البابا فرنسيس: الافخارستيا تحقق العهد الذي يقدّسنا ويطهّرنا ويجمعنا في شركة رائعة مع الله
ترأس قداسة البابا فرنسيس مساء الخميس القداس الإلهي في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران بمناسبة عيد جسد المسيح ودمه، وألقى عظة استهلها بالقول: لقد سمعنا في العشاء الأخير يسوع يعطي جسده ودمه من خلال الخبز والخمر ليترك لنا تذكارًا لتضحيّة حبّه اللامتناهي. وبهذه “التعزية” التي تفيض بالنعمة يجد التلاميذ كل ما هو ضروري لمسيرتهم عبر التاريخ ليمتدَّ ملكوت الله إلى الجميع. وأكّد الأب الأقدس أن العطيّة التي وهبها لهم يسوع من خلال بذل ذاته بإرادته على الصليب ستكون لهم نورًا وقوة، وبأن خبز الحياة هذا قد وصل إلينا.
تابع الحبر الأعظم يقول إن الكنيسة لا تزال تندهش أمام هذا الواقع. إنها دهشة تُغذّي على الدوام التأمُّل والعبادة والذكرى. ويظهرها لنا نص جميل تقدّمه لنا الليتورجية اليوم في ردّ القراءة الثانية من فرض القراءات والذي نقرأ فيه: “هذا ما تعترفون به في الخبز، هو مَن عُلِّقَ على الصَّليب. وفي الكأسِ هو الماءُ الذي خرجَ من جنبِه. خُذُوا إذًا وكُلُوا جسدَ المسيح. خُذُوا واشربوا دمَ المسيح. فقد أصبَحْتُم أنتم أنفسُكم أعضاءَ المسيح. حتى لا ينحَلَّ رباطُ محبَّتِكم تَغَذَّوْا بمَن هو الرِّباط. حتى لا تُصبِحوا مُحتقَرِين مِن غيرِ ثمنٍ اشرَبوا الثَّمنَ الذي أُدِّيَ عنكم”.
أضاف البابا فرنسيس يقول: ماذا يعني لنا اليوم أن ينحَلَّ رباط محبّتنا وأن نصبح مُحتَقَرين من غير ثمن؟ ينفكُّ رباط محبّتنا عندما لا نطيع كلمة الرب وعندما لا نعيش الأخوّة فيما بيننا، عندما نتنافس في احتلال المقامات الأولى وعندما لا نجد الشجاعة لنشهد للمحبّة وعندما لا نكون قادرين على تقديم الرجاء. هكذا ينحَلَّ رباط محبّتنا! إن الافخارستيا تسمح بألا ينحل رباط محبتنا، لأنها رباط شركة وتمام العهد وعلامة حيّة لمحبة المسيح الذي واضع نفسه وأخلى ذاته لكي نبقى متحدين. بالاشتراك في الافخارستيا والاغتذاء منها ندخل في مسيرة لا تقبل الانقسامات. فالمسيح الحاضر في وسطنا في علامات الخبز الخمر يطلب أن تتغلّب قوة الحب على كل انقسام وأن تصبح في الوقت عينه شركة مع الأشدّ فقرًا وعونًا للضعيف واهتمامًا أخويًّا بالذين يتعبون في حمل ثقل الحياة اليوميّة، وهم في خطر أن يفقدوا الإيمان.
وماذا يعني لنا اليوم أن نصبح مُحتقَرين من غير ثمن، أو أن نَكسُر من كرامتنا المسيحيّة؟ يعني أن نسمح بأن توهننا وتضعفنا أصنام زماننا: حبُّ الظهور والاستهلاك والأنا في محور كل شيء؛ وإنما أيضًا المنافسة والتعجرف كموقف المنتصر، وعدم الاعتراف بالخطأ أو بالحاجة. جميع هذه الأمور تجعلنا مُحتقَرين من غير ثمن، تجعلنا مسيحيين ضعفاء وفاترين، لا طعم لهم، وثنيّين. إن يسوع، تابع البابا فرنسيس يقول، قد سفك دمه كثمن وغسلنا لكي نتنقى من جميع الخطايا: لكي لا نصبح مُحتقَرين من غير ثمن فننظر إليه ونستقي من ينبوعه لكي نُحفظ من خطر الفساد. فنختبر عندها نعمة التحوّل: سنبقى دائمًا خطأة ضعفاء، لكن دم المسيح سيحررنا من خطايانا ويعيد إلينا كرامتنا. سيحرّرنا من الفساد. وسنتمكَّن، بدون أي استحقاق وبتواضع صادق، من أن نحمل للإخوة محبة ربنا ومخلصنا. سنكون عينيه اللتين تذهبان بحثًا عن زكا والمجدليّة؛ سنكون يده التي تنقذ مرضى الجسد والروح؛ سنكون قلبه الذي يحب المحتاجين للمصالحة والرحمة والتفهّم. وهكذا تُحقِّق الافخارستيا العهد الذي يقدّسنا ويطهّرنا ويجمعنا في شركة رائعة مع الله. فنتعلّم هكذا أن الافخارستيا ليست مكافأة للصالحين وإنما هي قوّة للضعفاء والخطأة. إنها المغفرة والتعزية التي تساعدنا للسير والمضيّ.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول اليوم عيد جسد المسيح ودمه، ونحن نفرح ليس بالاحتفال بهذا السرّ فقط وإنما أيضًا بتمجيده والتغنّي به في شوارع مدينتنا. ليعبّر التطواف، الذي سنقوم به في ختام الذبيحة الإلهيّة، عن امتناننا للمسيرة كلِّها التي جعَلَنا الله نقوم بها عبر صحراء ضعفنا ليخرجنا من العبوديّة ويغذينا بمحبّته بواسطة سرّ جسده ودمه. بعد قليل، وبينما سنسير في الطرقات، لِنَشعُر بأننا في شركة مع العديد من إخوتنا وأخواتنا الذين لا يملكون حريّة التعبير عن إيمانهم بالرب يسوع. لِنَشعُر باتحادنا بهم ولنُرنِّم ونُمجِّد ونَعبُد معهم. ولنُكرِّم في قلوبنا أولئك الإخوة والأخوات الذين ضحّوا بحياتهم أمانة للمسيح: ليكن دمهم المُتَّحد بدم الرب عربون سلام ومصالحة للعالم بأسره. ولا ننسيّن أبدًا أنّه لكي “لا ينحَلَّ رباطُ محبَّتِكم تَغَذَّوْا بمَن هو الرِّباط. ولكي لا تُصبِحوا مُحتقَرِين مِن غيرِ ثمنٍ اشرَبوا الثَّمنَ الذي أُدِّيَ عنكم”.
الفاتيكان