الأنبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا 🙏🙏 استشهاد يوحنا المعمدان 🙏🙏
(مرقس 6 : 14 – 29)
يجب في البداية قراءة هذا النص، المكتوب بطريقة جيدة جدا، من إنجيل القديس مرقص، فهو يعلمنا الكثير من المعاني:
1. التشابه بين يسوع والمعمدان والتوارد في الخواطر فعمل يسوع يستدعي إلى ذاكرة الناس أعمال يوحنا والشخصية تستدعي الشخصية هذا الترابط ليس فقط بسبب القرابة العائلية بل بسبب القرابة الروحية التي نشأت منذ أن كان الاثنان في بطن أمهما. وبسبب الغيرة على ملكوت الله والعدالة والكرامة الإنسانية ومحاربة الخطية ورفض الشر. فهل شخصية يسوع تستدعي شيء في شخصيتك أو شخصيتك تستدعي شيء في شخصية يسوع؟ وهل هناك ترابط بين شخصيتك وشخصية يسوع؟ في أي شيء يقوم هذا الترابط أو الاختلاف؟
2. هنا، في الآيات من 14 – 16 نجد الأساس الذي يشرح رأي الناس في يسوع كما يرد على لسان التلاميذ في متى 16 : 13 – 15. وأنت ما هو رأيك في يسوع؟ وعلى أي أساس تبني هذا الرأي؟
3. الصراع بين الخير والشر، فنرى في القصة كيف أن يوحنا المعمدان يواجه الشر بإعلان الحق والشريعة والأخلاق في وجه هيرودس وزوجته غير الشرعية لأنها كانت زوجة أخيه، وكيف تسبب هذا في سجن يوحنا وأثار الرغبة في الانتقام من المرأة التي تفضل نزواتها ومصالحها على القيم والمبادئ والأخلاق والشريعة. وكيف كانت تتربص به وتريد قتله وتتحين الفرصة لذلك.
4. موقف هيرودس الملك الضعيف المتردد. الذي يبدو أن عنده مبادئ دفينه في داخله تعبر عن قناعات غير مكتملة وإيمان طفولي ولذلك كان يهاب يوحنا ويحميه لأنه كان يعلم انه رجل صالح وقديس وكان يسر لسماعه رغم حيرته فيه. ولكن الرغبة في الخير ومحاولة حماية الخير والأخيار ليست كافية بل يجب أن يتغذى الإيمان وتنفذ الرغبة فكما يقال جهنم مفروشة أو مبلطة بالنيات الحسنة. يجب أن تتحول الرغبات الصالحة إلى أفعال ولا تكفي النيات فقط. وهنا يظهر ضعف هيرودس لأنه كان رجل ذو منصب وله سلطان ولكن لم يستخدمه في إعمال وإنفاذ وتمكين الخير.
5. سوء استخدام السلطة: سوء استخدام السلطة له مظاهر عديدة منها المبالغة في السيطرة والدكتاتورية واستغلال واستعباد الناس. وهناك المبالغة في الترف والاستمتاع بالحياة على حساب الاهتمام بالمسئوليات الموكلة لمن هو في سلطة، والأمانة في إدارة الموارد وتوظيف الإمكانيات في مكانها الصحيح. عدم العدالة في ممارسة الحكم وفي إصدار القرارات والقوانين التي تميز بين الناس ولا تقيم العدل ولا تضمن تحقيق المحبة.
6. الإغراق في اللهو والمتع الجسدية ونتائجه: أغرق الملك وضيوفه في الاحتفال بذكرى مولده وأقام وليمة فاخرة ومبالغ فيها من المآكل والمشارب والمتع والرقص والمجون، مما أثر على تركيزه واتزان أفعاله وقراراته والمبالغة في الوعود بلا ضوابط وإغداق الهدايا والمكافئات بلا حكمة ولا تمييز، أمام الشهود وفي الاحتفالات، مما كلفه الكثير. ولهذا يحذرنا الآباء الروحيون من إعطاء الوعود واتخاذ القرارات في الأوقات غير الاعتيادية وغير المستقرة لا في حالة انقباض شديد أو في حالة انبساط شديد، فالقرارات، في هذه الحالات لا تكون موضوعية ولا متوازنة ولا حقيقية بل تكون تحت تأثير الحالة النفسية التي سرعان ما تتغير وتتبدل.
7. التهور ونتائجه: تهور الملك فوعد وحلف للصبية أن يعطيها مهما طلبت ولو نصف مملكته، هذا المتهور كان يمكنه أن يفقد نصف مملكته بسبب لحظة متعة عابرة. هذا هو خطر تأثيرا المسكرات والمخدرات والحالة غير المتوازنة من الانفعال والنشوة غير المنضبطة. والخوف على الصورة الذاتية أمام الناس قد يدخل الناس في ورطات شديدة الخطورة ويكلف المتهورين ما لا طاقة لهم به. التهور قد يقتل القديسين وكل ما يمثلوه من قيم ومبادئ وسمو كما تسبب تهور هيرودس في موت يوحنا المعمدان. فيفرغ الحياة من أبطال الإيمان والأخلاق والمبادئ التي تصنع حضارة الحب والحياة والخير والجمال.
8. المشورة الرديئة ونتائجها: كان يمكن للفتاة أن تحصل على نصف مملكة هيرودس وتنقذ حياة القديس يوحنا المعمدان، ولكن بسبب سوء مشورة أمها الشريرة والفاسدة فقدت نصف المملكة وفقدت كل القيم السامية التي تبنى عليها الحياة والمجتمعات الراقية. من أين تأخذ مشورتك؟ وكيف تأخذها؟ وما مدى تأثيرها عليك؟
9. قتل يوحنا، وجاء تلاميذه واخذوا جثته ودفنوها في قبر. الأنبياء والقديسين لا يموتون، وإن دفنت أجسادهم في القبور، ولكن أصواتهم ورسالتهم وتعاليمهم تظل دائما حية، فهم ضمير البشرية الذي لا يموت، ونورها الذي لا يخبو ولا يخفت.
10. الندم حيث لا ينفع الندم: يقول القديس مرقص إن الملك هيرودس “حزن كثيرا، ولكنه أراد أن لا يرد طلبها من أجل اليمين التي حلفها أمام المدعوين” إن نتائج سوء استخدام السلطة والتهور وقتل الحق والشهود للحق، والإفراط في اللهو والمتع الخسيسة تؤدي إلى نتائج وخيمة وتنتج الحزن والندم ولكن بعد فوات الأوان فمن الأفضل دائما استدراك الأمور قبل فوات الأوان والاحتياط للأمور قبل الوقوع فيها ودراستها قبل تنفيذها والوعي بنتائجها قبل الشروع فيها، فهذه هي الحكمة التي تنقص المتهورين والمفرطين في اللهو والترف والمتع ومن لا يتبعون الحق والخير والمبادئ. وكل هذا يستدعي الإصغاء والخضوع لروح الله والانقياد لإلهاماته وعمله في النفس حتى يقودنا إلى قلب الله والعمل بمشيئته.
++ جوزيف مكرم .. المنسق الاعلأمى لأيبارشية المنيا ++