stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

البابا فرنسيس : إنَّ الرب لا يدعونا لكي نكون عازفين منفردين، وإنما لكي نكون جزءًا من جوقة، ينشد أفرادها معًا على الدوام

355views

نقلا عن الفاتيكان نيوز

2 فبراير 2021

كتب : فتحي ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .

“لنتأمل في صبر الله ولنلتمس من سمعان الصبر الواثق، لكي تتمكّن أعيننا أيضًا من أن ترى نور الخلاص وتحمله إلى العالم أجمع” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل واليوم العالمي الخامس والعشرين للحياة المكرّسة

بمناسبة عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل واليوم العالمي الخامس والعشرين للحياة المكرّسة ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الثلاثاء القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها يكتب القديس لوقا “كان سِمعان، يَنتَظرُ الفَرَجَ لإِسرائيل”. وإذ صعد إلى الهيكل فيما كان يوسف ومريم آتيان بيسوع، قبل المسيح بين ذراعيه. والذي رأى في الطفل النور الذي جاء لينير الشعوب هو الآن رجل مُسنٌّ انتظر بصبر تمام وعود الرب.

تابع الأب الأقدس يقول صبر سمعان. لننظر عن كثب إلى صبر سمعان. لقد انتظر طوال حياته وعاش صبر القلب. في الصلاة، تعلَّم أن الله لا يأتي في أحداث غير عادية، ولكنه يقوم بعمله في رتابة أيامنا الظاهرة، في إيقاع النشاطات المتعب أحيانًا، وفي الأشياء الصغيرة التي نقوم بها بشجاعة وتواضع إذ نسعى لتحقيق مشيئته. إذ سار بصبر، لم يسمح سمعان لمرور الوقت بأن ينهكه. إنه الآن رجل مسنّ، لكنَّ شعلة قلبه لا تزال مشتعلة، وفي حياته الطويلة ربما يكون قد جُرح وأصيب بخيبة أمل في بعض الأحيان، ولكنه لم يفقد الرجاء؛ وبصبر، حافظ على الوعد، دون أن يسمح بأن تنهكه مرارة الماضي أو حزن الاستسلام الذي يظهر عندما يصل المرء إلى شفق الحياة. لقد تُرجم رجاء الانتظار فيه إلى الصبر اليومي للذين يبقون ساهرين متيقّظين، بالرغم من كل شيء، إلى أن رأت أخيرًا عَيناه الخلاص.

أضاف الحبر الأعظم يقول من أين تعلم سمعان هذا الصبر؟ لقد ناله من الصلاة وحياة شعبه، الذي رأى على الدوام في الرب “إِلَهًا رَحِيمًا وَرَؤُوفًا، بَطِيء الغَضَبِ وَكَثِير الإحسَانِ وَالوَفَاءِ”؛ الآب الذي، حتى إزاء الرفض وعدم الأمانة، لا يتعب أبدًا، بل “يصبر لسنوات عديدة”، لكي يمنحنا في كل مرة إمكانية الارتداد. لذلك فإن صبر سمعان هو مرآة لصبر الله، ومن صلاة شعبه وتاريخه تعلم سمعان أن الله صبور. وبصبره – يؤكد القديس بولس – “يدفعنا إلى الارتداد”. يطيب لي أن أتذكر رومانو غوارديني، الذي كان يقول: الصبر هو الأسلوب الذي يستجيب به الله لضعفنا، لكي يمنحنا الوقت للتغيير. والمسيح، يسوع، الذي حمله سمعان بين ذراعيه، يكشف لنا صبر الله، الآب الذي يرحمنا ويدعونا حتى الساعة الأخيرة، والذي لا يطلب الكمال وإنما اندفاع القلب، الذي يفتح إمكانيات جديدة حيث يبدو أنَّ كل شيء قد ضاع، والذي يحاول أن يخترقنا حتى عندما تكون قلوبنا مغلقة، والذي يسمح للقمح بأن ينمو دون أن يقلع الزؤان. هذا هو سبب رجائنا: الله ينتظرنا بدون أن يتعب أبدًا. وعندما نبتعد يأتي ليبحث عنا، وعندما نسقط على الأرض يرفعنا، وعندما نعود إليه بعد أن نكون قد ضعنا ينتظرنا بأذرع مفتوحة. إن محبّته لا تُقاس بمقاييس حساباتنا البشرية، ولكنها تبعث فينا على الدوام الشجاعة لكي نبدأ من جديد.

