البابا يترأس القداس لمناسبة اختتام اليوم العالمي للشباب 2016
ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة العاشرة من صباح اليوم الأحد قداسا احتفاليا في “Campus Misericordiae” في كراكوفيا لمناسبة اختتام اليوم العالمي للشباب 2016، وقد تخللت الذبيحة الإلهية عظة للحبر الأعظم استهلّها بالقول أيها الشباب الأعزاء، لقد أتيتم إلى كراكوفيا لتلتقوا بيسوع. وإنجيل اليوم يحدثنا عن اللقاء بين يسوع وزكا في أريحا. حيث لم يكتفِ يسوع بالتبشير أو بأن يحيي أحدًا ما وإنما أراد – يقول الإنجيلي – أن يجتاز المدينة. بمعنى آخر يسوع يريد أن يقترب من حياة كل فرد وأن يسير مسيرتنا في عمقها لكي تلتقي حياته بحياتنا حقًّا.
تابع البابا فرنسيس يقول هكذا تمّ اللقاء المدهش مع زكا رئيس العشارين. لقد كان زكا معاونًا غنيًّا للرومان، وكان يستغل شعبه وبسبب سمعته السيئة لم يكن بإمكانه أن يقترب من المعلّم. لكن اللقاء مع يسوع غيّر له حياته، كما حصل ويمكن أن يحصل يوميًّا مع كل فرد منا. لكن زكا قد اضطر لمواجهة بعض العوائق ليلتقي بيسوع: ثلاثة على الأقل ويمكنها أن تحمل معنى لنا أيضًا.
أضاف الحبر الأعظم يقول العائق الأول هو قصر القامة: لم يستطع زكا أن يرى يسوع لأنه كان قصير القامة. واليوم أيضًا يمكننا أن نخاطر في البقاء بعيدين عن يسوع لأننا نشعر أننا دون المستوى ولا نعطي أنفسنا الاعتبار الكافي. إنها تجربة كبيرة ولا تتعلّق بالاعتزاز بالنفس وحسب وإنما تطال الإيمان أيضًا، لأن الإيمان يقول لنا إننا “أبناء الله ونحن كذلك حقًّا” (1 يوحنا 3، 1): لقد خُلقنا على صورته؛ يسوع قد اتخذ بشريتنا وقلبه لن ينفصل عنا أبدًا؛ الروح القدس يريد أن يقيم فينا؛ نحن مدعوون للفرح الأبدي مع الله! هذه هي “قامتنا”، هذه هي هويتنا الروحيّة: نحن أبناء الله المحبوبون على الدوام. تفهمون إذًا أن عدم قبول ذواتكم والعيش بحزن والتفكير السلبي، هذه الأمور كلها تعني عدم الاعتراف بهويتنا الحقيقيّة. الله يحبنا هكذا كما نحن، وما من خطيئة أو نقص أو خطأ بإمكانه أن يغيّر له رأيه. فبالنسبة ليسوع – وهذا ما يُظهره لنا الإنجيل أيضًا – ما من أحد بعيد أو بدون قيمة وإنما جميعنا محبوبون ومهمّون: أنت مهمّ! والله يعتمد عليك لما أنت عليه وليس لما تملكه: أنت ثمين في عينيه وقيمتك لا تُقدّر بثمن.
تابع الأب الأقدس مشيرًا إلى أنه عندما ولسبب ما في حياتنا نبدأ بالنظر إلى أسفل بدل من النظر إلى فوق يمكن لهذه الحقيقة أن تساعدنا وقال: الله أمين في محبّته لنا. سيساعدنا أن نفكّر بأنّه يحبّنا أكثر مما نحب أنفسنا وبأنه يؤمن بنا أكثر مما نؤمن بأنفسنا. هو ينتظرنا برجاء على الدوام، حتى عندما ننغلق في أحزاننا. إن الله مليء بالرجاء تجاهنا: يؤمن دائمًا أنه بإمكاننا أن ننهض ولا يستسلم لدى رؤيته لنا بدون فرح، لأننا نبقى على الدوام أبناءه الأحباء.
أضاف البابا فرنسيس يقول لقد واجه زكا عائقًا ثانيًا على درب اللقاء مع يسوع: الخجل الذي يشلّ. يمكننا أن نتصوّر ما حصل في قلب زكا قبل أن يصعد تلك الجُمّيزة، لقد عاش كفاحًا قويًّا: فضول إيجابي من جهة، فضول التعرّف على يسوع؛ ومن جهة أخرى خطر أن يترك انطباعًا سيئًا. لقد كان زكا شخصيّة معروفة وكان يعرف أنه بصعوده الجُمّيزة قد يصبح مهزلة في أعين الجميع. لكنّه تخطى الخجل لأن انجذابه ليسوع كان أقوى. لقد اختبرتم بالتأكيد ماذا يحصل عندما يصبح الانجذاب لشخص ما قوي لدرجة الوقوع في حب هذا الشخص وبالتالي يمكن للشخص أن يقوم بأشياء لم يقم بها من قبل. شيء مشابه حصل في قلب زكا أيضًا، عندما شعر أن يسوع مهمّ جدًا وأنّه قد يقوم بأي شيء من أجله لأنه كان الوحيد الذي بإمكانه أن ينتشله من الرمال المتحرّكة للخطيئة والحزن.
