البابا: “علينا أن نصنع الخير، أن نخرج من ذواتنا وأن ننظر إلى الأشدّ عوزًا”
١٧ نوفمبر ٢٠٢٠
زينت
“يقدّم لنا الإنجيل في هذا الأحد ما قبل الأخير من السنة الليتورجية، مثلَ الوزنات الشهير (را. متى 25، 14- 30). وهو جزء من خطاب يسوع حول نهاية الأزمنة، والذي يسبق مباشرة آلامه وموته وقيامته. يروي هذا المثل قصّةَ رجل غنيّ أراد السفر، وعلمًا منه أنّ غيابه سوف يطول، عهد بممتلكاته إلى ثلاثة من خدمه: فأعطى الأوّل خمس وَزَنات، والثاني وَزْنَتَين، والثالث وَزْنَةً واحدة. وأوضح يسوع أنه قد أعطى ‘كلًّا منهم على قَدْرِ طاقَتِه’ (آية 15). هذا ما يفعله الربّ معنا جميعًا: إنه يعرفنا جيّدًا، ويعلم أننا لسنا متساوين ولا يريد أن يميّز أحدًا على حساب الآخرين، لكنه يأتمن كلّ واحد على ‘رأسمال’ وفقًا لطاقاته.
أثناء غياب ربّ العمل، اجتهد الخادمان الأوّلان في عملهما، حتى أنهما ضاعفا المبلغ الذي ائتُمنا عليه. أمّا الخادم الثالث فلم يصنع الشيء نفسه، بل دفن وزنته في حفرة: حتى يتجنّب المخاطر، تركها هناك، في مأمن من اللصوص، ولكن دون أن يجعلها تثمر. ثمّ حان وقت عودة ربّ العمل، فدعا الخدم لمحاسبتهم. قدّم الخادمان الأوّلان ثمر عملهما الجيّد، فقد اجتهدا، وأثنى السيّد عليهما، وكافأهما ودعاهما للمشاركة في عيده وفرحه. أمّا الثالث، إذ أدرك أنه مخطئ، بدأ فورًا في تبرير ذاته قائلًا: ‘يا سَيِّد، عَرفتُكَ رَجُلًا شَديدًا تَحصُدُ مِن حَيثُ لَم تَزرَعْ، وتَجمَعُ مِن حَيثُ لَم تُوزِّعْ، فخِفتُ وذَهَبتُ فدَفَنتُ وَزْنَتَكَ في الأرض، فإِليكَ مالَك’ (آيات 24- 25). فبرّر كسله متّهمًا سيّده بأنه ‘قاس’. من عاداتنا نحن أيضًا أن ندافع عن أنفسنا الكثيرَ من الأحيان عبر اتّهام الآخرين. ليسوا هم المخطئين، فالذنب ذنبنا والعيب فينا. وهذا الخادم اتّهم الآخرين، اتّهم السيّد لكي يبرّر ذاته. وغالبًا ما نصنع نحن أيضًا الشيء نفسه. فانتهره السيّد: ووصفه بالخادمَ ‘لشِّرِّير الكَسْلان’ (آية 26)؛ وأخذ منه وزنته وطرده من بيته.
إن هذا المثل يصلح للجميع ولكنه، كما هو الحال دائمًا، يصلح بشكل خاصّ للمسيحيّين. وما زال حاليّا اليوم أيضًا: اليوم هو اليوم العالمي للفقراء، الذي تقول فيه لنا الكنيسة أن نمدّ يد العون للفقير: ‘مدّ يدك للفقير. مدّ يدك للفقير. لست وحيدًا في هذه الحياة، هناك أشخاص بحاجة إليك. لا تكن أنانيًّا، مدّ يدك للفقير’. لقد نلنا جميعًا من الله ‘ميراثًا’ بصفتنا بشر، نلنا غنًى بشريًّا، من أيّ نوع كان. وبصفتنا تلاميذ المسيح، نلنا الإيمان والإنجيل والروح القدس والأسرار المقدّسة والكثير من الأمور الأخرى… ويجب استخدام هذه المواهب لصنع الخير، لصنع الخير في هذه الحياة، كخدمة لله والإخوة.واليوم تقول الكنيسة لك، ولنا: ‘استخدم عطيّة الله لك وانظر إلى الفقراء. أنظر فَهُم كثيرون، في مدننا أيضًا، وسط مدينتنا، هم كثيرون. اصنعوا الخير!’
نظنّ أحيانًا أنه يكفي عدم صنع الشرّ كي نكون مسيحيّين. وعدم صنع الشرّ هو أمر صالح، ولكن عدم صنع الخير ليس بأمر صالح. نحن علينا أن نصنع الخير، أن نخرج من ذواتنا وأن ننظر، ننظر إلى الأشدّ عوزًا. فالجوع كبير، حتى وسط مدننا، ونحن غالبًا ما ندخل في منطق اللامبالاة هذا: الفقير هنا ونحن ننظر في الاتّجاه الآخر. مدّ يدك للفقير: إنه المسيح. يقول البعض: ‘لكن هؤلاء الكهنة، هؤلاء الأساقفة الذين يتحدّثون عن الفقراء، والفقراء… نريدهم أن يحدّثونا عن الحياة الأبدية!’. انظر أيّها الأخ وأيّتها الأخت، الفقراء هم محور الإنجيل؛ ويسوع هو الذي علّمنا أن نتحدّث إلى الفقراء، وهو الذي جاء من أجل الفقراء. مدّ يدك للفقراء. لقد نلت الكثير، هل تترك أختك وأخاك يتضوّران جوعًا؟
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء، فليقل كلّ واحد في قلبه ما قاله لنا يسوع اليوم، وكرّر في قلبه: ‘مدّ يدك للفقير.’ ويقول لنا يسوع شيئًا آخر، ‘أتعلم، أنا هو الفقير’. يقول لنا يسوع هذا: ‘أنا هو الفقير.'”