الأنبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا (((( التنمر والتحرش )))))
التنمر هو كل فعل أو كلمة أو إيحاء أو ضغط، يمارس على شخص من شخص آخر بغرض إيذائه نفسيا أو معنويا أو بدنيا. وهو نوع من العنف من الطرف القوي على الطرف الضعيف، وقد يكون سبب القوة هو فارق السن أو فارق المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو المهنية أو السلطة أو المستوى الفكري والثقافي.
التحرش هو كل كلمة أو فعل أو إيحاء لفظي أو حركي، له طابع جنسي، من المتحرش تجاه المتحرش به، يسبب إزعاج أو عدم ارتياح أو خوف أو قلق أو إحساس بالمهانة أو بالإثارة، أو عدم الأمان. وقد يكون المتحرش غالبا هو الشاب أو الرجل ضد المرأة، وإن لم يخلو ولو بشكل نادر العكس.
إن التنمر والتحرش هو فعل مرفوض على كل المستويات إنسانيا ودينيا وأخلاقيا واجتماعيا. وهو جريمة يعاقب عليها القانون، فهو عنف اجتماعي مرفوض.
وقد تكون سلوكيات المتنمر أو المتحرش سلوكيات مرضية، تحتاج إلى علاج، وقد تكون مجرد محاولة للتلهي والتسلي والاستخفاف بالطرف الآخر من أجل التهريج المبتذل. الذي يتبناه الشباب في الشوارع أو في النوادي أو في أماكن الترفيه والتجمعات غير المنضبطة. وفي كلتا الحالتين يظل المتنمر أو المتحرش تحت المسائلة الأخلاقية والاجتماعية، ولا يعفيه وضعه من المسئولية القانونية.
إن أسباب التنمر أو التحرش هي عديدة، منها ما هو سوء وخلل في التربية أو المشاكل الأسرية المتفاقمة. أو الإحساس بالدونية والرفض الاجتماعي، أو نقص أو خلل في القيم الدينية، أو الفراغ الباطني والخارجي من قلة العمل والبطالة، أو انتشار المثيرات للغرائز من مواد مسموعة ومرئية على وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي. أو الأفكار المغلوطة عن المرأة، كأن يفكر بها الرجل كوسيلة للمتعة، وليست شخصا إنسانيا كامل الكرامة والقيمة مثله تماما. أو التفكير عن الشخص الضعيف كوسيلة تسلية وأضحوكة المجتمع. وإن كانت كل هذه الأمور مهما كانت قوة انتشارها وتأثيرها لا يجب أن تقود الإنسان للخروج عن سيطرته على ذاته، وعلى غرائزه، وضبط طاقاته واحتياجاته وكيفية إدارتها وتوجيهها، بما يتفق مع قيم وأخلاقيات وخير وسلام المجتمع، واحترام كرامة كل إنسان بشري رجلا كان أو امرأة. فأي تفكير عن الشخص البشري أيا كان نوعه أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي كبضاعة رخيصة، أو ككائن بلا كرامة هو تفكير لا يتفق مع أي من المعتقدات الدينية، ولا الأعراف الاجتماعية، ولا المبادئ الأخلاقية، ولا الشرائع القانونية، ولا القيم الإنسانية.
وقد كانت ضحايا التنمر وبالأخص التحرش ولازالت في أحيان كثير، تفضل الصمت، رغم الألم والإهانة التي تعانيها، لتفادي المشاكل والفضائح، أو للحفاظ على لقمة العيش التي تكسبها بالألم والمهانة. وهذا السلوك كان سببا في انتشار وتفشي مثل هذا السلوك الشائن. ولذلك نهيب بأخواتنا من الفتيات والسيدات اللاتي يتعرضن لهذا السلوك بأن يتحلين بالشجاعة ويواجهن المتحرشين أو المتنمرين بإعلان الموقف، وبفضح القائمين به على الملأ اجتماعيا. وأن يصوروا الأحداث التي تحدث معهم بكاميرات موبايلاتهم. وأن يشهدوا الناس المتواجدون في المكان. وأن يرفعوا صوتهم لطلب النجدة والمعونة. ولا يخشين شيئا فإن كثير من المواطنين النبلاء سيقفون معهم في مواجهة هذه الفئة الضالة. فبهذا الموقف الإيجابي من طرفهم ستنحسر الظاهرة ويرتدع المتجاوزون والمعتدون على بناتنا وأخواتنا وأعز ما نملك، سيرتدع من يتطاولون على قيمنا وثوابت إيماننا وأخلاقنا كمصريين مسيحيين كنا أو مسلمين. وأن يتجنب البنات والسيدات، على قدر الإمكان، الأماكن والأوقات التي يعرفون أنها قد تكون أكثر خطورة، وتتواجد فيها هذه الفئات الضالة، ووسائل المواصلات التي يكونون فيها أكثر عرضة لمثل هذه المآسي.
