الامتحانات الورقية .. قراءة واقعية
كتب : ناجح سمعـان
فى تصوير الواقع المعاصر للتعليم ، وقراءة فعالياته فى ضوء دوره الحيوى فى بناء العقل المصرى ، تولد المحاولات البحثية الجادة لفهم الحاضر وتقييمه ، ومن ثم الاقرار بالاستمرار فى ذات المناهج والآليات الحاضرة ، ام البحث عن بدائل جديدة من اجل المستقبل . تعد آلية الامتحان بنهاية الفصل أو العام الدراسي هى العملية الاكثر شيوعاً فى قياس تحصيل الطالب ومن ثم تقدمه فى مسيرته التعليمية عاماً بعد عام . لسنين عديدة شاركت فى اعمال الامتحانات بمختلف مراحلها وفى اكثر من قرية ومركز بعدة محافظات ، تحمل خبرة التجارب السابقة سمات مشتركة ونتائج متقاربة . كان احدث التجارب تلك هو انتدابى للعمل كمراقب بإحدى لجان امتحانات الفصل الدراسي الاول للشهادة الاعدادية العامة بمحافظتى اسيوط . ما يدفعنى للكتابة عن هذه التجربة ، ليس بالأمر الجديد فى آلية عمل الامتحان ، بل رغبة ذاتية فى تصوير الواقع وسرد احداث قد تكون خافية عن الأسرة المصرية ، التى تتكبد من الرعاية والمال معظم ما تملك من طاقة مالية ومعنوية فى سبيل تعليم ابنائها ، فضلاً عن محاولة قراءة التجربة الحالية فى محاولة وزارة التربية والتعليم انتهاج الية الابحاث والمشروعات لطلاب المدارس كبديل عن الامتحانات الورقية التقليدية .
بداية تعد لجنة الامتحان التى تعقد بمدرسة ما ، هى وحدة إدارية متكاملة يتم تشكيلها بصفة مؤقته حسب القوانين والقرارات الوزارية المستقرة والتقاليد العرفية المتبعة ، بغرض تنفيذ عملية امتحان الطلاب تحريرياً . وتعمم اجراءات عملية الامتحان بكافة المدارس وفى ذات التوقيت ، على مستوى المحافظة فى امتحانات الشهادة الاعدادية ، أو على مستوى الجمهورية فى امتحانات الثانوية العامة . وفى الشأن الادارى تتكون منظومة لجنة الامتحان بمدرسة من رئيس اللجنة وعدد من المراقبين والملاحظين والاداريين والعمال ، بحسب كثافة الطلاب الممتحنين فى كل لجنة ، فضلاً عن تأمين الشرطة لاعمال الامتحان والرعاية الصحية للطلاب من خلال الطبيب او الزائرة الصحية .
يبدأ عمل اللجنة قبل موعد الامتحانات بيومين دائماً حيث يتسلم رئيس اللجنة من غرفة النظام والمراقبة بالمديرية ، المظروف الخاص بالاوراق الإدارية الخاصة باللجنة والواجب استيفائها حيث تسلم محاضرها كل يوم خلال فترة الامتحانات مع اوراق اجابات الطلاب إلى غرفة النظام والمراقبة . وعلى ارض الواقع يبدأ خلال اليومين السابقين لعملية الامتحان ، رئيس اللجنة والمراقبون مع الاداريين والعمال ، فى تهيئة مبنى المدرسة من خلال تقسيم اعداد الطلاب على الفصول التى سيعقد بها الامتحان ، وبحسب اللوائح لا يزيد عدد الطلاب بالحجرة الواحدة عن ( 24 ) طالباً . كذلك يقوم فريق العمل السابق باعداد كشوف المناداة حسب ارقام الجلوس الواردة للطلاب من غرفة النظام والمراقبة ثم كتابة رقم جلوس الطالب على المقعد المخصص له بالحجرة التى سيؤدى الامتحان بها . ويقوم الاداريون بفحص جودة واعداد اوراق اجابات الطلاب وتصنيفها حسب المواد الدراسية . واخيراً يتم اعداد كشف الملاحظة لليوم الاول من جدول الامتحانات حيث يتم توزيع اسماء المعلمين المرشحين من المديرية للعمل باللجنة على الحجرات بواقع اثنان لكل حجرة إلى جانب مراقب لكل دور بالمدرسة ومسئول أمن واحد عن اللجنة .
