stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

الإيمان فى زمن الوباء ( 3 )‏ الكنيسة البيتية .. نواة الخلاص ‏

683views

ناجح سمعـان

تعلمنا المبادئ الأولى فى علم الاجتماع ان الاسرة نواة المجتمع ، وأنه متى كانت الأسرة ‏صحيحة البنية متماسكة الروابط صار المجتمع كله قوياً . يتوجب الظرف الصحي الحالي الذى ‏يعيشه ابناء الأرض فى مواجهة الوباء العالمي كورونا ، أن نستدعى من ذاكراتنا التعليمية ما ‏نشأنا عليه من معارف وعقائد وقيم كانت وستظل بمثابة قناديل نور تهدى خطواتنا وتنير ‏بصائرنا نحو قراءة الواقع واستشراف المستقبل . تحاول المقالة التالية بين كلماتها ان تناقش ‏موقع الإيمان فى تقوية البناء الروحى للعائلة لا سيما فى خضم التحديات والمحن التى نتلمس ‏برجاء لا يخيب فى الرب ، بزوغ الشمس ليوم خلاصنا . ‏

فى البداية نقف أمام نظرة الكنيسة إلى العائلة ونقرأ معاً فى كتاب ” تعليم الكنيسة ‏الاجتماعى للشبيبة ” ( ‏DOCAT‏ ) الذى يحمل فصله الخامس عنوان ( العائلة أساس المجتمع ‏‏) حيث يقول : ” تنظر الكنيسة إلى العائلة على انها الجماعة الطبيعية الأولى والأهم . وللعائلة ‏حقوق خاصة وهى تقوم مقام المحور فى الحياة المجتمعية . وبالتحديد هى المكان الذى تنشأ فيه ‏الحياة الانسانية وتنمو العلاقات الأولى بين البشر . وهى تشكل أساس المجتمع اذ منها ينبثق كل ‏نظام اجتماعى . فى ضوء هذة المكانة الكبيرة التى تحملها العائلة ترى الكنيسة فيها مؤسسة ‏إلهية ” . وعن موقع الكنيسة فى المجتمع المعاصر يقول التعليم الاجتماعى للكنيسة الكاثوليكية ‏‏: ” إن اسلوب الحياة فى العائلة بكل ما يحمل من مثل عليا وعلاقات جديدة ، يشكل افضل اطار ‏للحياة بالنسبة إلى الإنسان المعاصر . ففيها يتعلم عملياً أن الاحترام المتبادل والعدالة والحوار ‏والمحبة هى أشياء مهمة لنجاح الحياة المشتركة أكثر من أى شئ أخر . فالعائلة إذا هى أكثر ‏من مجرد مؤسسة تتلاتم والمجتمع المعاصر، انها المكان المركزى للاندماج الإنسانى . وفيها ‏تنمو ظروف الحياة الانسانية والاجتماعية الضرورية لقيام الدولة والقطاعات المجتمعية ‏المختلفة . بالطبع ، كل ما تقدمه العائلة على مستواها الداخلى لذاتها أو لأحد اعضائها ، يعتبر ‏ذا أهمية للمجتمع . فهذا الأخير لا يمكن أن ينجح فى الحقيقة ، إلا إذا كان كل عضو فيه بخير ‏وشعر بأنه محبوب ومعترف به وبفضل هذه التربية العائلية ، يتمكن البشر من القيام بكل انواع ‏المهمات فى المجتمع ” . ‏

حول الصلاة العائلية ودورها فى تربية الإيمان يذكر المتنيح الانبا يؤانس زكريا مطران ‏الاقصر للاقباط الكاثوليك فى كتابه ( الخدمة الرعوية فى ضوء التعليم الانجيلى والارشاد الكنسي ‏‏) حيث كتب ما يلى : ” الصلاة العائلية هى الصلاة الجماعية لافراد الأسرة المجتمعين معاً لكى ‏يقدموا للرب الشكر والحمد ويطلبوا منه النعمة والبركة . هذه الصلاة تضفى على المنزل وكل ‏من فيه روحاً من المحبة والتعاون والسلام ، وهى المدرسة الأولى التى يتلقى فيها الاطفال ‏والأبناء التربية المسيحية الحقيقية ويتعلمون ويمارسون التعاليم الانجيلية . ويضيف سيادته : ‏من بين خصائص الصلاة العائلية ، انها صلاة جماعية ، يقوم بها الزوجان والأبناء وكل افرد ‏الاسرة ، يصلون معاً بروح المحبة والاتحاد ، الذى هو ثمرة الاسرار المقدسة وخاصة أسرار ‏العماد والتثبيت والزواج والتوبة والافخارستيا ” . عن موضوعات الصلاة العائلية كتب طيب ‏الذكر الانبا يؤانس : ” ترتبط مواضيع الصلاة بالحياة الأسرية ، وما تختبره العائلة من افراح ‏وأتراح ، وما تعيشه من مناسبات مختلفة ، وتشمل هذه الصلاة ، صلوات الصباح والمساء ، ‏وقراءة كلمة الله والتأمل فيها ، والاستعداد للأسرار المقدسة وعبادة قلب يسوع واكرام سيدتنا ‏مريم العذراء بصلاة المسبحة الوردية واكرام القديسين ، كذلك صلاة قبل الأكل وبعده وكافة ‏الممارسات التقوية . إن الكنيسة دائماً تصلى من أجل وحدة وسلام العائلة المسيحية ، كما ‏تدعوها للمواظبة على الصلاة معاً ” . ‏

