البابوات ولبنان : علاقة قوامها المحبة والرأفة
نقلا عن الفاتيكان نيوز
12 أغسطس 2020
تشكل الكلمات التي وجهها البابا فرنسيس بشأن لبنان يوم الأحد الفائت في أعقات تلاوة التبشير الملائكي مناسبة لتسليط الضوء على الرباط الوثيق القائم بين الكرسي الرسولي وبلاد الأرز، مع العلم أن البابوات المعاصرين أبدوا اهتماما خاصا بلبنان وثلاثة منهم زاروا هذا البلد.
كان بولس السادس أول بابا وطأت قدماه التراب اللبناني وذلك في العام 1964، ولم تكن زيارةً رسولية بل كانت محطاً خلال توجهه إلى بومباي في الهند. وعلى الرغم من أن حضوره استغرق ساعة واحدة فقط إلا أن هذا الحدث ظل مطبوعا في أذهان اللبنانيين، عندما كانت البلاد تُلقب بسويسرا الشرق قبل اندلاع الحرب الأهلية. صور الأرشيف تظهر آلاف اللبنانيين في جوار المطار، وكان في استقبال الزائر رئيس الجمهورية شارل حلو، وممثلون عن السلطات المدنية والدينية. وقال مونتيني آنذاك إن للبنان مرتبة شرف وسط الأمم مسلطا الضوء على ثقافة البلد وطابع سكانه السلمي، فضلا عن تقاليده الدينية العريقة، وتنوع الجماعات الرهبانية والنشاطات التربوية والثقافية والخيرية المتعددة.
يوحنا بولس الثاني بدأ حبريته بعد سنوات قليلة على اندلاع الحرب اللبنانية، وقد شارك في قداس بداية الحبرية في تشرين الأول أكتوبر 1978 الرئيسُ اللبناني إلياس سركيس. في العام 1984 وجه فويتيوا رسالة إلى اللبنانيين عبّر فيها عن محبته العميقة لهذا البلد وشعبه، مشجعا المواطنين كافة على اختلاف انتماءاتهم الدينية على البحث عن الدرب المؤدية إلى السلام ومسطرا دور الكنيسة المدعوة إلى خدمة الحوار والمصالحة. في العام 1997 قام يوحنا بولس الثاني بزيارة تاريخية للبنان، وأطلق شعار “لبنان بلد الرسالة” وهي عبارة ما يزال اللبنانيون يستخدمونها لغاية اليوم من أجل التأكيد على رسالة لبنان وسط معزوفة الأمم. وتوجه إلى الشبان داعيا إياهم إلى هدم الجدران التي شُيدت خلال سنوات الحرب من أجل الانتقال من الريبة إلى الثقة.
بعد خمس عشرة سنة على هذه الزيارة توجه بندكتس السادس عشر إلى بلاد الأرز وبالتحديد في أيلول سبتمبر من العام 2012. ولقي راتزنغر ترحيباً شعبيا حاراً من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء على الرغم من التوترات، وليدة الحرب الدائرة في سورية المجاورة. تحدث بندكتس السادس عشر عن التوازن الهش، الذي يواجه خطر أن ينكسر، لذا لا بد من تغليب الاعتدال والتعقّل، وشجع الشعب اللبناني على الرسوخ في الله. وتوقّف أيضا عند التعايش السلمي لافتا إلى أن هذا التعايش يتعمّق عندما يرتكز إلى تقبّل الآخر والتجذّر في الله الذي يريد من البشر أن يكونوا أخوة.
أما البابا فرنسيس فلم تتسنى له فرصة القيام بزيارة رسولية إلى لبنان لغاية اليوم على غرار أسلافه الثلاثة. مع ذلك لا يُخفى على أحد حرص البابا برغوليو الكبير على الحوار الإسلامي – المسيحي في منطقة الشرق الأوسط عموما وفي لبنان على وجه الخصوص. وقد تميّز أول يوم جمعة عظيمة في حبريته، بعد أيام قليلة على انتخابه في العام 2013، بتأملات رتبة درب الصليب في الملعب الروماني القديم بروما والتي أعدها شبان لبنانيون. ومما جاء في هذه التأملات: فلتكن دماء الشهداء الأبرياء بذرة لشرق جديد أكثر أخوّة وسلماً وعدالة، كي يتمكن هذا الشرق من استعادة رونق وجمال دعوته كمهد للحضارات والقيم الروحية والإنسانية.