٍ روحيةٍ يلقي مواعظها سيادة المطران أنطوان نبيل العنداري، النائب البطريركي على نيابة جونيه المارونية، حيث سنتأمّل مع سيادته في دعوة الأسقف في جسم الكنيسة مع إخوته الأساقفة بروح الشراكة السينودسية، ومع إخوته الكهنة بروح شراكة الأبوّة الروحية، ومع جماعة المؤمنين بروح الشراكة في الكنيسة العامّة”.
وعرض البطريرك يونان أمام الأساقفة الحاضرين المواضيع التي ستتمّ مناقشتها في السينودس، وأهمّها: تقارير تتناول ما استجدّ في كلّ أبرشيةٍ وأكسرخوسيةٍ ونيابةٍ وزيارةٍ بطريركيةٍ ورسوليةٍ منذ انعقاد السينودس الماضي وحتّى اليوم، وكذلك تقارير عن أحوال الرهبانية الأفرامية بفرعيها الرجالي والنسائي، والإكليريكية البطريركية، تحدّيات الخدمة الراعوية في الشرق وبلاد الإنتشار نتيجة الأوضاع الراهنة وانتشار الوباء، إدارة الخيور الزمنية (الأموال) في الأبرشية، سينودس الأساقفة الروماني لعام 2023: “من أجل كنيسة سينودسية: شراكة، ومشاركة ورسالة”، مسودة نهائية لإصلاح ليتورجية القداس الإلهي: خدمة الكلمة، الأنافورات، الحسّايات، وسواها، والتدابير الإدارية والإجراءات اللازمة، بحسب حاجات الخدمة الروحية والراعوية لأبرشياتنا ورعايانا في أماكن عدّة، ولا سيّما انتخاب أساقفةٍ للأبرشيات الشاغرة.
وتحدّث غبطته عن الأوضاع الخطيرة والتحدّيات الجمّة التي “تكاد لا تخلو منها أيّة بقعةٍ في العالم، وبخاصّةٍ منطقة الشرق الأوسط التي منها انتشر الإيمان، والتي يتعرّض فيها المؤمنون إلى نكباتٍ أمنيةٍ وأزماتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ لا تُحصى، وعليهم أن يجابهوا تحدّياتٍ كثيرةٍ لإيمانِهم وهويتهم، وتهدّد وجودهم في أرض آبائهم وأجدادِهم”. وتطرّق إلى الوضع في سوريا التي “نلمس عودة اللحمة الوطنية فيها بين مختلف فئات المجتمع، خاصّةً بعد أن أُجرِيت الانتخابات الرئاسية في أيّار المنصرم، وفتحت صفحةً جديدةً يتوسّم فيها المواطنون كلّ خيرٍ، على أمل انتهاء الحرب وعودة الطمأنينة إلى كافّة ربوع الوطن، فتتضافر الجهود لإعادة بنائه وازدهاره”.
وتكلّم عن الوضع في العراق “حيث تجري الاستعدادات للإنتخابات النيابية التي نرجو أن تُنجَز في موعدها في تشرين الأوّل القادم، وأن تنتج فوز أصحاب الكفاءة والنزاهة والكفّ النظيف والإخلاص للوطن. فيتعاضد الجميع ويتكاتفوا من أجل نهضة العراق، بعدما تبارك بالزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس إليه في آذار الماضي، وقد استقبلناه في كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، وفي قره قوش – بخديدا، المدينة السريانية العريقة”. وأشار إلى الأوضاع في “بلدان الشرق، من الأراضي المقدسة التي تباركْنا بزيارتها في شهر تمّوز المنصرم، حيث رفعنا الصلاة من أجل أبنائنا وبناتنا في العالم، ومن أجل تلك الأرض، كي تسود فيها ثقافة قبول الآخر والمسامحة، وتنتهي الصراعات والحروب، وكذلك الأردن الذي يسعى لتعزيز أواصر الارتباط بين مختلف مكوّناته، بالاحترام المتبادَل، ومصر التي يتجلّى التضامن بين أفراد شعبها الذين ينعمون بالحرّية والأمان بسبب حكمة المسؤولين فيها، وتركيا التي يحافظ فيها أبناؤنا على إيمانهم وتراثهم العريق، ثابتين في أرضهم”.