فى ذات السياق يتناول الاب رفيق جريش راعى كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك ‏ورئيس مجلس ادارة وتحرير جريدة حامل الرسالة ، القضية فى كتابه ( الزواج هذا السر العظيم ‏‏) حيث يتحدث عن ( الكنيسة الصغيرة ) ويقول : ” الكنيسة الصغيرة ، هكذا وصف القديس ‏يوحنا ذهبى الفم ” الزواج ” وهذا الوصف لم يأت من فراغ فقد عرفنا أن الحب الإلهى اختار ‏الزواج لينتقل عبره إلى كل الأجيال ورأينا عبر التاريخ المقدس أن الزواج كان له دائماً مكانة ‏رفيعة ولما أتى ربنا يسوع المسيح رفع الزواج إلى مستوى السر المقدس وطلب من الكنيسة ان ‏تحافظ عليه ” . وعن موقع الصلاة فى حياة الزوجين كتب جريش قائلا: ” يجب ان تكون للصلاة ‏الاولوية المطلقة فى حياة الزوجين كما يجب ان تكون الصلاة مستمدة من حبهما لله ، فهى بحث ‏دائم عن الله والحاح للتكلم معه والإصغاء إليه . صلاة الزوجين معاً هى حوار ذات اتجاهين ، ‏حركة افقية اى حوار ولقاء بين الزوجين ثم حركة رأسية يقدم فيها الزوجان حوارهما إلى الله ‏فهما سيتكلمان مع الله والله سيسمعهما كما ان الله بدوره سيكلمهما فعليهما إذن ان يكونان ‏مستعدين لسماعه بشوق عميق ورهافة عاطفة يسودها الشغف ليعرفا مشيئة الله لحياتهما ‏وبالتالى يتجاوبان معه ” . وعن رسالة الأسرة فى المجتمع يقول الأب رفيق جريش : ” ان ‏الرسالة المسيحية المدعو إليها الازواج والابناء تتخطى حدود البيت لتشمل المجتمع الذى تعيش ‏فيه والعالم بوجه عام ، فالأسرة الكنيسة الصغيرة التى وجدت لتكون فى المجتمع مثل حبة ‏الحنطة ، ويكفى ان تكون تصرفات اعضائها تنم عن سلوك مسيحى حتى تكون هذه العائلة مثلاً ‏حياً للحب الإلهى ” ‏
تعطى القراءة السابقة فى أدبيات الكنيسة بشأن العائلة ، مقدمة اساسية تفضى إلى ‏نتيجة منطقية محورها عظم الدور الذى تلعبه العائلة فى حياة الإيمان فى العالم . وإذا كان ‏البحث فى موقع الإيمان فى قراءة الأحداث هو الموضوع الجوهري لدراستنا الحالية لذا يتوجب ‏على الباحث أن يرصد ملامح التعبير عن الإيمان فى العائلة ايذاء مواجهة ما يعيشه إنسان هذا ‏الزمان فى حربة ضد الوباء القاتل كورونا . وهو ما يتجلى فى المشاهدات التالية : ‏

‏1-‏ ما قبل الوباء كانت العائلة المصرية تعيش حالة من الضغط اليومى نتيجة صعوبات ‏الحياة العامة مما تباعد بين اعضائها حتى انهم قلما ان التقوا معا حول مائدة طعام او ‏مذبح صلاة .‏

‏2-‏ أثرت وسائل الاتصال الاجتماعية فى تعزيز مجتمع العلاقات الافتراضى بين الناس على ‏حساب تنامى حرارة الروابط العائلية بين افراد الاسرة الواحدة .‏

‏3-‏ استقبلت العائلات المصرية نبأ وباء كورونا أول الأمر بعدم الاكتراث وربما التندر حتى ‏كانت المفاجأة المؤلمة مع سقوط ضحايا هذا الفيروس اللعين بالالاف وفى ايام معدودة ‏بالعديد من دول العالم .‏

‏4-‏ اتاحت الاجراءات الحكومية الحاسمة لا سيما منذ منتصف مارس فى الزام العائلة ‏المصرية على البقاء بالمنزل حفاظاً على سلامة وحياة اعضائها .‏

‏5-‏ أعطى بقاء العائلة بالمنزل الفرصة للوالدين فى تعميق الحوار مع ابنائهم لاسيما فى ‏قراءة الحدث الابرز ومن ثم البحث عن حضور الله والسعى إلى اكتشاف ارادته المقدسة .‏

‏6-‏ ‏ كان لممارسة العائلة للصلوات التقوية والقراءة فى كلمة الله عامل اساسي فى تنمية ‏إيمان الاسرة وتقوية الرجاء لدى ابنائها فى التماس رحمة الله .‏

‏7-‏ تتزامن احداث هذ الوباء فى أحد فصوله مع الزمن الطقسي الخاص بالصوم الاربعينى ‏واسبوع الآلام وامام حرمان ابناء العائلة من المشاركة فى الصلوات الطقسية بالكنائس ‏يضحى التمسك بالصلاة العائلية فلك نوح الذى يتوجب على الأسر الدخول فيه ، حتى ينعم ‏الرب على كوكبه بالخلاص . ‏

‏8-‏ تقود القراءة الروحية المتأنية لحدث الوباء العالمى كورونا إلى ميلاد طائفة جديدة من ‏الافكار الإنسانية والقيم الروحية تكشف فى الغد القريب عن إلهامات الروح الإلهى ‏لأصفيائه ، ومن له أذنان للسمع فليسمع . ‏