تابع البابا فرنسيس يقول صبرنا. لننظر إلى صبر الله وصبر سمعان بالنسبة لحياتنا المكرسة. ولنسأل أنفسنا: ما هو الصبر؟ إنه ليس التسامح البسيط للصعوبات أو التحمل القسريّ للشدائد. الصبر ليس علامة ضعف: إنه قوة الروح التي تجعلنا قادرين على “تحمل ثقل” المشاكل الشخصية والجماعية، وتجعلنا نقبل باختلاف الآخر، وتجعلنا نثابر في الخير حتى عندما يبدو أنَّ كل شيء عديم الفائدة، وتُبقينا في المسيرة حتى عندما يسيطر علينا الملل والكسل. ولذلك أرغب في أن أشير إلى ثلاثة أماكن يصبح فيها الصبر ملموسًا.

الأول، أضاف الأب الأقدس يقول هو حياتنا الشخصية. في أحد الأيام استجبنا لدعوة الرب، وقدمنا ​​أنفسنا له بحماس وسخاء، وخلال المسيرة، بالإضافة إلى التعزية، تلقينا أيضًا خيبات الأمل والإحباط. في بعض الأحيان، لا يتناسب حماس عملنا مع النتيجة التي كنا نرجوها، ويبدو أن بذارنا لا تنتج الثمار الملائمة، فتتلاشى حماسة الصلاة ولا نعود محصنين ضد الجفاف الروحي. قد يحدث، في حياتنا كأشخاص مكرسين، أن يتعب الرجاء بسبب الإنتظارات التي خابت. ولكن علينا أن نتحلى بالصبر على أنفسنا وننتظر بثقة أوقات الله وطرقه: لأنّه أمين لوعوده. وتذكر هذا الأمر يسمح لنا بأن نعيد التفكير في مساراتنا ونعزز أحلامنا، بدون الاستسلام للحزن الداخلي وغياب الثقة.

تابع البابا يقول المكان الثاني الذي يصبح فيه الصبر ملموسًا: هو الحياة الجماعيّة. إنَّ العلاقات الإنسانية، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بمشاركة مشروع حياة ونشاط رسولي، ليست دائمًا سلمية. ففي بعض الأحيان تنشأ الخلافات ولا يمكننا أن نطلب حلاً فوريًّا، كما لا يجب علينا أن نحكم على الأشخاص أو المواقف بسرعة: يجب أن نعرف أن نأخذ المسافات الصحيحة، ونحاول ألا نفقد السلام، وننتظر الوقت الأفضل لكي نوضح الأمور في المحبة والحقيقة. هناك حاجة في جماعاتنا إلى هذا الصبر المتبادل: لأن نتحمّل، أي أن نحمل حياة إخوتنا على أكتافنا، حتى نقاط ضعفهم وعيوبهم. لنتذكر هذا الأمر دائمًا: إنَّ الرب لا يدعونا لكي نكون عازفين منفردين، وإنما لكي نكون جزءًا من جوقة، قد تُنشِّز أحيانًا، ولكن على أفرادها دائمًا أن يحاولوا أن ينشدوا معًا.

أضاف الحبر الأعظم يقول ختامًا، المكان الثالث وهو الصبر إزاء العالم. لقد عزّز سمعان وحنة في قلبيهما الرجاء الذي أعلنه الأنبياء، حتى لو تأخّر في أن يتحقق ونما ببطء داخل عدم الأمانة وأنقاض العالم. فهما لم يتذمّرا بسبب الأشياء التي لا تسير على ما يرام، بل انتظرا النور بصبر في ظلام التاريخ. نحن بحاجة لهذا الصبر لكي لا نبقى أسرى التذمّر: “العالم لم يعد يصغي إلينا”، “لم يعد لدينا دعوات”، “نعيش في أوقات عصيبة” … قد نعارض أحيانًا الصبر الذي يعمل الله من خلاله في تربة التاريخ وقلوبنا، بنفادِ صبرِ من يحكم على كل شيء على الفور. وهكذا نفقد الرجاء.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول يساعدنا الصبر لكي ننظر إلى أنفسنا وجماعاتنا والعالم برحمة. يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل نقبل صبر الروح القدس في حياتنا؟، هل نحمل في جماعاتنا بعضنا البعض على أكتافنا ونظهر فرح الحياة الأخوية؟ وهل نؤدي خدمتنا إزاء العالم بصبر أم أننا نحكم بقسوة؟ إنها التحديات لحياتنا المكرسة: لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي في حنين إلى الماضي أو أن نحُدَّ أنفسنا في تكرار الأشياء عينها على الدوام. نحن بحاجة إلى الصبر الشجاع لكي نسير ونكتشف طرقًا جديدة، ونبحث عما يقترحه الروح القدس علينا. لنتأمل في صبر الله ولنلتمس من سمعان الصبر الواثق، لكي تتمكّن أعيننا أيضًا من أن ترى نور الخلاص وتحمله إلى العالم أجمع.