وتناول الأوضاع الراهنة في لبنان “الوطن الجريح، فإنّنا نهنّئه بتشكيل الحكومة الجديدة، وندعو لها، رئيساً وأعضاءً، بالنجاح، آملين أن تعمل بالسرعة الممكنة لوقف الانهيار الحاصل على كافّة الأصعدة. لكنّنا نعرب في الوقت عينه عن خيبة أملنا بسبب التمادي في تهميش حقوقنا، كمكّونٍ سرياني عامّةً وكطائفةٍ سريانيةٍ كاثوليكيةٍ خاصّةً، وذلك بعدم تمثيلنا في هذه الحكومة، كما هي الحال وللأسف، في كلّ المناصب والوظائف العليا المدنية والعسكرية والقضائية في البلد”. ودعا “المسؤولين للعمل بشكلٍ جدّي على التدقيق الجنائي لمعرفة مصير أموال اللبنانيين وودائعهم في المصارف، والتي نُهِبَت. ونشدّد على وجوب حصول الانتخابات النيابية في موعدها في أيّار القادم، لتشكيل طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ تنهض بلبنان من كبوته”، مجدِّداً التأكيد، بخصوص تفجير مرفأ بيروت، على أنّ “كلّ حصانةٍ تسقط أمام هول هذه الجريمة النكراء، فالحقيقة والعدل يعلوان فوق كلّ اعتبار، خاصّةً وأنّ هذا التفجير أدّى إلى تدمير قسمٍ كبيرٍ من العاصمة بيروت، وسقوط أكثر من مئتي ضحيّة، وتشريد آلاف العائلات التي لا يزال العديد منها دون مسكن”.
وذكّر غبطته “بالانهيار المالي والاقتصادي المتمادي، وضرورة الحدّ من الإذلال الذي يتعرّض له اللبنانيون، أمام محطّات البنزين والمصارف والصيدليات والأفران، فضلاً عن الانقطاع شبه الدائم للتيّار الكهربائي والشحّ في المياه، وعدم توفّر الوقود والأدوية والخبز وسواها من المواد الأساسية والحيوية، فيما الدولة من رأس الهرم حتّى أصغر مسؤولٍ ترقد في سباتٍ عميقٍ، وتتقاعس عن توفير أدنى مقوّمات الحياة الكريمة للمواطنين”، غير ناسٍ موضوع “العام الدراسي القادم المهدَّد هو الآخر كالعامين الدراسيين السابقين، بسبب عدم تلبية احتياجات المدارس التي تمرّ بأزماتٍ كثيرةٍ، بدأت إثر تفشّي وباء كورونا، واستفحلت نتيجة الانهيار الحاصل والذي يهدّد استمراريتها لانقطاع الكهرباء والإنترنت، وعدم قدرة الأهالي على دفع الأقساط”. وشدّد على أنّ “من أخطر تداعيات الوضع الحالي المتفاقم في لبنان، هجرة اللبنانيين عامّةً، والشباب خاصّةً، بسبب تردّي الأوضاع. ومع أنّ إلهنا هو إله الرجاء، لكنّ الوضع الحالي المتأزّم يجعل من الصعوبة بمكان أن نطلب من أبنائنا الصمود وعدم الهجرة. لذا ندعو الدولة للإسراع بتوفير الحوافز للصمود، كي لا يهاجر من بقي، فيفرغ البلد من طاقاته الحيّة، بعد أن بات الوضع ينذر بالعواقب الوخيمة”، منوّهاً إلى أنّ “كنيستنا تبذل كلّ ما بوسعها، بالتعاون مع المؤسّسات والمنظّمات المحلّية والإقليمية والعالمية، لتأمين المساعدات لأولادها قدر الإمكان، كي ينعموا بالعيش اللائق في ظلّ هذه الظروف العصيبة”.
وتوجّه غبطته إلى “أولادنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا”، مؤكّداً لهم “أنّهم لا يغيبون عن بالنا وتفكيرنا، ونحن نتابع باهتمامٍ بالغٍ أوضاعهم، ونسعى مع إخوتنا الرعاة الكنسيين لتأمين الخدمة الروحية والراعوية لهم”، حاثّاً إيّاهم “على متابعة شهادتهم لإيمانهم، والأمانة لتعاليم كنيستهم، مع الحفاظ على الارتباط الوثيق ببلادهم الأمّ في الشرق”، وموصياً إيّاهم “أن يولوا العناية البالغة بتربية أولادهم على هذه المبادئ السامية، مخلصين في الوقت عينه إلى الأوطان الجديدة التي احتضنتهم ووفّرت لهم الأمان والطمأنينة والأمل بمستقبلٍ باهر”. وأثنى غبطته “على جهود الإخوة الأحبّاء الرعاة الروحيين، من أساقفةٍ وكهنةٍ ومكرَّسين، الذين يقفون إلى جانب أبناء شعبهم في هذه الظروف العصيبة في بلاد الشرق وفي الغرب، مشجّعين إيّاهم على الثبات في الإيمان رغم هول المآسي والصعوبات، سائلين الرب أن يكافئهم على أتعاب خدمتهم بالصحّة والعافية والبركة”.
وعدّد غبطته أمام الأساقفة أهمّ الأحداث التي عرفتها البطريركية السريانية الكاثوليكية منذ ختام السينودس الماضي في حزيران 2019، وختم بدعوة الأساقفة للعمل معاً “يداً بيد في هذا السينودس المقدس، سائلين الله أن يبارك أعمالنا بهدي أنوار روحه القدوس، مبتغين دوماً خير كنيستنا وخلاص نفوس المؤمنين الموكَلين إلى رعايتنا”، مودعاً “الثالوث الأقدس، الإله الواحد، ذواتنا وأفكارنا وأعمال سينودسنا”.