إذا كان موعد بدء الامتحان حسب الجدول فى الثامنة صباحاً مثلاً ، فإن المعلمين المنتدبين لاعمال الامتحان يبدأون يومهم فى السادسة إذ ان اغلبهم ما يكونوا قادمين من قرى أو مراكز بعيدة حتى لا يكون لأحدهم أقارب باللجنة . ويقع عبء المسئولية الاكبر على رئيس اللجنة أو المراقب الذى يتولى مسئولية استلام اوراق مظروف الاسئلة كل يوم من مركز التوزيع التابع للجنة الإدارة ، ويتوجب على من يقوم بهذه المهمة فحص المظروف بعناية والتأكد من سلامة الاختام واللاصق خارج المظروف . قبل بدء الامتحان بربع ساعة تقريباً ، يبدأ رئيس اللجنة والمراقبون فى فتح مظروف اوراق الاسئلة بمحضر رسمى للاطمئنان على جودة الاوراق وكفاية عددها ، ثم يقوم المراقبون بوضع اوراق الاسئلة فى الدوسيهات الخاصة بالحجرات حتى يقوموا بتسليمها للملاحظين الذين يكونوا بدورهم قد قاموا بتوزيع كراسات الاجابة على الطلاب قبل بدء الامتحان بعشر دقائق ومراجعة بياناتهم على الغلاف الخارجى للكراسة ، ومن ثم التوقيع عليها . فى الميعاد المحدد يتسلم الطالب اوراق الاسئلة للمادة الدراسية ويبدأ فى قراءتها والإجابة على ما بها من تساؤلات .
يراعى كافة العاملين بلجنة الامتحانات اى كان موقعها ، الالتزام بالتعليمات الخاصة بخط سير عملية الامتحانات ، وابرزها الانضباط فى المواعيد والهدوء داخل اللجان . ومع نهاية الوقت المحدد لكل مادة دراسية يقوم الملاحظان باستلام اوراق الاجابة من الطلاب ومراجعتها حسب ارقام الجلوس ثم تسليمها إلى مراقب الدور . وفى نهاية اليوم يقوم رئيس اللجنة والمراقبون بتجميع كراسات الاجوبة للجنة كلها ووضعها فى المظاريف الخاصة بها ثم توضع المظاريف فى جوال تعهده اللجنة إلى احد المراقبين ليقوم بتسليمه إلى مقر لجنة النظام والمراقبة . فى سيارة الإدارة التعليمية يتم تجميع مندوبى اللجان حيث يحمل كل منهم جوال لجنته ، متجهين جميعهم إلى مقر غرفة النظام والمراقبة ، والذى غالباً ما يكون بعاصمة المحافظة التى تجرى بها الامتحانات العامة . يلتقط الجميع انفاسهم متى تمت عملية تسليم اوراق اجوبة الطلاب إلى المسئول بغرفة النظام والمراقبة بسلام فى نهاية كل يوم . وفى اليوم الاخير من اعمال الامتحانات يحصل كل منتدب باللجنة على اخلاء طرف حتى يتسنى له العودة إلى عمله الأصلى .
قد يندهش القارئ من سردى السابق لبعض الوقائع بتفاصيلها ، لكنى أردت بذلك أن أرصد صورة واقعية لحدث هو الأهم فى مسيرة الطالب التعليمية . تعكس القراءة السابقة فى تقديرى ملامح من فلسفة العمل فى منظومة الامتحانات ، ومدى الرهبة الشديدة التى يشعر بها المشاركون فى عملية الامتحانات ، فضلاً عن المجهود البدنى المضنى الذى يبذل فى الالتزام بالتعليمات الادارية . ربما ما حملته الكلمات يبعث برسالة طمأنينة للأسرة المصرية تؤكد حرص القائمين على شأن التعليم فى حماية مجهودات الطلاب العقلية والوصول بها إلى عتبة النجاح ، لكن يبقى التساؤل الذى لأبد من طرحه بواقعية شديدة ، وهو ، هل تصلح مثل هذه الأساليب البدائية فى قياس تحصيل طلاب القرن الحادى والعشرين ؟ . أعتقد انه لأبد ان يكون للحديث بقية فإلى مقال لاحق بمشيئة الله .