هكذا، أضاف الحبر الأعظم يقول، لم يسيطر عليه الخجل الذي يشلّ ويقول لنا الإنجيل إن زكا “تقدَّمَ مُسرِعاً وصَعِدَ جُمَّيزَةً” ومن ثمَّ عندما دعاه يسوع “نزَلَ على عَجَل”. لقد جازف ولم يبق مكتوف الأيدي. هذا هو أيضًا سرُّ الفرح بالنسبة لنا: لا تُطفئ الفضول الإيجابي وكُن فاعلاً لأن الحياة ينبغي أن تُعاش بملئها. أمام يسوع لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي وفي الانتظار، كما ولا يمكننا أن نرُدَّ بمجرد رسالة صغيرة على الذي يُعطينا الحياة! أعزائي الشباب لا تخجلوا من أن تحملوا له كل شيء في الاعتراف ولاسيما الضعف والتعب والخطايا: وهو سيفاجئكم بمغفرته وسلامه. لا تخافوا من أن تقولوا له “نعم” باندفاع قلب وتجيبوا بسخاء وتتبعوه! لا تسمحوا بأن تتخدّر أنفسكم، وتوقوا إلى الحب الذي يتطلّب التخلّي والتضحية أيضًا!
بعد قصر القامة والخجل الذي يشل، تابع الأب الأقدس يقول، وُجب على زكا أن يواجه عائقًا ثالثًا، لم يكن في داخله بل حوله وهو الجمع المُتذمِّر الذي منعه أولاً من الوصول ومن ثمّ انتقده: ما كان يجب على يسوع أن يدخل إلى بيته، بيت خاطئ! كم هو صعب أن نستقبل يسوع حقًّا وكم هو قاس أن نقبل “إلهًا واسع الرحمة” (أفسس 2، 4). قد يعيقونكم ويجعلونكم تعتقدون أن الله بعيد وقاس وغير حساس، صالح مع الصالحين وشرّير مع الأشرار؛ لكنَّ أبانا “يُطلِعُ شَمسَه على الأَشرارِ والأَخيار” ويدعونا للتحلّي بالشجاعة الحقيقيّة: أن نكون أقوى من الشرّ من خلال محبّتنا للجميع حتى الأعداء. قد يستهزؤون بكم لأنكم تؤمنون بالقوّة الوديعة والمتواضعة للرحمة. لا تخافوا بل فكروا بكلمات هذه الأيام: “طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرحَمون”. قد يقولون عنكم إنكم حالمون لأنكم تؤمنون ببشريّة جديدة لا تقبل الحقد بين الشعوب ولا ترى حدود البلدان كحواجز وتحرس تقاليدها بدون أنانيّة وتأفّف. لا تيأسوا: بابتسامتكم وبأذرعكم المفتوحة تبشّرون بالرجاء وتشكّلون بركة للعائلة البشريّة الواحدة.
تابع البابا فرنسيس يقول في ذلك اليوم حكم الجمع على زكا أما يسوع فعلى العكس فقد “رَفَعَ طَرفَه” نحوه (الآية 5). إن نظرة يسوع تذهب أبعد من النواقص وترى الأشخاص؛ لا تتوقّف عند الشر الماضي وإنما تلحظ الخير في المستقبل؛ لا تستسلم أمام الانغلاقات بل تبحث عن درب للوحدة والشركة؛ لا تتوقّف عند المظاهر بل تنظر إلى القلب. بنظرة يسوع هذه، يمكنكم أن تنمّوا بشريّة أخرى؛ لا تتوقفوا عند سطحيّة الأمور ولا تثقوا بالشعائر الدنيويّة لحب الظهور و”تبرّج” النفوس لكي تبدو أفضل؛ بل أقيموا علاقات ثابتة، علاقة القلب الذي يرى الخير وينقله بدون كلل. وذاك الفرح الذي نلتموه مجّانًا أعطوه مجّانًا أيضًا لأن هناك العديد من الأشخاص الذين ينتظرونه.
أضاف الأب الأقدس يقول وختامًا لنصغِ إلى كلمات يسوع لزكا والتي تبدو وكأنها موجّهة لنا: “انزِل على عَجَل، فيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ” (الآية 5). يسوع يوجّه لك الدعوة عينها: “يَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ”. يمكننا القول إن اليوم العالمي للشباب يبدأ اليوم ويتابع غدًا في البيت، لأن يسوع يريد أن يلتقي بك هناك من الآن وصاعدًا. الرب لا يريد أن يبقى فقط في هذه المدينة الجميلة أو في الذكريات الغالية بل يريد أن يذهب إلى بيتك ويقيم في حياتك اليوميّة: في الدراسة وأولى سنوات العمل، في الصداقات والعواطف وفي المشاريع والأحلام. كم يحب أن تحمل إليه جميع هذه الأمور بالصلاة! كم يرغب أن تطبع كلمته كل يوم من أيام حياتك وأن يصبح إنجيله إنجيلك ويصبح “بوصلتك” على دروب الحياة!
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول وفيما يسألك أن يأتي إلى بيتك، كما فعل مع زكا، يدعوك يسوع باسمك. اسمك ثمين بالنسبة له. إن اسم زكا في لغة ذلك الزمان يعني تذكار الله. ثقوا بتذكار الله: فذاكرته ليست “قرصًا صلبًا” يسجّل ويحفظ جميع معلوماتنا، وإنما هو قلب حنان وشفقة يفرح بأن يزيل منا كل أثر للشر بشكل نهائي. لنحاول نحن أيضًا أن نتشبّه بذاكرة الله الأمينة ونحافظ على الخير الذي نلناه خلال هذه الأيام. لنحفظ هذا اللقاء في ذاكرتنا ولنحافظ على ذكرى حضور الله وكلمته ولننعش في داخلنا صوت يسوع الذي يدعونا باسمنا؛ لنصلِّ هكذا بصمت ونشكر الرب الذي أرادنا هنا والتقى بنا.
الفاتيكان