الإيمان فى زمن الوباء ( 3 ) الكنيسة البيتية .. نواة الخلاص
ناجح سمعـان
تعلمنا المبادئ الأولى فى علم الاجتماع ان الاسرة نواة المجتمع ، وأنه متى كانت الأسرة صحيحة البنية متماسكة الروابط صار المجتمع كله قوياً . يتوجب الظرف الصحي الحالي الذى يعيشه ابناء الأرض فى مواجهة الوباء العالمي كورونا ، أن نستدعى من ذاكراتنا التعليمية ما نشأنا عليه من معارف وعقائد وقيم كانت وستظل بمثابة قناديل نور تهدى خطواتنا وتنير بصائرنا نحو قراءة الواقع واستشراف المستقبل . تحاول المقالة التالية بين كلماتها ان تناقش موقع الإيمان فى تقوية البناء الروحى للعائلة لا سيما فى خضم التحديات والمحن التى نتلمس برجاء لا يخيب فى الرب ، بزوغ الشمس ليوم خلاصنا .
فى البداية نقف أمام نظرة الكنيسة إلى العائلة ونقرأ معاً فى كتاب ” تعليم الكنيسة الاجتماعى للشبيبة ” ( DOCAT ) الذى يحمل فصله الخامس عنوان ( العائلة أساس المجتمع ) حيث يقول : ” تنظر الكنيسة إلى العائلة على انها الجماعة الطبيعية الأولى والأهم . وللعائلة حقوق خاصة وهى تقوم مقام المحور فى الحياة المجتمعية . وبالتحديد هى المكان الذى تنشأ فيه الحياة الانسانية وتنمو العلاقات الأولى بين البشر . وهى تشكل أساس المجتمع اذ منها ينبثق كل نظام اجتماعى . فى ضوء هذة المكانة الكبيرة التى تحملها العائلة ترى الكنيسة فيها مؤسسة إلهية ” . وعن موقع الكنيسة فى المجتمع المعاصر يقول التعليم الاجتماعى للكنيسة الكاثوليكية : ” إن اسلوب الحياة فى العائلة بكل ما يحمل من مثل عليا وعلاقات جديدة ، يشكل افضل اطار للحياة بالنسبة إلى الإنسان المعاصر . ففيها يتعلم عملياً أن الاحترام المتبادل والعدالة والحوار والمحبة هى أشياء مهمة لنجاح الحياة المشتركة أكثر من أى شئ أخر . فالعائلة إذا هى أكثر من مجرد مؤسسة تتلاتم والمجتمع المعاصر، انها المكان المركزى للاندماج الإنسانى . وفيها تنمو ظروف الحياة الانسانية والاجتماعية الضرورية لقيام الدولة والقطاعات المجتمعية المختلفة . بالطبع ، كل ما تقدمه العائلة على مستواها الداخلى لذاتها أو لأحد اعضائها ، يعتبر ذا أهمية للمجتمع . فهذا الأخير لا يمكن أن ينجح فى الحقيقة ، إلا إذا كان كل عضو فيه بخير وشعر بأنه محبوب ومعترف به وبفضل هذه التربية العائلية ، يتمكن البشر من القيام بكل انواع المهمات فى المجتمع ” .
حول الصلاة العائلية ودورها فى تربية الإيمان يذكر المتنيح الانبا يؤانس زكريا مطران الاقصر للاقباط الكاثوليك فى كتابه ( الخدمة الرعوية فى ضوء التعليم الانجيلى والارشاد الكنسي ) حيث كتب ما يلى : ” الصلاة العائلية هى الصلاة الجماعية لافراد الأسرة المجتمعين معاً لكى يقدموا للرب الشكر والحمد ويطلبوا منه النعمة والبركة . هذه الصلاة تضفى على المنزل وكل من فيه روحاً من المحبة والتعاون والسلام ، وهى المدرسة الأولى التى يتلقى فيها الاطفال والأبناء التربية المسيحية الحقيقية ويتعلمون ويمارسون التعاليم الانجيلية . ويضيف سيادته : من بين خصائص الصلاة العائلية ، انها صلاة جماعية ، يقوم بها الزوجان والأبناء وكل افرد الاسرة ، يصلون معاً بروح المحبة والاتحاد ، الذى هو ثمرة الاسرار المقدسة وخاصة أسرار العماد والتثبيت والزواج والتوبة والافخارستيا ” . عن موضوعات الصلاة العائلية كتب طيب الذكر الانبا يؤانس : ” ترتبط مواضيع الصلاة بالحياة الأسرية ، وما تختبره العائلة من افراح وأتراح ، وما تعيشه من مناسبات مختلفة ، وتشمل هذه الصلاة ، صلوات الصباح والمساء ، وقراءة كلمة الله والتأمل فيها ، والاستعداد للأسرار المقدسة وعبادة قلب يسوع واكرام سيدتنا مريم العذراء بصلاة المسبحة الوردية واكرام القديسين ، كذلك صلاة قبل الأكل وبعده وكافة الممارسات التقوية . إن الكنيسة دائماً تصلى من أجل وحدة وسلام العائلة المسيحية ، كما تدعوها للمواظبة على الصلاة معاً ” .
