البابا فرنسيس: المغفرة هي أكبر عطيّة يمكن أن نمنحها للآخرين وهي تجعلنا أكثر تشبّهًا بالله
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في قاعة كليمينتينا بالقصر الرسولي بالفاتيكان ممثلين عن مُختلف الديانات مُلتزمين في أعمال المحبّة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحب بها بضيوفه وقال: كما تعلمون تقترب السنة المقدّسة من نهايتها والتي نظرت الكنيسة من خلالها إلى جوهر الرسالة المسيحيّة في ضوء الرحمة، هي تظهر لنا في الواقع اسم الله وهي الدعامة التي ترتكز إليها الكنيسة والمفتاح للدخول في سرِّ الإنسان الذي يحتاج اليوم أيضًا للمغفرة والسلام. ومع ذلك تبقى الرحمة سرّ لا يحتفل به بالكلمات فقط وإنما وبنوع خاص من خلال الأعمال وأسلوب حياة رحوم يقوم على المحبّة المجانيّة والخدمة الأخويّة والمقاسمة الصادقة. إنه الأسلوب التي دُعيت لتتبناه الأديان أيضًا لتكون رسولة سلام وصانعة شركة وتعلن أن وقت الأخوّة قد حان؛ لذلك من المهم أن نبحث عن اللقاء فيما بيننا يجعلنا أكثر انفتاحا على الحوار كي نعرف ونفهم بعضنا بعضًا بشكل أفضل؛ ويزيل كل شكل من أشكال الانغلاق والازدراء ويُُبعد كل شكل من أشكال العنف والتمييز.
تابع الأب الأقدس يقول إن الانحناء الشفوق والرحوم على البشريّة الضعيفة والمعوزة هو جزء من الروح الديني الذي يرفض تجربة استغلال السلطة والاتجار بالحياة البشريّة ويرى في الآخرين إخوة. إن الاقتراب من الذين يعيشون أوضاعًا تتطلب عناية قصوى هو دعوة تأتي من قلب كل تقليد ديني حقيقي. إنه صدى الصوت الإلهي الذي يُحدِّث ضمير كل فرد منا ويدعونا لتخطّي الإنغلاق على أنفسنا وللإنفتاح. وفي هذا الإطار ينقل النبي أشعيا رسالة رائعة وهي في الوقت عينه وعد محبّة ونوع من التحدّي من قبل الله إزاء الإنسان: “أتَنسى المرأةُ رَضيعَها فلا تَرحَمَ ثمرَةَ بَطنِها؟ لكن ولو أنَّها نَسيَت، فأنا لا أنساك” (أشعيا 49، 15). لكنَّ الإنسان ينسى على الدوام، ويُبعد الله والقريب وذكرى الماضي ويكرّر هكذا الأخطاء المأساويّة التي ارتكبها سابقًا. هذه هي مأساة الشر والهاوية المُظلمة التي يمكن لحريّتنا أن تغوص فيها، ولكن هنا بالذات وإزاء سرّ الشرّ الكبير الذي يُسائل كل خبرة دينيّة نجد الجانب المدهش للمحبة الرحيمة.
أضاف الحبر الأعظم يقول في عالم متقلّب وذاكرته قصيرة يركض مسرعًا تاركًا كثيرين خلفه وبدون أن يتنبّه يبقى بدون نفس وبدون هدف، نحن بحاجة اليوم لهذه المحبّة المجانية التي تجدد الحياة كما نحتاج للأكسجين؛ لأن الإنسان يظمأ للرحمة وما من تقنيّة قادرة على إرواء عطشه، ويبحث عن عناق لامتناهي يغفر ويصالح.
تابع البابا يقول إنه لأمر فائق الأهميّة، إزاء الخوف الذي ينتشر اليوم بأنه من المستحيل أن يُغفرَ لنا ونُفتدى من ضعفنا وهشاشتنا. بالنسبة لنا نحن الكاثوليك، من بين الطقوس الأكثر أهميّة خلال سنة اليوبيل لدينا طقس العبور بتواضع وثقة عبر باب – الباب المقدّس – لتتِمّ مصالحتنا بشكل كامل من قبل الرحمة الإلهيّة التي تغفر لنا خطايانا؛ ولكن هذا الأمر يتطلّب منا نحن أيضًا أن نغفر لمن أخطأ إلينا. إن المغفرة بالتأكيد هي أكبر عطيّة يمكن أن نمنحها للآخرين، لأنها العطيّة الأثمن والأكثر كلفة وإنما وفي الوقت عينه العطية التي تجعلنا أكثر تشبّهًا بالله. وبالتالي تمتد الرحمة أيضًا إلى العالم الذي يحيط بنا والذي دعينا لنحرسه ونحافظ عليه من الاستهلاك الوحشي. لذلك هو بحاجة لالتزامنا لنربّي وننشّئ على الاتّزان والاحترام وعلى عالم يعيش ببساطة أكبر وحيث يتمّ استعمال موارد الخليقة بحكمة واعتدال.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول لتكن هذه الدرب الرئيسيّة بالنسبة لنا؛ لنرفض دروب المعارضة والانغلاق. فلا تنقل الأديان بعد الآن، بسبب تصرّف بعض أتباعها، رسالة تتعارض مع رسالة الرحمة. للأسف لا يمر يوم بدون أن نسمع عن أخبار عنف ونزاعات واعتداءات إرهابية وضحايا ودمار، وبالتالي نحن مدعوون لندين هذه المواقف التي تدنّس اسم الله وتشوّه بحث الإنسان الديني، ونشجّع اللقاء السلمي بين المؤمنين وحرية دينية حقيقيّة. وفي هذا الإطار تصبح مسؤوليتنا أمام الله والبشريّة والمستقبل كبيرة وتتطلب منا كل جهد ممكن بدون أي رياء. إنها دعوة تطالنا ومسيرة نمشيها معًا برجاء ومن أجل خير الجميع.
الفاتيكان