ولا يمكن لاحد أن يتحجج بأي سبب أو مبرر أو علة لأفعال التحرش الخسيسة، فليست ملابس المرأة مثلا، ولا تأثير أوقات الفراغ، ولا تأثير المواد الإباحية المتاحة بسهولة عبر الإنترنت، ولا المشاكل الأسرية، ولا اللهو والتسلية، ولا الأفكار المغلوطة ولا أي سبب آخر أو مؤثر آخر يمكن أن يكون سببا أو مبررا لارتكاب مثل هذه الجرائم في حق المرأة وفي حق المجتمع وفي حق الإنسانية كلها. فللإنسان كرامته التي حثت عليها ونادت بها كل الأديان وكل الأخلاق والأعراف الاجتماعية، وحقوق الإنسان.
كما أن الإنسان نفسه لا يمكن أن يكون هكذا لعبة في يد غرائزه وطاقاته واحتياجاته، فالإنسان أسمى بكثير من أن يكون مجرد دمية تحركها المؤثرات داخلية كانت أو خارجية، فقد حباه الله بعقل وقلب وضمير وإرادة حرة، وشخصية وكرامة وأخلاق تأبى عليه أن يكون في هذا الوضع المذري والمشين.
فعلى الأسرة أن تلتزم بدورها في تربية أولادها على الخلق السليم والتربية الحسنة، فالأدب فضلوه على العلم، كما تعلمنا منذ الصغر. وعلى رجال التربية والتعليم ومؤسساتها أن تضطلع بدورها ولا تتخلى عنه في سبيل تربية أجيال للوطن تصون قيمه ومبادئه وترفع راية حضارته وتصون أرضه وعرضه. وعلى رجال الدين أن يعلنوا الصحيح من دينهم ويقدموه بشكل بسيط سهل محبب للأجيال الجديدة لنضمن نجاح رسالتنا وسلام مجتمعنا وجمال حضارتنا، لنقدم للمجتمع وللإنسانية جيلا وتاريخا يليق بنا ويشرفنا بين الشعوب.
إن السيد المسيح كان حاسما في امر التصدي للأخطاء والخطايا الجنسية، كما فعل مع غيرها من الخطايا، فمن يستطيع أن ينسى قوله له المجد: “سمعتم أنه قيل: لا تزن. أما أنا فأقول لكم: من نظر لامرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإذا جعلتك عينك اليمنى تخطأ، فأقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن تفقد عضوا من أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإذا جعلتك يدك اليمنى تخطأ، فاقطعها والقها عنك، لأنه خير لك أن تفقد عضوا من أعضائك، ولا يذهب جسدك كله إلى جهنم” (متى 5 : 27 – 30). نلاحظ هنا جذرية تفكير، وحسم موقف يسوع تجاه الشر، ومواجهته من جذوره ومنذ بدايته، فهو لا يريد أن ينتظر الإنسان حتى يتمم الخطيئة، بل يتفادها منذ بداية التفكير فيها، ولا يتجاوب أو يتفاعل مع مسبباتها من الأساس، ومن حيث المبدأ. قد يبدو موقف يسوع هذا قاسيا وصعبا لأجيال اليوم، ولكن الفكرة هي في مواجهة منابع الشر من أصولها لكيلا تتمكن منا، ولا تسيطر على أفكارنا وعقولنا وقلوبنا فتستعبدنا، فهو يريد أشخاصا أحرارا أقوياء تجاه كل أنواع الشر والرزيلة، ومتميزين في عمل الخير والسلام وبناء حضارة المحبة حضارة الإنسان.
حسم يسوع يجعله يستخدم هذه الصورة البلاغية التي تشير إلى قبول الإنسان لقلع عينه، أو بتر يده أسهل من قبوله لارتكاب الشر في أمام الله، أو في حق نفسه، أو في حق غير من البشر، أو من الخلائق الأخرى. وهذا يشير إلى أن أخطر شيء هو المهادنة والمساومة مع الشر، فهذا هو الباب السحري الذي يتسلل منه الشر لحياتنا تدريجا، إلى أن يتملك فينا ويشوه طبيعتنا وصورة الله فينا. وفي رأي يسوع يستطيع الإنسان، بنعمة الله دائما، أن يواجه كل أنواع الشر وينتصر عليها، مهما كانت قوتها وخبثها، فالإنسان، إذا احتمى بالله وتسلح بقوته وبكلمته ونعمته ودعم روحه القدوس، يظل دائما أقوى وأعظم من كل محاولات عدو الخير، لخراب شخصه أو طبيعته أو عالمه. وهذا ما قاله الرب لقايين منذ البدء: “عند الباب خطيئة رابضة، إليك اشتياقها، ولكنك تسود عليها” (تكوين 4 : 7).
++ جوزيف مكرم .. المنسق الإعلامى لايبارشية المنيا ++