فى ذات السياق يتناول الاب رفيق جريش راعى كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك ورئيس مجلس ادارة وتحرير جريدة حامل الرسالة ، القضية فى كتابه ( الزواج هذا السر العظيم ) حيث يتحدث عن ( الكنيسة الصغيرة ) ويقول : ” الكنيسة الصغيرة ، هكذا وصف القديس يوحنا ذهبى الفم ” الزواج ” وهذا الوصف لم يأت من فراغ فقد عرفنا أن الحب الإلهى اختار الزواج لينتقل عبره إلى كل الأجيال ورأينا عبر التاريخ المقدس أن الزواج كان له دائماً مكانة رفيعة ولما أتى ربنا يسوع المسيح رفع الزواج إلى مستوى السر المقدس وطلب من الكنيسة ان تحافظ عليه ” . وعن موقع الصلاة فى حياة الزوجين كتب جريش قائلا: ” يجب ان تكون للصلاة الاولوية المطلقة فى حياة الزوجين كما يجب ان تكون الصلاة مستمدة من حبهما لله ، فهى بحث دائم عن الله والحاح للتكلم معه والإصغاء إليه . صلاة الزوجين معاً هى حوار ذات اتجاهين ، حركة افقية اى حوار ولقاء بين الزوجين ثم حركة رأسية يقدم فيها الزوجان حوارهما إلى الله فهما سيتكلمان مع الله والله سيسمعهما كما ان الله بدوره سيكلمهما فعليهما إذن ان يكونان مستعدين لسماعه بشوق عميق ورهافة عاطفة يسودها الشغف ليعرفا مشيئة الله لحياتهما وبالتالى يتجاوبان معه ” . وعن رسالة الأسرة فى المجتمع يقول الأب رفيق جريش : ” ان الرسالة المسيحية المدعو إليها الازواج والابناء تتخطى حدود البيت لتشمل المجتمع الذى تعيش فيه والعالم بوجه عام ، فالأسرة الكنيسة الصغيرة التى وجدت لتكون فى المجتمع مثل حبة الحنطة ، ويكفى ان تكون تصرفات اعضائها تنم عن سلوك مسيحى حتى تكون هذه العائلة مثلاً حياً للحب الإلهى ”
تعطى القراءة السابقة فى أدبيات الكنيسة بشأن العائلة ، مقدمة اساسية تفضى إلى نتيجة منطقية محورها عظم الدور الذى تلعبه العائلة فى حياة الإيمان فى العالم . وإذا كان البحث فى موقع الإيمان فى قراءة الأحداث هو الموضوع الجوهري لدراستنا الحالية لذا يتوجب على الباحث أن يرصد ملامح التعبير عن الإيمان فى العائلة ايذاء مواجهة ما يعيشه إنسان هذا الزمان فى حربة ضد الوباء القاتل كورونا . وهو ما يتجلى فى المشاهدات التالية :
1- ما قبل الوباء كانت العائلة المصرية تعيش حالة من الضغط اليومى نتيجة صعوبات الحياة العامة مما تباعد بين اعضائها حتى انهم قلما ان التقوا معا حول مائدة طعام او مذبح صلاة .
2- أثرت وسائل الاتصال الاجتماعية فى تعزيز مجتمع العلاقات الافتراضى بين الناس على حساب تنامى حرارة الروابط العائلية بين افراد الاسرة الواحدة .
3- استقبلت العائلات المصرية نبأ وباء كورونا أول الأمر بعدم الاكتراث وربما التندر حتى كانت المفاجأة المؤلمة مع سقوط ضحايا هذا الفيروس اللعين بالالاف وفى ايام معدودة بالعديد من دول العالم .
4- اتاحت الاجراءات الحكومية الحاسمة لا سيما منذ منتصف مارس فى الزام العائلة المصرية على البقاء بالمنزل حفاظاً على سلامة وحياة اعضائها .
5- أعطى بقاء العائلة بالمنزل الفرصة للوالدين فى تعميق الحوار مع ابنائهم لاسيما فى قراءة الحدث الابرز ومن ثم البحث عن حضور الله والسعى إلى اكتشاف ارادته المقدسة .
6- كان لممارسة العائلة للصلوات التقوية والقراءة فى كلمة الله عامل اساسي فى تنمية إيمان الاسرة وتقوية الرجاء لدى ابنائها فى التماس رحمة الله .
7- تتزامن احداث هذ الوباء فى أحد فصوله مع الزمن الطقسي الخاص بالصوم الاربعينى واسبوع الآلام وامام حرمان ابناء العائلة من المشاركة فى الصلوات الطقسية بالكنائس يضحى التمسك بالصلاة العائلية فلك نوح الذى يتوجب على الأسر الدخول فيه ، حتى ينعم الرب على كوكبه بالخلاص .
8- تقود القراءة الروحية المتأنية لحدث الوباء العالمى كورونا إلى ميلاد طائفة جديدة من الافكار الإنسانية والقيم الروحية تكشف فى الغد القريب عن إلهامات الروح الإلهى لأصفيائه ، ومن له أذنان للسمع فليسمع .