stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصرروحية ورعويةكنيسة الأقباط الكاثوليكموضوعات

الأنبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا ((( صوم السيدة العذراء )))

410views

بدأنا اليوم صوم السيدة العذراء، كل عام وحضراتكم بكل خير، ولا أبالغ إن قلت إن صوم السيدة العذراء هو الصوم الأقرب إلى قلوب المسيحيين. وهو من أحدث الصيامات التي أقرتها الكنيسة، فهو لا يذكر في قائمة أصوام الكنيسة قبل القرن الحادي عشر. وهو الصوم الوحيد الذي فرضه الشعب على الكنيسة ولم تفرضه الكنيسة على الشعب. وقد كان سابقا صوما خاصا بالعذارى والمكرسات. ولم يكن مفروضا على كل الشعب. وهذا الصوم بالذات يصومه معظم المسيحيين، والبعض من إخوتنا المسلمين أيضا نظرا لمحبتهم الخاصة للسيدة مريم العذراء. وهذا يدلنا على أن الصوم إذا عيش بالروح وبالقلب وبالقناعة لا يحتاج إلى قوانين لتقرره فهو يفرض نفسه تحت ضغط التقوى الشعبية. وهذا يدل أيضا على التقوى الشديدة والتعلق القلبي الكبير بأمنا مريم العذراء عن كل المصريين.

من الجدير بالذكر أن صوم السيدة العذراء لا يصومه المسيحيين عبادة أو تأليها لأمنا وسيدتنا مريم العذراء، وإنما إكراما لها وتشبها بحبها لله وطلبا لشفاعتها. كما لا يصوم المسيحيون صوم الرسل تأليها ولا عبادة للرسل، بل تشبها بتقواهم وطلبا لشفاعتهم وليقتدوا بسيرتهم في الحماس والمحبة للإنجيل وتعاليمه وقيمه ورسالته. فالمسيحيون لا يعبدون بشرا أيا كان هذا البشر ولكنهم يعبدون الله الواحد المثلث الأقانيم، الآب والابن (كلمة الآب المتجسد) والروح القدس. هذا هو إلهنا الواحد الأحد الذي نؤمن به ونعبده.

بدأ صوم السيدة العذراء في دير للراهبات في العراق في القرن الحادي عشر وكانت مدته ثلاثة أيام فقط. ثم صار ثلاثة أسابيع بسبب التقوى الشديدة. وذكره الصفي بن العسال في مصر في القرن الثالث عشر وقال إن مدته هي أسبوعين تبدأ من أول مسرى ويختم بفصحه أي عيده يوم 16 مسرى. وقال نفس الكلام ابن كبر في القرن الرابع عشر. وفي بداية القرن السابع عشر جعله البطريرك غبريال الثامن صوما اختياريا.

إلا أن بعض المتشددين يعتقدون أن صوم السيدة العذراء قد كان صوما قديما جدا في الكنيسة، والبعض يصل إلى القول إن السيدة العذراء هي التي صامته وأسسته وأخذه عنها الرسل الأطهار، وعاشته الكنيسة المسيحية في المسكونة كلها منذ القدم. ولكن في الحقيقة تعوزنا الأدلة التاريخية على هذا القول. ولم نجد عنه أي كلام في قوانين الرسل والدسقولية ولا في أي كتب جادة عن قوانين الكنيسة ولا ترتيباتها الطقسية حتى القرن الثالث عشر. وليس معنى هذا الكلام أن السيدة العذراء لم تصم، ولم تصل، ولم تكن لها عباداتها وتقواها. بالعكس هي كانت معلمة الرسل الأولى بعد السيد المسيح له المجد. وهي قديسة القديسين وسيدة الرسل والملائكة وأم الكنيسة ومعلمتها الأولى.

لا شك أن الصوم رياضة روحية عظيمة جدا، فهو تدريب للنفس على الترفع عن الماديات والتطلع إلى الروحيات. والسمو بالروح إلى آفاق السماوات العلى، والرقي بالجسد إلى مراتب سامية من التحرر من شهوات الجسد التي تقيده. والصوم يرفع قلب الإنسان إلى التأمل في المبادئ السامية والقيم الإنسانية الرائعة مثل التضامن مع الفقراء والمعوزين، والترفع عن الترهات والصغائر، والعبودية للماديات التي يبشر بها عالم الاستهلاك الذي نعيش فيه ويجعل من كل شيء سلعة، فيمتهن حتى كرامة الإنسان نفسه ويجعل منه وسيلة للاستهلاك والمتعة. ويساعد الصوم الإنسان أن يشعر بأن الحياة أهم من الأكل والشرب وأنه كما قال يسوع: “ليس بالخبر وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فهم الله”. كما أن الصوم يساعد الإنسان أن يتجنب الأقوال التي لا تليق، والتصرفات التي لا تتفق مع القيم والمبادئ الإنجيلية والأخلاقية السليمة، ويساعد على عيش المحبة والتضحية وكل الفضائل بطريقة مميزة وبطولية.

ويختم صوم السيدة العذراء بعيد انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء 16 مسرى، وهو واحد من أهم الأعياد المريمية (التي تخص مريم العذراء في الكنيسة المسيحية) والتي بها وفيها تتذكر الكنيسة أمها مريم العذراء وتقتدي بسيرتها العطرة وتتعلم من إيمانها وطاعتها ومحبتها وتواضعها وكل صفاتها التي تفوق الوصف، في علاقتها بالله. وأهم هذه الأعياد في كنيستنا المصرية هي: عيد البشارة ونحتفل به في 7 مسرى، وعيد ميلادها ونحتفل به في 1 بشنس، وعيد دخولها إلى الهيكل ونحتفل به في 3 كيهك، وعيد نياحتها في 21 طوبة، وعيد مريم العذراء البريئة من كل خطيئة (الحبل بها بلا دنس) ونحتفل به في 8 ديسمبر، بناء أول كنيسة على أسمها ونحتفل به في 21 بؤونة.

نصلي أن يمنح الرب مصر والعالم كله، ببركة السيدة العذراء، كل النعم الإلهية والبركات السماوية، وينقذه من كل شر ومن كل ضر، ومن كل التجارب والأوبئة والأمراض والكوارث، ومن كل شيء رديء، ويحفظ بشفاعتها، التي لا ترد، وحدة وأمن وأمان وسلام المصريين، ويعطينا أن نقتدي بسيرتها ومحبتها وإيمانها بصلواتها وبصلوات جميع القديسين. آميــــــــــن.
وكل عام وحضراتكم جميعا بكل خير وصحة وسلام وأمان.

++ جوزيف مكرم .. المنسق الإعلامى لايبارشية المنيا ++